مخاوف من استمرار تباطؤ معدلات النمو في مصر

وزير التنمية الأسبق قال لـ («الشرق الأوسط») إن مؤشرات أداء الاقتصاد «ليست جيدة»

TT

تفجرت الاحتجاجات والإضرابات العمالية في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، وقال مصدر في الحكومة المصرية التي تقدمت باستقالتها أمس للرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، إن غضب العمال بسبب انخفاض الأجور وتباطؤ معدلات النمو، كان من بين أسباب رحيل الحكومة المفاجئ. يأتي هذا بينما أكد وزير التنمية الإدارية الأسبق، الدكتور أحمد درويش، لـ«الشرق الأوسط»، أن مؤشرات أداء الاقتصاد «ليست جيدة»، وأن سوق العمل تعاني مشكلات لا حصر لها جعلت مصر تحتل المرتبة الـ146 من بين 148 دولة يشملهم مؤشر مناخ الأعمال.

ويبدو أنه كان من الضروري الإنصات جيدا للنقاش المحتدم، الذي يدور بين الجالسين، في المقهى القريب من ميدان التحرير الذي شهد احتجاجات ضخمة ضد نظامي مبارك ومرسي، في السنوات الثلاث الماضية. ويقول عدد من أعضاء الائتلافات الثورية التي شاركت في مظاهرات الأعوام السابقة بشأن الأجور وتحسين الأحوال الاقتصادية، إن رياح الغضب من تدني مستوى المعيشة لملايين المصريين قادرة على العصف بعدة حكومات وليست حكومة واحدة. لكن البعض الآخر يرى أنه لم يكن من الواجب الضغط على الحكومة بهذه الطريقة في ظل ظروف انتقالية صعبة.

ومنذ بداية هذا العام تفجرت الاحتجاجات أولا في عدة مناطق عمالية في شمال البلاد، ثم شارك عمال النقل العام والبريد في إضرابات عن العمل. ويقول صاحب محل لبيع الإطارات، يدعى أحمد المصري، إن الإضراب عن العمل في ظل الظروف التي تعانيها البلاد من تأزم اقتصادي هو «نوع من الخيانة للوطن»، وإن مواصلة الاحتجاجات في مختلف المؤسسات والهيئات والشركات تعني المزيد من الخسارة للاقتصاد.

لكن محمد عادل، وهو سائق في إحدى شركات قطاع الأعمال العام، يرى الأمر من زاوية مغايرة، فالاحتجاج، في رأيه، حق كفله الدستور والقانون، وبالتالي فإنه يحق للعمال عندما يتعرضون للظلم أن يلجأوا للإضراب «رغم أنه دواء مرٌّ»، مشيرا إلى أن «الحكومة عندما وضعت ضوابط الحد الأدنى للأجور، تجاهلت بعض الفئات وعززت من مكاسب فئات أخرى، ومن ثم فليس أمام المتضررين غير الإضراب مطالبين بالمساواة، وهذا حقهم».

وفي رده على أسئلة «الشرق الأوسط»، قال الدكتور درويش، إن استمرار تراجع ترتيب مصر في مؤشر التنافسية العالمي خلال عام 2012-2013 إلى 107 من إجمالي 144 دولة، ناتج عن ضعف المؤسسات واختلال الوضع الاقتصادي الكلي وصعوبة ممارسة أنشطة الأعمال. وتابع قائلا على هامش فعاليات المؤتمر السنوي التاسع للمجلس الوطني المصري للتنافسية، إنه رغم وجود جهود ملموسة تبذل لتعزيز تنافسية الاقتصاد المصري خلال السنوات الثلاث السابقة، فإن هذه الجهود «تولد وتموت في غرف مغلقة ولا يجري تفعيلها على أرض الواقع، فآليات التنفيذ غائبة والقدرة على اتخاذ القرار مفقودة في معظم أجهزة الحكومة».

وكشف تقرير التنافسية الأخير أن الاقتصاد المصري واصل تراجعه للعام الرابع على التوالي، بينما يرى بعض الخبراء أن محاولة الحكومة إرضاء «الشارع الثائر» كان دوما يدفع آخذ القرار إلى التضحية بمصلحة الاقتصاد، وأن قرار الحكومة الأخير الخاص بالحد الأدنى للأجور يعد نموذجا في هذا الإطار. وقال الدكتور درويش إنه أمام هذه الأزمة الاقتصادية لا بد من تضافر هذه الجهود للوصول لرؤية استراتيجية موحدة تستطيع التعامل مع التحديات الجسام التي يعانيها الاقتصاد، على أن يجري الاستفادة من كافة الجهود المبذولة من قبل والتي تتضمن أفكارا متطورة، شريطة أن تحدد في البداية موقع الاقتصاد، ثم إعداد العدة للبناء على ما جرى بناؤه من قبل. وبحسب الدكتور سمير رضوان، وزير المالية الأسبق، ترجع الاحتجاجات الفئوية في مصر إلى عدم وجود مؤسسات لإدارة الصراع تهيئ المجال للتشاور والتعاون والأخذ والرد بين الفئات الاجتماعية المعارضة، التي تنهض بدور مهم في الفترات الانتقالية، وأنه في ظل غياب هذه المؤسسات يمكن أن يتصاعد التوتر بسهولة ليصبح احتجاجات وأعمال شغب وعنف واضطرابا اجتماعيا.

