القرم تدعو أقاليم مجاورة لاستفتاءات مشابهة حول الانفصال عن أوكرانيا

رصد طائرة استطلاع أميركية فوق شبه الجزيرة الأوكرانية.. وتدريبات روسية جديدة في المنطقة

امرأتان تسيران في شارع أمام جنود مسلحين قرب قاعدة عسكرية في بيريفالنوي غير البعيدة عن سيمفروبول عاصمة القرم أمس (إ.ب.أ)
TT

دعا رئيس حكومة القرم الموالي لروسيا سيرغي أكسيونوف، المناطق الأخرى الناطقة بالروسية في شرق أوكرانيا إلى إجراء استفتاءات حول انضمامها إلى روسيا، أمس، وذلك قبل يومين من الاستفتاء المرتقب في القرم بشأن استقلال هذه المنطقة أو انضمامها إلى روسيا. وجاءت هذه الدعوة بينما أخفقت محادثات أجراها وزيرا خارجية روسيا والولايات المتحدة حول الأزمة الأوكرانية لكن دون أن تسفر عن أي اختراق.

وقال أكسيونوف خلال مؤتمر صحافي في سيمفروبول، عاصمة شبه جزيرة القرم، إنه «إذا كان هناك عدد كاف من الأشخاص في تلك المناطق يدعمون ذلك (فكرة الانضمام إلى روسيا)، فعليهم تنظيم استفتاءات». وردا على سؤال عن الوقت الذي سيحتاج إليه شبه الجزيرة لتنفيذ نتائج استفتاء يوم غد حول الانضمام إلى روسيا، قال أكسيونوف «سنكون بحاجة إلى سنة واحدة على أبعد تقدير». وحول العسكريين الأوكرانيين في القرم، قال أكسيونوف إن بإمكانهم «الانضمام إلينا أو المغادرة، وقواعدهم ستعود إلى جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي».

وجاء هذا الموقف من المسؤول القرمي تزامنا مع إعلان وزارة الصحة الأوكرانية عن مقتل شخص وجرح 17 آخرين مساء أول من أمس في مدينة دونيتسك الواقعة شرق أوكرانيا، إثر هجوم شنه أشخاص موالون لروسيا، ضد متظاهرين مؤيدين للسلطة الجديدة في كييف. وأفادت مصادر طبية بأن أحد المتظاهرين تلقى طعنة أدت إلى وفاته. وحمل عمدة مدينة دونيتسك سيرغي تاروتا السلطات الروسية مسؤولية ارتفاع وتيرة العنف في شرق أوكرانيا.

وبعد حادثة مقتل المتظاهر، قالت وزارة الخارجية الروسية إن روسيا تحتفظ بحقها في حماية مواطنيها في أوكرانيا. وذكرت الوزارة في بيان أن «روسيا مدركة لمسؤوليتها تجاه حياة مواطنيها في أوكرانيا، وتحتفظ بحق حمايتهم». وأضاف البيان «كررنا القول مرارا إن على هؤلاء الذي يمسكون بالسلطة في كييف نزع سلاح المقاتلين، وضمان أمن الشعب وحقه في تنظيم التظاهرات». وتابع أنه «للأسف، وبحسب ما تظهر لنا الأحداث في أوكرانيا، فإن هذا لا يحصل، والسلطات في كييف لا تسيطر على الأوضاع».

بدوره، طالب زعيم التتار في القرم، مصطفى جميليوف، أمس، حلف شمال الأطلسي بالتدخل لحماية التتار في شبه جزيرة كما فعل في كوسوفو ما دامت الأمم المتحدة لن توافق على إرسال قوات حفظ سلام دولية. وأضاف الزعيم التتاري «لم نر أي إجراء جدي من جانب الغرب»، مشيرا إلى أن حظر منح التأشيرات لن يؤثر على الأشخاص الذين فرض بحقهم هذا الإجراء لأنهم «يعيشون حياة هانئة في روسيا». ودعا جميليوف التتار إلى مقاطعة استفتاء الغد، علما بأن هذه المجموعة (غالبية مسلمة) تشكل ما بين 12 في المائة و15 في المائة من إجمالي سكان شبه الجزيرة البالغ مليوني نسمة.

وفي إعلان من شأنه إثارة مزيد من التوتر في المنطقة، أعلنت الهيئة الروسية العامة للتسليح روستكنولوغي (روستك) أمس اعتراض طائرة استطلاع أميركية بدون طيار على ارتفاع كبير فوق شبه جزيرة القرم. وقالت الهيئة في بيان إن الطائرة «كانت تحلق على ارتفاع نحو أربعة آلاف متر، وكانت غير مرئية تقريبا من الأرض، وقد أمكن قطع الاتصال بينها وبين مراكز توجيهها الأميركية من خلال مجمع مكافحة الاتصالات اللاسلكية الإلكترونية (افتوبازا)».

