بنوك غربية تتجاهل خطة إيرانية لتمويل الصفقات التجارية

خشية الوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية

مبنى بنك ستاندرد آند تشارترد في لندن («الشرق الأوسط»)
TT

قال مصرفيون ومسؤولون حكوميون لـ«رويترز»، إن البنوك الغربية تتحاشى محاولات من جانب إيران لإشراكها في تمويل صفقات الاحتياجات الإنسانية الأساسية خشية الوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية وذلك رغم التحسن الذي طرأ على العلاقات الدبلوماسية.

ولم تمنع العقوبات التي فرضت على إيران بسبب برنامجها النووي شراء المواد الغذائية أو السلع الإنسانية الأخرى لكن ما اتخذه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من تدابير زاد من صعوبة إبرام الصفقات التجارية خلال العامين الأخيرين وذلك بوضع العراقيل أمام سداد قيمة الصفقات ونقل السلع.

وأظهرت وثيقة حكومية إيرانية اطلعت عليها «رويترز» أن طهران تعمل في إطار المباحثات التي جرت في جنيف بشأن القضية النووية على حث القوى العالمية للتعجيل بترتيبات تمويل التجارة للصفقات الإنسانية بإشراك بنوك غربية وإيرانية، وأكد مصدر مطلع على المبادرة ذلك.

ويقول مسؤولون في الحكومة الإيرانية ومصادر تجارية دولية إن طهران تريد تبسيط الترتيبات المعقدة لتمويل التجارة في ما يتعلق بالصفقات الخاصة بتلبية الاحتياجات الإنسانية والتي قد تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات بما يخفف الضغط على النظام المصرفي الذي يرزح تحت وطأة العقوبات.

وتقضي خطة عمل مشتركة جرى الاتفاق عليها في جنيف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بأن تفتح القوى العالمية «قناة مالية لتسهيل التجارة الإنسانية لتلبية احتياجات إيران المحلية باستخدام إيرادات النفط الإيرانية المحتجزة في الخارج»، وتنص الخطة على أن تشترك في هذه القناة بنوك أجنبية متخصصة وبنوك إيرانية غير موصومة يجري تحديدها عند تأسيس القناة. وتحرص إيران التي يعاني اقتصادها من ضغوط شديدة على تنفيذ هذه الخطة.

وتقول الوثيقة الحكومية الإيرانية التي اطلعت عليها «رويترز»، رغم أنها أوضحت أن الأمر ليس نهائيا، إنه «جرى إخطارنا أنه وفقا للمفاوضات والاتفاقات التي أبرمت في جنيف فإن إمكانية تبادل خطابات اعتماد مباشرة بين سبعة بنوك أوروبية وثمانية بنوك إيرانية للسلع الغذائية والطبية والإنسانية أصبحت متاحة». وأضافت «رويترز»: «رجاء ملاحظة أننا لا يمكننا قبول أي مسؤولية قانونية في ما يتعلق بهذه المعلومات لأنه ما زال يتعين تأكيدها رسميا من قبل السلطات المعنية».

من جانبها، امتنعت وزارة الخزانة الأميركية ومسؤولو الاتحاد الأوروبي عن التعقيب، لكن مسؤولا أميركيا قال لـ«رويترز» إن واشنطن تجري مباحثات مع بعض البنوك.

وقال المسؤول إن «بعض البنوك مستعدة للقيام بدور في هذا الصدد، لكن ليست كلها. ثمة بنوك كبيرة كثيرة تعرضت لغرامات لاشتراكها في صفقات خرقت العقوبات الأميركية وليست مستعدة لعمل شيء حتى لو كان لأغراض إنسانية». وأضاف «ليسوا على استعداد لإبرام صفقات مع إيران. ولسنا في وضع يسمح لنا بأن نقول لهم إن عليهم أن يفعلوا ذلك».

ويبحث المسؤولون عن الجهات الرقابية في نيويورك وواشنطن انتهاكات محتملة ربما يكون بنكا كريدي أجريكول وسوسييتيه جنرال الفرنسيان ارتكباها وخرقا بذلك عقوبات أميركية فرضت على دول مثل إيران، وذلك حسب ما قاله مصدر مطلع على سير التحقيقات.

وفي عام 2012 هددت السلطات الرقابية في نيويورك بإلغاء ترخيص مصرفي لستاندرد تشارترد بعد خرق العقوبات على إيران.

وفرضت السلطات الأميركية غرامة قيمتها 1.92 مليار دولار على بنك إتش إس بي سي لمجموعة مختلفة من المخالفات من بينها إبرام صفقات مع إيران. وفي فبراير (شباط) الماضي خصص بنك بي إن بي باريبا الفرنسي 1.1 مليار دولار لتغطية غرامة محتملة لخرق عقوبات أميركية على دول من بينها إيران.

