«إل بي سي» توقف أحد برامجها السياسية ومقدمته تؤكد «ما في شي نحكي فيه»

احتجاجا على الضغوط الممارسة على الإعلام

المقدمة ديما صادق مع الناشط عماد بزي
TT

«نعوم نزّل الجنريك خلصت الحلقة ما في شي نحكي فيه». بهذه الكلمات اختتمت مذيعة الأخبار في تلفزيون «إل بي سي» ديما صادق البرنامج السياسي الحواري الصباحي «نهاركن سعيد» صباح أمس، بعد دقائق على بدئها. وفور إعلانها هذا انقطع الصوت عن الشاشة المذكورة لتظهر تحت وطأة الصمت التام عبارة كتبت بالأبيض والأسود على خلفية سوداء تقول: «هذه صورة الشاشة كما يحبونها» وقد تم شطب الكلمة الأخيرة بالأحمر وكتب مكانها «كما نرفضها».

جاء هذا الاحتجاب الذي استغرق نحو التسعين دقيقة، بمثابة رسالة مباشرة وجهتها «إل بي سي» إلى الرأي العام اللبناني، احتجاجا على الضغوط السياسية التي تمارس على وسائل الإعلام.

وفي تفاصيل الخبر أن المشاهد متابع البرنامج الحواري السياسي الصباحي «نهاركن سعيد»، فوجئ بإيقاف بثّ الحلقة التي تستضيف فيها ديما صادق المدوّن السياسي عماد بزّي، بعد مرور نحو الثماني دقائق على بدايتها. وكانت المذيعة التلفزيونية وخلال تقديمها الحلقة وموضوعها «مظاهرة 14 آذار» الشهيرة في الذكرى التاسعة لمرورها، قامت بمداخلات سريعة بدت مفبركة ومتفق عليها مسبقا مع ضيفها، نبّهته فيها إلى المواضيع التي لا يجب أن يتطرّق إليها في الحلقة، كونها تولّد حساسية لدى جهات معينة. وعندما طلبت منه التحدث أجابها: «عن شو بدّي احكي؟» فردّت عليه بأن هناك فقط موضوعا واحدا يمكنه أن يستفيض بالشرح عنه وهو موضوع سلاح المقاومة، فأجابها بدوره: «هذا الموضوع لا يهمني التحدث عنه»، فبادرته إلى القول: «إذن أشكر حضورك معنا لقد كانت حلقة مفيدة جدا» ثم توجهت إلى المشاهدين بالقول: «وبذلك نأتي إلى ختام حلقة اليوم من نهاركن سعيد شكرا لمتابعتكم».

أما المواضيع التي وصفتها بالحساسة ومنعت ضيفها من التحدث بها فشملت الدين والسياسة والأحزاب وشخص رئيس الجمهورية والقضاء والفساد، مع ذكر أمثلة موثّقة عن المضايقات والضغوطات التي تعرّض إليها الإعلاميون سبق وتناولوها في برامجهم التلفزيونية وفي أقلامهم الصحافية.

وفي اتصال لـ«الشرق الأوسط» مع رئيس مجلس إدارة «المؤسسة اللبنانية للإرسال، الشيخ بيار الضاهر وصف ما جرى بأنه لا يعني محطة الـ(إل بي سي) فقط بل كل وسائل الإعلام اللبنانية لأن هناك وضعا لم يعد يحتمل» وقال: «يبدو وكأن السياسيين سعداء بهذه اللعبة التي يمارسونها لتصفية حساباتهم الشخصية، على حساب قانون مطبوعات قديم تم تحديثه آخر مرة منذ عشر سنوات (عام 1994) أيام الرئيس الراحل رفيق الحريري. وأننا بصدد القول: إن هذا القانون لم يعد يتماشى مع ثورات الربيع العربية ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ومع عصرنا الحالي ككلّ». وتابع: «في أي مشكلة نقع فيها يردّوننا إلى قانون المطبوعات، والقضاء يتصرّف بناء عليه وهذا حقّه، ولكننا لن نقبل بعد اليوم أن نستمر في هذا الوضع وأن يتلكأ أصحاب الشأن في القيام بواجباتهم تجاه مواطنيهم، فليصدروا البيان الوزاري وليدرسوا قانون المطبوعات، وبالنهاية لينزل النواب إلى مجلسهم ليقوموا بمهامهم تجاه مواطنيهم وإلا فلماذا انتخبناهم؟». وعن سبب لجوء المحطة إلى تمثيلية مركّبة لعبتها مقدمة البرنامج ديما صادق بالاشتراك مع ضيفها عماد بزّي لإيصال مطلبها ردّ موضحا: «لا يهمنا الأسلوب الذي نستخدمه للوصول إلى هدفنا بل الرسالة التي نرغب في إيصالها إلى الرأي العام، وأعتقد أننا نجحنا وأصبنا الهدف والاتصالات الهاتفية التي انهالت علينا هي خير دليل على ذلك».

