رئيسة حزب الدستور: فوزي يؤكد التغير الشديد في عقلية المجتمع المصري

هالة شكر الله شددت لـ «الشرق الأوسط» على أن هيئتها السياسية تفتح أبوابها للجميع وأن فيها منشقين من «النور»

د. هالة شكر الله
TT

أكدت الدكتورة هالة شكر الله الفائزة أخيرا بمنصب رئيس حزب الدستور خلفا للدكتور محمد البرادعي، أن الحزب لن يطرح مرشحا للرئاسة وسيكتفي بمراقبة الأوضاع على الساحة السياسية في مصر، مشيرة في حوار مع «الشرق الأوسط» إلى احتمالات دخول الحزب في تحالفات مع من هم أقرب للحزب في الرؤى والأفكار. وقالت شكر الله في المقر الرئيس لحزب «الدستور» في القاهرة، إن «اختيار البرادعي كرئيس شرفي للحزب لا يعني سؤاله قبل اتخاذ أي قرار داخل الحزب، لكننا نتخذ القرارات وفق رؤيتنا لمدى أهميتها، ومدى تعبيرها عن القيم التي نتخذها».

جدير بالذكر أن شكر الله فازت قبيل أيام قليلة بمنصب رئيس حزب الدستور في انتخابات داخلية ساخنة، حصلت فيها على 108 أصوات من إجمالي أصوات الجمعية العمومية لحزب الدستور البالغ عددها 203 أصوات في المؤتمر العام الأول للحزب الذي عقد يوم الجمعة الماضي، لتكون بذلك أول امرأة مصرية مسيحية تترأس حزبا سياسيا بالانتخاب. وهو ما أحدث أصداء واسعة على الساحة الحزبية والسياسية في مصر، وفتح آفاق الآمال على مصراعيها أمام غيرها من النساء والمسيحيين للسير على نفس الخطى.

وإلى نص الحوار..

* بداية كيف تواجهين التحدي الكبير في خلافة الدكتور البرادعي لرئاسة الحزب وفي ظل هذه الظروف السياسية الصعبة في مصر؟

- نحن نصنع طريقنا بأنفسنا وفقا للمعطيات التي نعيشها، ولا يمكن أن نقيس ذلك بما كان يمكن أن يفعله البرادعي لو كان بيننا، فهذا ليس الذي يشغلني، نحن نحترم الدكتور البرادعي جدا ونحترم تمسكه بمبادئه، ونحترم وقوفه مع الشباب في لحظة بالغة الخطورة، وهذا قيمة مهمة في حد ذاته. ولذلك عندما جرى وضعه كرئيس شرفي فهذا أمر طبيعي، لكن هذا لا يعني ألا نتخذ قرارا إلا بعد أن نسأل الدكتور البرادعي، فنحن الذين نتخذ القرارات وفق رؤيتنا لمدى أهميتها ومدى تعبيرها عن القيم التي نتخذها.

* لكن حزب الدستور تعرض لهزة كبرى بعد انشقاق كثيرين عنه وبعد سفر البرادعي، أليس لذلك أثره على جماهيرية الحزب بالشارع المصري؟

- أعترف أنه بعد استقالة الدكتور البرادعي تأثر الحزب وضعف وضعه، لكننا نتكلم اليوم عن انطلاقة جديدة نحو التوحد داخل الحزب حتى فيما بين العناصر التي كانت تتنافس على نفس المقاعد لخلق مجموعة موحدة تبني الحزب معا، ونخلق معها آليات فعلية ديمقراطية، وهي لم تكن موجودة من قبل وكانت سببا في إحداث انشقاق سابق داخل الحزب على مراحل كثيرة، دون انعزال عن الواقع ومتطلباته.

* ما ردك على من يشككون في فاعلية الأحزاب المصرية ويتهمونها بالفشل في الاقتراب من الجمهور والتعبير عنه؟

- لا شك أن المناخ السياسي في مصر أثر كثيرا على هذا الأمر، وأقصد به المناخ السياسي القمعي الذي لم يكن يسمح للأحزاب بأن تفرد أجنحتها وتتواصل مع الجماهير. فخلال مرحلتي (الرئيسين الأسبقين) مبارك والسادات كانت كلها فترات ممنوع على الأحزاب التواصل فيها مع الناس، وهو ما كان يجعل الشعب منفصلا دائما عن الأحزاب مما كرس لهذا الإحساس السلبي تجاه الأحزاب.