وقالت عدة مصادر مصرفية، مشترطة عدم الكشف عن هويتها لحساسية الموضوع، إن البنوك الغربية تخشى الاشتراك في المبادرة الأخيرة. وقال مصدر إن البنوك ستحتاج لتأكيدات مطلقة أنها لن تواجه احتمال التعرض لعقوبات قبل التفكير في الاشتراك. وقال المصرفي «من الطبيعي أن البنوك ستتوخى الحذر في ما يطرحه العالم السياسي، فهو يتغير بسرعة كبيرة مثلما تشهده الأحداث في أوكرانيا». وأضاف «ما قد نبحثه هو عمليات تمويل أو مشاركات أو هياكل قصيرة الأجل جدا بحيث يتاح لك فيها خيارات للانسحاب إذا سارت الأمور على غير ما يرام». وتابع أن «البنوك ستحتاج لمزيد من الوضوح».

وكانت إيران وحكومات غربية توصلت إلى اتفاق مؤقت في نوفمبر الماضي بشأن البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف محدود للعقوبات لفترة ستة أشهر.

وبحلول أواخر يوليو (تموز) المقبل تأمل الحكومات الغربية في إبرام اتفاق نهائي يضع حدا للشكوك في سعي إيران لامتلاك قدرة على تصنيع قنبلة نووية، وتنفي إيران أنها تسعى لذلك وتطالب برفع العقوبات.

وقال مسؤولو الحكومة الإيرانية إن الوثيقة التي أرسلت إلى المجلس الأعلى للأمن الوطني المكلف بصيانة مصالح طهران تضمنت قائمة بالبنوك التالية باعتبارها متاحة للاتفاق معها، وهي بنك ستاندرد تشارترد (لندن)، وبنك سوسييتيه جنرال (باريس)، وبنك دو كوميرس إيه دو بليسمون (بي سي بي) (جنيف)، وبنك أوني كريديت (ميونيخ)، وكوميرتسبنك (فرانكفورت)، ويونايتد بنك (زيوريخ)، وبي إتش إف بنك (فرانكفورت).

ولم يتضح ما إذا كانت اتصالات جرت مع هذه البنوك لتوفير التمويل. وقال اثنان من المديرين التنفيذيين المطلعين على المبادرة إنهما على علم بأن بنوك ستاندرد تشارترد وسوسييتيه جنرال وكوميرتسبنك من بين البنوك الواردة في القائمة. وامتنعت بنوك سوسييتيه جنرال ويونايتد بنك وبي سي بي وبنك دو كوميرس إيه دو بليسمون عن التعقيب.

وقالت متحدثة باسم ستاندرد تشارترد إن البنك ليس مشتركا في الخطة ولن يشارك في أي صفقة مع أي طرف من إيران.

وقال بنك أوني كريديت إن المجموعة «ليست على علم، وبالتالي ليست مشاركة في أي مبادرة دولية تشمل مؤسسات مالية ذات صلة بإيران»، في أعقاب اتفاق إيران والقوى العالمية. وقال بنك بي إتش إف، إنه «لا يقدم أي خدمات مالية لها صلة بإيران».

وامتنعت السلطات المصرفية السويسرية والألمانية عن التعقيب رغم أن مسؤولين في ألمانيا قالوا إنه إذا كانت البنوك تلتزم بالامتناع المطلق عن إبرام صفقات مع إيران فإن الحكومة على استعداد لشرح ما جرى التوصل إليه من تخفيف للقيود في نوفمبر.

ووردت في الوثيقة أيضا أسماء البنوك الإيرانية التالية: بنك اقتصاد نوين، وبنك بارسيان، وبنك باساركاد، وبنك كارافرين، وبنك سرمايه، وبنك سامان، وبنك مسكن، وبنك كيشاورزي.

وأضاف المسؤول أنه «كانت مبادرة إيرانية لكن الطرف الآخر (القوى الغربية) وافق على ذلك أيضا رغم أنه حدث خلاف داخلي على قائمة البنوك الغربية». وقال «حدثت بعض الاتصالات المباشرة بين الإيرانيين ومسؤولي بنوك مختلفة في أوروبا منذ نوفمبر لكن الاتفاق النهائي يحتاج مزيدا من العمل واللقاءات».

وأحالت البنوك الإيرانية التي وردت أسماؤها في القائمة الأمر برمته إلى البنك المركزي الإيراني الذي امتنع عن التعقيب. وأكد مصدر دبلوماسي غربي أن المبادرة قيد البحث، وقال إن القوى الغربية ترى أن هذا الترتيب يحقق مزيدا من الشفافية في الصفقات التجارية.