أما وزير الإعلام روني جريج وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» فأكد أنه لم يحصل أي اتصال بينه وبين (إل بي سي) وأنه تم وضعه في أجواء ما حصل ولكن ليس بصورة تامة وأنه ينتظر استكمال الموضوع خلال فترة النهار. وقال: «أنا أعترض على أي ضغوطات سياسية تمارس على وسائل الإعلام وأفضل أن يسلّم أهل السياسة احتجاجاتهم إلى القضاء اللبناني لأننا كلنا تحت سقف القانون وهو الوحيد المخوّل أن يفصل في هذه الأمور».

وأضاف: «في المقابل أنا ضد استخدام لغة الشتم والذمّ والقدح من قبل أهل الإعلام، بل أتمنى أن يصار إلى توجيه انتقاداتهم بلغة راقية تليق بالقلم الذي يحملونه وكذلك بإرفاقها بإثباتات وصور لتكون موضوعية». وختم الوزير بالقول: «وسائل الإعلام ملزمة بتطبيق ميثاق الشرف الذي وقّعت عليه في الماضي الذي يحدد حقوقهم وواجباتهم بشكل واضح، والرقابة الذاتية هي التي يتم اتباعها من قبل المؤسسات الإعلامية لأننا لا يمكننا متابعة كلّ شاردة وواردة يرغبون في التحدث عنها، ولكن طبعا على أن تبقى هذه الأمور ضمن حدود وخطوط لا يمكن تجاوزها لأنني ضد الإعلام المتفلّت».

أما عن الإجراءات التي ينوي اتخاذها في هذا الشأن قال: «سأقوم بواجبي على أكمل وجه ولا أحد فوق سقف القانون».

واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي من (فيسبوك) و(تويتر) وغيرهما بالتعليقات على هذا الموضوع، فجاءت بغالبيتها إيجابية متضامنة مع الخطوة التي قامت بها (إل بي سي)، ولكنها سلبية في بعضها تجاه الاستعراض أو الـ(شو أوف) كما عرّف عنه بعض الناشطين على هذه المواقع، تجاه أداء الإعلامية ديما صادق في سياق حلقتها.

فكتب الإعلامي زافين قيوميجيان قائلا: «وما زلت أتابع المشاهدة. إنها قوة الصمت... فماذا بعد؟» أما الإذاعي فيني الرومي فعلّق بالقول: «أحيانا الصمت أقوى من الكلام.. نعم لحرية الإعلام» فيما كتب الإعلامي جو معلوف الذي أعلنت الإذاعة التي يديرها (جرس سكوب) تضامنها مع المؤسسة اللبنانية للإرسال: «نرفضها كما يحبونها، نحبها كما نحبها ونريدها». أما المخرج وليد ناصيف فدوّن ودائما على (فيسبوك): «لا صورة وصوت للسياسي ليتكلّم... تضامنوا». وفيما علّق بعض المواطنين بعبارات تضامنية مع هذه الخطوة كالقول: «فشيتولنا خلقنا» أو «يا ليت الاستوديوهات في باقي التلفزيونات تقفل أبوابها أمام السياسيين»، كان للبعض الآخر تعليقات سلبية حول أداء مقدمة الأخبار ديما صادق فدوّن أحدهم «كان يمكن لديما أن تعلن عن موقفها هذا باحتراف بعيدا عن الاصطناعية التي تمثلت بالمسرحية والتمثيلية اللتين اتبعتهما في الحلقة على طريقة الـ(show off)». فيما كتب آخر: «استثنت مذيعة البرنامج من الممنوعات التي عرضتها موضوع سلاح (حزب الله) وبأنه الوحيد المسموح التحدث فيه، وهو أمر غير صحيح، لأن الجهة التي ذكرتها أبدت استياءها أكثر من مرة عند التطرق لهذا الموضوع، فأين الموضوعية في كلامها؟».

وكانت المؤسسة اللبنانية للإرسال قد استهلّت نشرتها الإخبارية بعد ظهر أمس بتقرير حول حلقة «نهاركن سعيد» والخبطة الإعلامية التي حققتها. فعرضت كامل التفاصيل التي أحاطت بالموضوع بصوت المذيعة ديما صادق تحت عنوان «الصمت»، وذكر في التقرير أن بعض السياسيين الذين اتصلوا بالمحطة وكان همّهم الوحيد هو الاستعلام عما إذا كانوا من ضمن الشخصيات المغضوب عليها في (إل بي سي آي) وما إذا كان سيتم التحدث عنهم لاحقا.