تصاعد المعارك في طرابلس إثر تكرار استهداف الجيش في باب التبانة

رجال دين يناشدون المسلحين وقف إطلاق النار.. وعدد القتلى يرتفع إلى 17

مسلح يطلق النار في أحد شوارع منطقة باب التبانة بمدينة طرابلس أمس (رويترز)
TT

أدت خمسة أيام من المعارك في مدينة طرابلس، شمال لبنان، حيث تشتعل بحدة ليلا وتخفت نهارا، إلى سقوط 17 قتيلا وأكثر من 60 جريحا، فيما يبدو واضحا أن أيا من المسؤولين اللبنانيين لا يملك جوابا عن سؤال يطرحه أهالي المدينة مفاده «متى تنتهي جولة الاشتباكات العشرون؟».

وازدادت الأمور تعقيدا في طرابلس بسبب تشعب المعركة. فبينما كان الاقتتال تقليديا في الضاحية الشمالية للمدينة بين منطقتي «جبل محسن»، ذات الغالبية العلوية، و«باب التبانة»، ذات الغالبية السنية، في الجولات السابقة، يبدو أن مجموعات مسلحة من التبانة قررت ليلتي السبت والأحد شن أكثر من هجوم على الجيش اللبناني، المتمركز في النقاط الساخنة، ويردع المخلين بالأمن من الجهتين المتقاتلتين.

وشهد ليل الأحد - الاثنين اعتداءات متزامنة على الجيش في أكثر من موقع له، رد عليها بحزم مستخدما القنابل المضيئة لكشف مواقع المسلحين، والمضادات التي بقي صوتها يهز طرابلس، حتى الثالثة والنصف صباحا. ثم عادت وتكررت الاعتداءات على الجيش، والتي استخدمت فيها القذائف الصاروخية بعد ظهر أمس، على موقعين على الأقل، مما تسبب في تصاعد الاشتباكات على محوري بعل الدراويش وحارة البقار. وأصيب طفل على الفور بجروح واحترق محل تجاري، كما أصيب عسكريون. وتكثفت عمليات القنص على منطقتي الملولة وسوق القمح في التبانة، بعد أن كان مسلحون شنوا ليل أول من أمس هجوما لثلاث مرات متتاليات، وفي أوقات متقاربة، على ناقلات جند للجيش اللبناني، مما أوقع عسكريا قتيلا وجرح ثمانية آخرين.

وتقول فعاليات في باب التبانة إن المنطقة باتت «منقسمة على نفسها»، وإن «ثمة فئات مسلحة قليلة تعتدي على الجيش، وعلى الأرجح أنها حزمت أمرها بالمضي في سلوكها هذا، بينما يرفض غالبية المسلحين مثل هذه المعركة الخاسرة سلفا، معتبرين أن من سيدفع الثمن الأكبر هي منطقتهم».

وقال سياسي طرابلسي بارز لـ«الشرق الوسط» أمس، مفضلا عدم ذكر اسمه، إن «مجموعات مسلحة صغيرة جدا هي التي تعتدي على الجيش وهي المسؤولة عن استهداف المواطنين العلويين العزل بالرصاص منذ أشهر أثناء مرورهم بطرابلس». وأكد أن «هؤلاء معروفون، وكانت أسماؤهم نشرت بشكل رسمي، وهم مطلوبون للدولة ويعلمون أنه لا بد من توقيفهم، لذلك يحاولون تكبير قضيتهم، باستهداف الجيش، لأنهم يعلمون سلفا أن القرار اتخذ بالقبض عليهم. وهم يقولون نحن ميتون في كل الأحوال فلماذا نستسلم؟». ويكمل المصدر ذاته «هذه المجموعات المسلحة تجد من يؤيدها في باب التبانة من باب التضامن، ولكن إلى أي مدى تستطيع أن تكبّر قضيتها، هذا هو السؤال الذي لا إجابة عنه»، نافيا معرفته «إذا ما كانت هناك جهات تحرك أو تدعم هذه المجموعات، أم أنها متفلتة كليا».

ويعترف رجال دين في طرابلس بأن المسألة «أفلتت من أيديهم كما من يد السياسيين، وأن الحل الأمني سيكون مكلفا للجميع»، وهو ما يحذرون منه. لذلك لم يتوقف مشايخ باب التبانة يوم أمس عن إصدار بيانات يدعون فيها المسلحين إلى «التزام وقف إطلاق النار، وعدم الرد على جبل محسن إفساحا في المجال لإعادة الهدوء وليتمكن الناس من إعادة مزاولة أعمالهم». واعتبر مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار أنه «لا مصلحة لأحد في ما يحدث في طرابلس»، وشدد على أن «التعرض للجيش اللبناني ممنوع من قبل أي فريق». ودعا الأجهزة الأمنية «للضرب بيد من حديد وتوقيف العابثين بأمن المدينة، ومحاسبتهم، وعلى الدولة اتخاذ القرار المناسب وحزم أمرها».

وبينما تعيش كل باب التبانة وجبل محسن توترا متزايدا ونزوحا مستمرا، تحاول باقي المدينة جاهدة تسيير نهاراتها بالحد الأدنى من الخسائر، وبقيت كليات «الجامعة اللبنانية» مشلولة بالكامل، وعشرة آلاف طالب ينتظرون عودة الهدوء، فيما أعلنت غالبية المدارس في مناطق الاشتباكات ومحيطها الاستمرار في تعليق الدروس حفاظا على حياة التلاميذ. وأدان رئيس جمعية تجار لبنان الشمالي أسعد الحريري استهداف الجيش، واعتبره «مشبوها يعبر عن نوايا خبيثة».

وأعرب رئيس مجلس الوزراء اللبناني تمام سلام عن أسفه لـ«تجدد أعمال العنف في طرابلس ولسقوط ضحايا في صفوف العسكريين والمدنيين»، داعيا القوى السياسية الفاعلة في عاصمة الشمال إلى «تقديم كل الدعم للجيش والقوى الأمنية في مهامها وعدم توفير أي جهد لإنقاذ المدينة من براثن العابثين بأمنها وبأمان أهلها ولتجنيبها المزيد من الموت المجاني».

وقال سلام «إن اللبنانيين مدعوون، في هذه الأوقات العصيبة، إلى اليقظة والتبصر والحكمة، وإلى تهدئة النفوس والانفعالات، ولفظ العنف كوسيلة للتحاور، والإبقاء على جسور التواصل بين أبناء المدينة الواحدة والمنطقة الواحدة». واعتبر أنه «لا بد للجميع من الالتفاف حول الدولة ومؤسساتها الدستورية وأجهزتها الأمنية لتحصين البلاد وحفظ استقرارها وتجنيبها مخاطر وتداعيات الوضع الإقليمي المضطرب».

وكان سلام اطلع من قائد الجيش العماد جان قهوجي على الأوضاع الميدانية والإجراءات التي يقوم بها الجيش لوقف دوامة العنف في طرابلس، وأعطى توجيهاته «باعتماد الحزم مع المخلين بالأمن في عاصمة الشمال وعدم التهاون مع أي جهة تعرض للخطر استقرار المدينة وحياة أبنائها وممتلكاتهم وأرزاقهم».