أما اليوم فالأمر مختلف، لأننا مقبلون على مرحلة جديدة والمعركة لم تحسم بعد. فما زالت هناك مخاطر من عودة النظام القديم، وهو يحاول أن يمسك بقلب المجتمع لأنه يمتلك مطامع من الصعب جدا أن يتخلى عنها. وبالتالي فهو يحاول بكل الطرق، لكن الشعب هو الذي سيحسم هذه المعركة لأنه أدرك أمرا مهما جدا في 25 يناير، ألا وهو أنه جزء أساسي في العملية السياسية وأنه لا أحد يستطيع الرقي من دون أن يتوجه لهذا الشعب.

ونحن من جهتنا سنحاول القيام بالدور الذي يجب على الحزب القيام به، بأن يدافع عن الشعب ويتبنى الفئات المهمشة والأكثر فقرا بالذات، ويدافع عن حقوقها ويساعدها أن تكون طرفا في هذه المعركة، وأن يكون هناك ممثلون عنها في كل مكان حتى يرتفع صوتها. فهذه هي الطريقة التي يبنى بها المجتمع الديمقراطي.

* لكن هناك من يعد حزب الدستور حزبا لـ«الصفوة» وليس حزبا شعبيا بالمعنى المعروف؟

- كل الأحزاب تتهم بنفس التهمة.. بأنها أحزاب للنخبة فقط!

* بعد رئاسة حزب الدستور، هل تطمحين لما هو أعلى من ذلك، خاصة أن الدستور يتيح هذه الفرصة؟

- لا أطمح فيما أكبر من ذلك، وأعلى سقفي هو رئاسة حزب الدستور وليس لدي سقف آخر؛ بل إنني لم يكن لدي رغبة في الترشح لرئاسة الحزب في بداية الأمر، فقد اعتدت لسنوات أن أعمل مع الناس على أرض الواقع وفي مواجهة المشكلات الحياتية، ولكن ثقة الشباب في شخصي ومطالبتهم بالترشح شجعتني لتحقيق أملي في أن نصنع تجربة رائدة في الحياة السياسية المصرية.

* وماذا عن الطموح السياسي لحزب الدستور؟ هل يطرح مرشحا رئاسيا؟ وماذا عن الانتخابات البرلمانية؟

- أولوياتنا الآن هي ترتيب البيت من الداخل، وهي تأتي متواكبة مع المعركة الرئاسية. وما اتفقنا عليه أن «نشتبك» مع المعركة الانتخابية ولكن دون طرح مرشح رئاسي من الحزب لأننا لسنا في استعداد لهذه الخطوة. ومن ثم سنقوم بمراقبة المشهد وتحديد موقفنا مما يحدث في هذا الأمر. ومن ناحية أخرى فإننا سنوجد في الانتخابات المحلية والبرلمانية بحكم اتساع نطاق الحزب في مواقع كثيرة بأنحاء مصر، ومن خلال قامات ليست بالقليلة، وبالتالي فإنه ستكون هناك آلية لتنظيم هذه العملية بالنسبة لمن لديهم الطموح لتمثيل بيئتهم كنواب في البرلمان.

* هل سيكون هناك تحالفات في المستقبل في هذا الإطار؟

- كل الاحتمالات واردة، وإن كان طبعا الحزب المصري الديمقراطي هو الأقرب إلينا. وقد يكون ذلك نواة تحالف خلال الانتخابات المقبلة، فهو احتمال وارد.

* ما معايير الحزب في اختيار الحليف؟

- وجود أرضية ورؤى ومواقف مشتركة، وبالتالي نحن نقرأ الوضع بشكل قريب جدا ومستعدون أن نتبنى نفس المواقف. أيضا لا بد أن نكون متفقين على المعايير والمحددات التي سندخل بها المعركة السياسية والهدف المراد تحقيقه منها.

