تجدد المواجهات العرقية في مدينة غرداية الجزائرية يجعل التعايش بين طائفتي الميزاب والشعانبة مستحيلا

رئيس الوزراء بالنيابة يزور المنطقة غداة سقوط ثلاثة قتلى

TT

خرج أمس المئات من سكان مدينة غرداية بجنوب الجزائر، إلى الشوارع للتعبير عن تذمرهم من تجدد أعمال العنف بين الطائفتين الميزابية التي تتبع المذهب الإباضي وتتحدث بالأمازيغية، وطائفة الشعانبة التي تتبع المذهب المالكي، ويتواصل أتباعها بينهم بالعربية. وخلفت المواجهات الليلة ما قبل الماضية ثلاثة قتلى، وإصابة شخص بجروح بليغة. وتركت الأحداث انطباعا قويا بأن التعايش بين الطرفين أصبح مستحيلا.

ورفع المتظاهرون الذين ساروا في شوارع غرداية وأزقتها، شعارات تطالب بـ«القصاص من مرتكبي الجرائم». واتهموا السلطات المحلية والحكومة بـ«التملص من مسؤولياتها في حماية الأرواح والممتلكات». واحتج عدد كبير من التجار على تخريب محلاتهم وهم في غالبيتهم من طائفة الميزاب، المعروفين بكونهم تجارا مهرة في كامل الجزائر. ويتهم هؤلاء «عصابات مسلحة من الشعانبة بتدمير تجارتهم». أما الطائفة العربية فتقول إن «عصابات الميزاب المسلحين حرقوا بيوتنا وتعدوا على حرماتنا».

واستمرت المظاهرة نحو ثلاث ساعات، وكانت محاطة بقوات مكافحة الشغب لتفادي أي انزلاق. وقد انتهت في هدوء غير أن المدينة ظلت مشلولة لليوم الثاني على التوالي، بسبب غلق كل المحلات التجارية والمرافق العمومية. ولم تعرف الجهة التي استفزت الأخرى، ما أدى إلى سقوط قتلى. أما المعروف هو أن شبابا ملثمين من الطائفتين، يخرجون في الليل حاملين سواطير وسكاكين وخناجر ليزرعوا الرعب في المدينة. والمثير في القضية أن الشرطة لا تتدخل إلا بعد أن يبلغ العنف درجاته القصوى.

وتوجه وفد من الغاضبين إلى مقر «الولاية» (هيئة تمثل الحكومة على المستوى المحلي)، للقاء رئيس الوزراء بالنيابة يوسف يوسفي الذي تنقل أمس إلى غرداية في محاولة لتهدئة النفوس. وتدوم المواجهات منذ خمسة أشهر على الأقل، إذ خلفت قتلى وخسائر مادية كبيرة. ووعدت الحكومة بحل الأزمة المتجذرة في المنطقة، فقدمت تعويضات لضحايا الخسائر المادية وتوسطت بين أعيان الطائفتين، ولكن دون جدوى. وأقصى ما قامت به السلطات أنها نشرت عددا كبيرا من رجال الشرطة في كامل أرجاء مدينة غرداية، لثني شباب الطائفتين عن أي محاولة للدخول في مواجهة. ومع ذلك ظل التشنج قائما بل تفاقم الاحتقان وعاد الاقتتال بين الطرفين بشكل أكثر عنفا. وأكثر ما يخشاه عقلاء غرداية أن يتطور العنف إلى استعمال الأسلحة النارية.

وقالت وكالة الأنباء الجزائرية أمس إن «يوسفي استقبل وفدا من المتظاهرين الذين طالبوه بفتح تحقيق لتحديد المسؤولين عن تجدد الأحداث. وحضر اللقاء وزير الداخلية الطيب بلعيز، وقائد الدرك الوطني اللواء أحمد بوسطيلة». ودعا يوسفي وهو يبحث الحل مع أعيان المنطقة، إلى «توحيد الجهود من أجل عودة الوضعية إلى مجراها الطبيعي»، وتعهد بـ«فتح تحقيق فوري لتحديد المسؤوليات، وتطبيق القانون ومتابعة عمليات التنمية فور عودة الهدوء». وأضاف: «ستساهم الدولة في إعادة بناء الممتلكات التي تعرضت للتخريب جراء هذه الأحداث، والتخفيف كذلك من معاناة المواطنين المتضررين».

وقال يوسفي إن «أعضاء في الحكومة، المشرفين على مشاريع التنمية، سيتنقلون إلى غرداية بدءا من الأسبوع المقبل لضبط أولويات المنطقة وتحديد حاجاتها». وكان وزير الإعلام عبد القادر مساهل أعلن عن «خطة سلام» في ديسمبر (كانون الثاني) الماضي، لإزالة فتيل الحرب الحالية في غرداية. غير أنه لم يذكر تفاصيلها، واتضح بمرور الأيام أن تصريحاته كانت للاستهلاك الداخلي لا غير.