أهالي ولجان المعتقلين اللبنانيين في سوريا: متمسكون بحبال «الأمل» وناقمون على الدولة

طالبوا الأجهزة بالتحري على خلفية الوثائق التي نشرتها «الشرق الأوسط»

TT

«اطلعنا على الوثيقة لكن الأمل يبقى أقوى فينا. لا يمكن بسهولة أن نصدق أن والدي أعدم، وقبل تسلم جثته لن نعدّه متوفى». بهذه الكلمات تعبر ابنة اللبناني قزحيا شهوان، أحد المعتقلين المفقودين في السجون السورية، عن شعور العائلة بعد اطلاعها على مضمون وثيقة نشرتها «الشرق الأوسط» قبل يومين. تفيد الوثيقة المسربة من دوائر الأمن السوري بإعدام قزحيا في سجن تدمر عام 1981، بسبب «انتمائه إلى حزب الكتائب واشتراكه مع مجموعة مسلحة بقتل 17 عاملا سوريا على حاجز شكا»، شمال بيروت.

تتمسك عائلة قزحيا بالأمل بعد أن فقدت الثقة بالمسؤولين اللبنانيين. وتقول ابنته في تصريحات مقتضبة لـ«الشرق الأوسط»: «متمسكون بأنباء وصلت إلينا عن رؤيته حيا في السجن بعد تاريخ إعدامه المذكور في الوثيقة»، مبدية أسفها لأن «أيا من المسؤولين اللبنانيين لم يكلف نفسه عناء التعليق على الوثائق المنشورة».

تتحدث ابنة قزحيا، الذي لم تعترف دمشق بوجوده لديها منذ اعتقاله عام 1980، بحسرة وغضب عن الأداء الرسمي اللبناني. تقول إنها ووالدتها ومئات العائلات ملوا من التوجه إلى المسؤولين: «بح صوتنا ونحن نوجه إليهم النداء تلو الآخر طيلة السنوات الماضية. قطعنا الأمل من إمكانية تحملهم لمسؤولياتهم في هذا الملف. لم نترك يدا إلا وقبلناها لكنّ أحدا لم يأخذ قضيتنا ووجعنا على محمل الجد».

تعد قضية المعتقلين اللبنانيين، الذين يصح وصفهم أيضا بالمفقودين والمخفيين قسرا في السجون السورية، بمثابة جرح نازف تعود بداياته إلى مطلع سنوات الحرب الأهلية التي عرفها لبنان منذ منتصف السبعينات. جرح لم يشفِه انتهاء الحرب ومن ثم الانسحاب السوري من لبنان وإقامة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء وحتى تشكيل لجنة ثنائية مكلفة متابعة هذا الملف من عام 2005.

622 اسما موثقين لدى الأهالي والجمعيات واللجان الأهلية اللبنانية التي تتولى متابعة هذا الملف ترفض دمشق الاعتراف بوجودهم لديها، على الرغم من تقديم ممثلي الجانب اللبناني (قاضيان وضباط في الجيش وقوى الأمن الداخلي) في اللجنة المشتركة كامل المعلومات والتفاصيل.

ويقول علي أبو دهن، رئيس جمعية المعتقلين السياسيين اللبنانيين في السجون السورية، لـ«الشرق الأوسط»: «نقلنا بيانات الأسماء كاملة بعد توثيق المعلومات وقدمنا لائحة موحدة إلى الأجهزة الرسمية اللبنانية وإلى رئاسة مجلس الوزراء، التي أخذت الأسماء بعين الاعتبار وقدمتها إلى الجانب السوري الممثل في اللجنة المشتركة. تكررت الزيارات والاجتماعات من دون التوصل إلى نتيجة ملموسة، مع رفض الجانب السوري الاعتراف بوجودهم واكتفائها بتقديم لائحة تضم 125 معتقلا لديها تهمهم السرقة والاتجار بالممنوعات وجرائم قتل».

يؤكد أبو دهن، وهو معتقل سابق في سوريا لمدة 13 عاما وصاحب كتاب «عائد من جهنم» الذي يسرد فيه تجربة اعتقاله ومعاناته، إن «الوثائق السورية المسربة تؤكد مصداقيتنا، عائلات ولجان وجمعيات لبنانية، وحقنا في المطالبة بمعتقلين لبنانيين في السجون السورية. بعضهم أحياء التقيت وزملائي المفرج عنهم بهم وبعضهم الآخر سمعنا عنهم من خلال معتقلين سوريين وعرب قضوا سنوات طويلة، ومعتقلون آخرون توفوا، إما إعداما وإما نتيجة (وقوعهم في الحمام) أو معاناتهم من (قصور كلوي)، والحالتان الأخيرتان ترادفان (الموت تحت التعذيب)».

وفي سياق متصل، يقول رئيس لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين (سوليد) غازي عاد، لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يفاجأ بمضمون الوثائق أو المعطيات المذكورة فيها، خصوصا أن ثمة معطيات إضافية كثيرة، لكنه يسجل في الوقت ذاته سلسلة من الملاحظات حولها، أبرزها أنه «من مسؤولية الدولة أن تتحرك لتقدم معلومات رسمية وأكيدة إلى الأهالي والعائلات».

وفي موازاة إشارة عاد إلى «حالة الهلع والخوف التي يعيشها الأهالي والعائلات بعد الاطلاع على الوثائق من دون وجود أي تأكيد أو موقف رسمي لبناني»، يرى أن «المطلوب من الدولة اللبنانية، المسؤول المباشر، أن تتحرك وتقدم الأجوبة الرسمية». ويسأل وزيري: العدل (أشرف ريفي) والداخلية (نهاد المشنوق) عما سيقومان به في هذا السياق، مبديا أسفه لعدم تجاوب الأجهزة اللبنانية مع اقتراح سبق وقدمه لناحية تشكيل لجنة وطنية تتولى متابعة الملف.

من ناحيته، يدعو أبو دهن، رئيس جمعية المعتقلين السياسيين، وزارتي العدل والخارجية إلى التعاون، مقترحا أن تطلب وزارة العدل من رئاسة الحكومة تسليمها القوائم بأسماء المعتقلين لتسلمها إلى وزارة الخارجية، التي عليها أن تستدعي أمين عام المجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري والسفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم علي. ويضيف: «على الجهات اللبنانية المعنية أن تطالب عبر القنوات الدبلوماسية بالاستيضاح عن هذه الوثائق، على أن يلي ذلك تسلمها المعتقلين الأحياء ورفات المتوفين ليدفنوهم بكرامة وترتاح عائلاتهم». ويناشد مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم الذي تولى المفاوضات في ملف مخطوفي أعزاز وراهبات معلولا أن «يتطوع لمتابعة وجلاء تفاصيل هذا الملف الوطني المؤلم»، معتبرا أن «من أقل واجباته أن يسارع للعب دور الوسيط ويساهم في إراحة عدد كبير من العائلات اللبنانية».