* على خلفية زيارة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (رئيس حزب مصر القوية، المرشح الرئاسي السابق) للحزب أخيرا، هل يمكن أن يعقد «الدستور» تحالفات مع أحزاب ذات مرجعية إسلامية؟

- أود أن أوضح أن زيارة الدكتور أبو الفتوح للحزب جاءت قبل فوزي برئاسة الحزب، وبناء على طلب منه. وهي كانت زيارة بروتوكولية ولم يسفر عنها أي نوع من الاتفاقات، لكنها بدافع بيان موقفه من الانتخابات في إطار أن الأحزاب المصرية حاليا تراقب مواقف الأحزاب المختلفة، وهي مقبلة على مرحلة كالتي نعيشها.

* كحزب ليبرالي منفتح على كل المصريين، هل يمكن قبول أعضاء منشقين من أي أحزاب إسلامية أو من جماعة الإخوان؟

- لدينا بالفعل شباب منشقون من حزب «النور» ذي المرجعية الإسلامية، ودخلوا واندمجوا في حزب الدستور. وهم متفقون معنا على كل مبادئنا بما فيها حظر التمييز، والديمقراطية.. وهذا ما يجعلنا ننادي بأن هذه الكتل ليست جامدة، ويجب ألا أن نتعامل معها على هذا الأساس. فهي أحيانا كثيرة تكون مغيبة وتعمل بدوافع الغضب والقهر، وقد تكون داخل قوالب فكرية معينة تبعدها عن الأهداف الحقيقية، ولكن في لحظات سياسية معينة تعود إليها. لذلك عندما نتكلم عن الأمن، فإننا نطالب بألا يتعامل الأمن مع كل القواعد بنفس الطريقة، ويكتفوا بالتعامل مع المجموعات العنيفة فقط كل وفق ظروفه.

* خدمة «فكرة توحدنا» كانت عنوان قائمتك التي فزت من خلالها برئاسة الحزب، فكيف تعملين على تنفيذها؟

- في بداية وضع قائمتنا الحزبية حددنا رؤيتنا، ومباشرة برقت أمامنا «فكرة توحدنا» لتجاوز الخلافات والعمل نحو التوحد. فمن ملاحظاتي أنه على الرغم من دخول أعضاء للحزب بدافع تغيير الواقع، ولكن بمجرد انتمائهم له سرعان ما تأخذهم الحياة الداخلية والصراعات داخل الحزب فينشغلون بها. ومن ثم يبدأون تدريجيا في الابتعاد عن الواقع الحقيقي، ويعيشون في واقع متخيل، وهذه تقريبا سمة كل الأحزاب الموجودة. ومن هنا كان هدفي من طرح «فكرة توحدنا» هو توحيد الصفوف، وأنا أعتقد أن وقت المنافسة داخل الحزب انتهى ليبدأ وقت التعاون.

* ما شعورك كأول امرأة مصرية مسيحية تفوز برئاسة حزب؟

- عندما ترشحت لم أكن أهتم بكوني امرأة أو مسيحية، ولا من رشحوني اهتموا بأي من هذين العنصرين، لأن الاهتمام الأساسي كان بالقضايا محل الاهتمام المشترك؛ فأنا مواطنة مصرية.

لكني أدرك جيدا تداعيات ذلك على المشهد السياسي، خاصة ما يتعلق بمكانة المرأة وحقوقها، وهذا محل اهتمامي بحكم تاريخي في العمل النسوي لفترات طويلة. وأعتقد أن الكثيرين يعدون وصولي لمنصبي الجديد بمثابة كسر لإحدى العقبات الشديدة، التي يمكن أن يكون لها توابع إيجابية أخرى وتشجع المجتمع لتقبل فكرة أن هذه الأمور ليست حاجزا أمام العمل. وهذه في حد ذاتها رسالة مهمة للمجتمع. ومجرد حدوث ذلك معناه أننا أمام حالة تغير شديدة في عقلية المجتمع بعد 25 يناير.

وشباب حزب الدستور كلهم يعكسون عقلية شباب 25 يناير، وهم أكثر الشباب المشاركين، والذين خلقوا معهم ثقافة جديدة من وحي الميدان.. مثل ثقافة وقوف الرجل ومساندته للمرأة باحترام شديد، وثقافة المسيحيين الذين كانوا يقفون لحماية صلاة المسلمين في ميدان التحرير.. وهي ثقافة الثورة التي أخرجت أفضل ما فينا آنذاك.