وفي إعلان آخر، قالت البحرية الروسية أمس، إن طائرات روسية مقاتلة بدأت تدريبات جوية فوق البحر المتوسط. وأوضح المتحدث باسم البحرية فاديم سيرغا، لوكالة «إنترفاكس» الروسية، أن الطلعات الجوية بدأت من على ظهر حاملة الطائرات «أدميرال كوزنيتسوف» التابعة للأسطول الشمالي التي رست الشهر الماضي في قبرص، وأن التدريبات تتضمن تكتيكات التعامل مع أهداف جوية وتكتيكات قتالية أخرى. وتضم الطائرات المشاركة في التدريب طائرات «سوخوي إس يو 33» المقاتلة التابعة للدفاع الجوي وطائرات هليكوبتر مضادة للغواصات من طراز «كاموف كيه إيه 27». وقال سيرغا إن الطلعات الجوية ستستمر إذا كان الطقس مواتيا. ولم يشر إلى المواجهة بين روسيا وأوكرانيا بشأن منطقة شبه جزيرة القرم المطلة على البحر الأسود التي سيطرت عليها قوات روسية. وكان سلاح البحرية الأميركي أرسل هو الآخر المدمرة «تركستون» المزودة بصواريخ إلى البحر الأسود في ما وصفه بزيارة روتينية مقررة قبل الأزمة الأوكرانية.

على الصعيد الدبلوماسي، بدا أن المحادثات التي جرت بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لندن أمس بشأن الأزمة الأوكرانية لم تسفر عن اختراق. فقد أعلن لافروف بعد المحادثات التي دامت بضع ساعات أنه «لا توجد رؤية مشتركة» بين البلدين حول الوضع في أوكرانيا، مضيفا أن موسكو «ستحترم رغبة سكان القرم» خلال الاستفتاء المقرر غدا في القرم. وذكر لافروف أن بلاده ستحترم «رغبة سكان القرم» عندما يشاركون غدا في الاستفتاء حول إمكانية التحاق منطقتهم بروسيا. وفي الجهة المقابلة، حذر كيري روسيا من رد أقوى، إذا صعدت التوتر في أوكرانيا وهددت شعبها. وبعد أن أجرى محادثات «مباشرة وصريحة» مع لافروف، قال كيري إن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لن يعترفا بنتيجة الاستفتاء المقرر في القرم، مضيفا أنه تبلغ من لافروف بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس لديه استعداد لاتخاذ أي قرار بشأن القرم إلا بعد الاستفتاء.

لكن رغم هذا التباين في وجهتي نظر البلدين، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس أنه لا يزال يأمل في التوصل إلى حل سياسي لملف القرم، محذرا في الوقت نفسه من «تداعيات» على روسيا إذا فشل الحل الدبلوماسي. وأكد أوباما أمام الصحافيين لدى استقباله في المكتب البيضاوي رئيس الوزراء الآيرلندي اندا كيني «ما زلنا نأمل في إيجاد حل سياسي، لكن الولايات المتحدة وأوروبا لم تتخذا موقفا موحدا من سيادة أوكرانيا فحسب، بل تعلنان أيضا أنه ستحصل تداعيات إذا ما استمر انتهاك هذه السيادة».

وبدوره، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أنه اتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين هاتفيا أمس وأجرى معه محادثات تركزت على ضرورة السعي لإيجاد «حل سياسي دائم وعادل» للأزمة الأوكرانية، و«اتفقنا على البقاء على اتصال وثيق». وذكر أيضا أن «الطريق لا يزال مفتوحا أمام التوصل إلى مخرج سلمي لهذه الأزمة» مشددا على ضرورة «التركيز على الحوار المباشر (بين موسكو وكييف) لإعداد حل دبلوماسي». وذكر بمبادئ سيادة ووحدة أراضي الدول التي يتضمنها ميثاق الأمم المتحدة والتي «يجب أن تحترم». وفي تعليقه على الاستفتاء المرتقب في القرم، أكد بان على ضرورة «عدم اتخاذ أي قرار متسرع يمكن أن يمس بسيادة ووحدة أراضي أوكرانيا واستقلالها». وكان الكرملين أعلن أن بوتين أبلغ بان كي مون بأن الاستفتاء المقرر تنظيمه غدا في القرم يتفق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

في غضون ذلك، قالت وزارة الخارجية الروسية أمس، إنه يتعين على بعثة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أن تحصل على موافقة زعماء أي منطقة أوكرانية تخطط لإرسال بعثة مراقبة إليها. وقالت الوزارة في بيان إن الجانب الروسي قبل التفويض بنشر بعثة في أوكرانيا. وأضافت الوزارة «في ما يتعلق بجوانب إمداد وتموين البعثة فإنه من الطبيعي أن يتم الاتفاق عليها مع القيادة في المناطق الأوكرانية التي يتوقع أن يتم نشر البعثة فيها»، في إشارة واضحة إلى منطقة القرم الواقعة جنوب أوكرانيا.