ويعد انتشار الاحتجاجات الفئوية وتكرارها، وفقا للدكتور رضوان، شاهدا على غياب مثل هذه الآليات المؤسسية لإدارة الصراعات في مصر. ويمثل العمال المحتجون الكتلة الحرجة للاحتجاجات الفئوية التي ترفع مطالب مرتبطة بتوزيع الثروة سواء كانوا من أصحاب الياقات الزرقاء أو البيضاء، وسواء كانوا يطالبون برفع الأجور أو تحسين ظروف العمل أو استبدال الكوادر الإدارية الفاسدة.

ويذهب تقرير «الاحتجاجات العمالية في مصر في 2012» الصادر عن مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالقاهرة، إلى أن هذا النشاط العمالي ظهر كرد فعل تجاه السياسات الاقتصادية التي نفذتها حكومة نظيف (2004 – 2011) على حساب العدالة الاجتماعية، مما أدى إلى تدهور وضع المساواة الاجتماعية. ودفع هذا الوضع المتدهور، كما قال الدكتور رضوان، قطاعات متزايدة من المثقفين إلى الدعوة لإبرام عقد اجتماعي جديد في ظل غياب رؤية وأجندة واضحة المعالم للتعامل مع الأوضاع الاقتصادية المتردية بالبلاد ومطالب العمال، الأمر الذي دفع البلاد نحو مشارف صراع اجتماعي، كما أن هذه الاحتجاجات أثارت مجموعة من ردود الفعل تراوحت بين الخضوع إلى مطالب المتظاهرين على حساب عجز الموازنة الذي يصعب السيطرة عليه والتسريح العشوائي للعمال، وأخيرا التجاهل المطلق.

وتحتاج مصر، في رأي رضوان، إلى عقد اجتماعي جديد لحماية الحقوق السياسية للمواطنين والحقوق الاقتصادية للعمال، من خلال صياغة استراتيجية تتضمن إصلاحات أعمق للمؤسسات السياسية والقضائية وشبكات الأمان الاجتماعي، على أن تؤسس هذه الاستراتيجية على ثلاثة مقومات، وهي تحسين مصداقية أجهزة الدولة، وتحسين آليات التعبير عن الرأي، وتحسين شبكات الأمان الاجتماعي، علاوة على ذلك يجب تأسيس مجلس اقتصادي واجتماعي يتولى تنظيم عملية التفاوض بين مختلف الأطراف.

وكانت الحكومة التي أعلنت عن استقالتها أمس وعدت بتطبيق الحد الأدنى من الأجور، إلا أنها لم تتمكن من تنفيذ هذا الوعد إلى نهايته ربما بسبب المصاعب الاقتصادية التي تواجهها. لكن التعامل مع مطلب الحد الأدنى للأجور على أنه سبب الاحتجاجات الفئوية في الشارع المصري أمر ينطوي على مغالطة، في رأي الدكتور يوسف القريوتي، المدير الإقليمي لمنظمة العمل الدولية، مشيرا إلى أن الاحتجاجات العمالية التي يشهدها الشارع نتيجة منطقية لممارسات غير منضبطة شهدتها سوق العمل إبان العقود الأربعة الأخيرة، والتي خلقت، بدورها، علاقة مضطربة بين أطراف منظومة العمل (الحكومة، والعمال، وأصحاب العمل).

من جانبها، ترى الدكتورة ماجدة غنيم، المتحدثة الإعلامية لوزارة القوى العاملة والهجرة بمصر، أن التعامل مع الاحتجاجات العمالية كحزمة واحدة أمر ينطوي على مغالطة شديدة، لأن هناك من العمال المحتجين مَن يطالبون بمطالب مشروعة، وهناك آخرون يصرون على مطالب ليست من حقهم، وبالتالي فإن وزارة القوى العاملة تصر دوما على فتح باب الحوار مع المحتجين للوقوف على مطالبهم، وتحديد ما إذا كانت مشروعة من عدمها، ليكون القرار في ما بعد.