المعلم.. من أرشيف وزارة الخارجية إلى تلميع واجهة النظام

وليد المعلم (أ.ف.ب)
TT

يعد المعلم، السني الدمشقي، من الوجوه البارزة للنظام، وخلال ثلاث سنوات من الأحداث الدامية لعب دور القفاز الأبيض لبشار الأسد في رسم سياسته الخارجية، فقد عرف بتمتعه ببرود أعصاب ونفس طويل في خوض الجدالات السياسية وسياسة الهروب إلى الأمام. واشتهر بعبارة «سوريا قلبها طيب.. ونحن نفسنا طويل.. وتعالوا نتحاور» خلال تسلمه ملف العلاقات السورية اللبنانية عام 2005 في أوج تفجر هذه العلاقات على خلفية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. إلا أن بروزه في الدبلوماسية السورية يعود إلى عام 1990 عندما عين سفيرا لدى الولايات المتحدة وذلك لغاية 1999، الفترة التي شهدت مفاوضات السلام العربية السورية مع إسرائيل، واستلفت أداءه الهادئ أنظار المراقبين الدوليين.

وبحسب سيرته الذاتية فإن وليد المعلم المولود عام 1941 في المزة التي كانت بلدة بريف دمشق قبل أن تغدو اليوم من أكبر أحياء العاصمة، دخل إلى وزارة الخارجية عام 1964، وكان قد تلقى علومه الأولى في مدارس دمشق، ثم التحق بجامعة القاهرة وحصل منها على بكالوريوس في الاقتصاد عام 1960. وبعد التحاقه بوزارة الخارجية السورية عمل في البعثات الدبلوماسية في كل من تنزانيا، والسعودية، وإسبانيا، وبريطانيا. وفي عام 1975 عين سفيرا لسوريا لدى جمهورية رومانيا حتى عام 1980، ثم أعيد إلى دمشق وكان حينها عبد الحليم خدام وزير خارجية نظام الرئيس الأب حافظ الأسد. وكانت إعادته إلى دمشق بمثابة عقوبة، إذ لم يكن عبد الحليم خدام راضيا عنه لأسباب لا علاقة لها بالعمل الدبلوماسي، فعينه مديرا لإدارة التوثيق والترجمة، وأودعه بالإرشيف حيث كان مكتبه في قبو وزارة الخارجية القديم ثالث طبقة تحت الأرض، ليمضي أربع سنوات في غرفة معتمة رطبة وباردة بين وثائق وأوراق الخارجية السورية، في ظل إهمال شديد.

استغل وليد المعلم هذه العقوبة وألف كتابا من جزءين عن تاريخ سوريا، مستعينا بما بين يديه من وثائق نادرة، ولم يعد بعدها للتأليف. وفي عام 1984 ومع مجيء فاروق الشرع إلى وزارة الخارجية، أشير له بضرورة الاستفادة من قدرات وخبرات وليد المعلم المودع في قبو الخارجية، فتم نقله من قبو الأرشيف وعين مديرا لإدارة المكاتب الخاصة في مكتب الوزير وبقي في دمشق لغاية عام 1990، بعدها عين سفيرا لدى الولايات المتحدة الأميركية.

وفي مطلع عام 2000، عاد المعلم إلى دمشق وعين معاونا لوزير الخارجية فاروق الشرع. وفي عام 2005، سمي نائبا لوزير الخارجية وكلف إدارة ملف العلاقات السورية - اللبنانية في فترة بالغة الصعوبة. وفي عام 2006 عين وزيرا للخارجية. وأثناء وزارته حققت سوريا اختراقا في محاولة فك عزلتها، وأقيمت أوثق العلاقات مع السعودية وتركيا، وجرى أيضا الاختراق السياسي الكبير في فرنسا ودول غرب أوروبا مع علاقة قوية مع روسيا الاتحادية.

إلا أن الرصيد المهم الذي بناه وليد المعلم، كوزير دمشقي محنك ودبلوماسي بارع، راح يخسر يوما بعد آخر منذ اندلاع الأحداث الدامية في سوريا، إذ توجب عليه ترويج أكاذيب مفضوحة، مثل تبنيه صورا لمجموعات إسلامية قيل إنها تقاتل في جسر الشغور بشمال البلاد وتبين لاحقا أنها صور لجماعات في لبنان، كما اضطر غير مرة للانزلاق في مطب البروباغندا لإرضاء موالي النظام ورفع معنوياتهم، مثل تصريحه ردا على فرض العقوبات الأوروبية على سوريا «سنحذف أوروبا من الخارطة» الذي كان محط سخرية واستهزاء كبيرين من قبل المناهضين للنظام. وآخر المطبات كان خلال ترؤسه وفد النظام إلى المفاوضات في مؤتمر «جنيف 2»، حين استهلك خطابه ثلاثة أضعاف الوقت المخصص، وعدم مبالاته بقرع الجرس ست مرات، ومن ثم تأنيبه لوزير الخارجية الأميركي جون كيري ومشاداته مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وبينما كان تصرفه هذا محط انتقادات الأطراف المشاركة في المؤتمر ومثار سخرية المعارضة، فإنه كان موضع إعجاب من قبل النظام ومواليه، وألفت في مديحه الأناشيد والأغاني الشعبية.