ارتباك المعارضة وضعف تمويلها ساهما في «سقوط» يبرود

خبير عسكري: النظام يبني تقدمه على صراع النفوذ بين كتائبها

TT

لا تعد يبرود، التي كانت حتى الأمس القريب، آخر أهم معاقل المعارضة السورية في القلمون بريف دمشق، المدينة الوحيدة التي سقطت بيد القوات النظامية مدعومة بمقاتلي حزب الله اللبناني. إذ سبق لكتائب «الجيش الحر» والمجموعات المقاتلة معه أن مُنيت بهزائم مماثلة في منطقتي القصير وبابا عمرو في حمص وريفها. وفي حين يربط بعض المحللين العسكريين هذه الهزائم بسوء تنظيم المعارضة العسكرية وصراعاتها الداخلية على النفوذ، يرى أعضاء في «الائتلاف السوري المعارض» أن «ضعف التمويل العربي والإقليمي والدولي هو السبب الرئيس في سقوط هذه المناطق، واحدة تلو الأخرى، وانسحاب مقاتلي المعارضة منها».

وكانت القوات النظامية أعلنت أول من أمس، سيطرتها الكاملة على مدينة يبرود بعد ما يقارب الشهر من المعارك ضد مقاتلي المعارضة، وهو ما عد هزيمة جديدة لكتائب المعارضة، نظرا إلى أهمية يبرود الاستراتيجية بسبب موقعها المحاذي للحدود اللبنانية، إضافة إلى أنها تربط دمشق بالساحل، معقل الطائفة العلوية التي يتحدر منها الرئيس السوري بشار الأسد.

وغالبا ما تتفوق القوات النظامية على خصمها بسلاح الجو الذي تستخدمه قبل عمليات الاقتحام البري، ما يعده عضو الائتلاف الوطني المعارض هشام مروة سببا ميدانيا مهما يدفع المعارضة إلى التراجع عن مواقعها، مشيرا لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «كتائب المعارضة لا تمتلك أسلحة نوعية تعطل من خلالها مفعول سلاح الجو وتحيده عن المعركة، ما يجبرها في أحيان كثيرة إلى اتباع سياسة الانسحاب التكتيكي».

يرفض مروة تحميل «الائتلاف المعارض» أو هيئة أركان «الجيش الحر» مسؤولية التقدم النظامي في يبرود، مشددا على أن «وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة قدمت مساعدات كبيرة للمقاتلين في يبرود، لكن ضمن المتاح». وأوضح أن «السبب الرئيس لتراجع المقاتلين في عدد من المناطق هو ضعف التمويل العربي والإقليمي والدولي».

وأثار سقوط يبرود موجة غضب واستنكارا لدى الناشطين والعسكريين الذين اتهموا «الائتلاف المعارض» و«هيئة الأركان» بـ«التقصير» و«الخيانة». وشن العقيد عبد الجبار العكيدي، القائد السابق للمجلس العسكري في حلب، هجوما عنيفا على «الائتلاف» و«الأركان» ووصفهم بالـ«خونة» و«المنافقين» والمتاجرين بـ«دماء الشهداء».

وأضاف العكيدي عبر صفحته على موقع «فيسبوك»: «إن لم نسقط هذا الائتلاف، ومعه المجلس العسكري الأعلى والأركانات القديمة والجديدة، والله لن ننتصر على بشار». ورجح العكيدي، سقوط حلب وغيرها من المناطق «المحررة» طالما أن هؤلاء «الخونة» هم «من يتحكمون بالثورة»، على حد تعبيره.

وفي السياق ذاته، سخر الناشط الإعلامي الحمصي، أبو جعفر المغربل، في صفحته الشخصية على موقع «فيسبوك» من «منجزات الائتلاف»، التي أحصاها بـ«سقوط عدد من المدن منها القصير، بابا عمرو، وأخيرا يبرود».

وكانت كتائب المعارضة انسحبت من منطقة القصير في ريف حمص منتصف العام الفائت بسبب نقص الذخيرة وتمكنت القوات النظامية من إحكام الحصار على البلدة التي كانت تعد من أبرز معاقل المعارضة وأكثرها تحصنا. واضطر مقاتلو المعارضة كذلك إلى الانسحاب من حي بابا عمرو في حلب في أواخر شهر مارس (آذار) من العام الفائت بعد حصار دام عدة أسابيع من قبل القوات النظامية.

وتتبادل فصائل المعارضة بعد كل انسحاب ميداني الاتهامات بالمسؤولية حول تقدم الجيش النظامي. وبحسب الخبير العسكري اللبناني العميد المتقاعد نزار عبد القادر، فإن «سوء تنظيم المعارضة وانحرافها عن هدفها الرئيس يلعب دورا كبيرا في ضعفها وتراجع أدائها الميداني»، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن «المعارضة السورية المسلحة تعاني من حالة انقسامية غالبا ما تؤدي إلى التنافس فيما بينها، فبدل أن تكون المعركة ضد النظام تصبح صراعا على النفوذ والسيطرة على مناطق الميدان».

هذا الواقع داخل فصائل المعارضة، يستثمره النظام لتحقيق انتصارات موضعية، بحسب ما يؤكد عبد القادر، داعيا «كتائب المعارضة إلى إعادة النظر في وضعها العام وإعادة توحيد صفوفها لتجنب المزيد من الخسائر»، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن «ما يحققه النظام من تقدم يعد تكتيكيا ولا يؤثر على سير المعارك التي ستطول بين الطرفين بانتظار نضوج تسوية سياسية».

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أمس عن قائد ميداني في قوات النظام قوله إن خلافات كبيرة وقعت بين مقاتلي المعارضة في الأيام الثلاثة التي سبقت اقتحام يبرود، مشيرا إلى أن مجموعات مقاتلة أرادت الانسحاب لأن المعركة ستكون خاسرة، في حين تمسكت «جبهة النصرة» المتطرفة، بالقتال حتى النهاية.

وتداول جهاديون عبر مواقع التواصل الاجتماعي اتهامات لمقاتلي المعارضة بالانسحاب المفاجئ من يبرود، تاركين مقاتلي جبهة النصرة التي تعد الذراع الرسمية لـ«القاعدة» في سوريا، يقاتلون بمفردهم صباح أول من أمس.