تبادل الاتهامات بين اليمين واليسار عشية الانتخابات البلدية في فرنسا

ساركوزي يشبه البلاد بألمانيا الشرقية.. والاشتراكيون يسعون للتخفيف من وقع الهزيمة المنتظرة

زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن (يمين) تتحدث إلى سكان في إطار حملة الانتخابات البلدية المقررة غدا، في مدينة هينان بومون الشمالية أمس (أ.ب)
TT

يتوجه الناخبون الفرنسيون غدا إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية وسط أجواء سياسية تسممها مماحكات اليمين واليسار وروائح الفضائح والاتهامات المتبادلة بين الحكومة والمعارضة.

وجاءت الرسالة المفتوحة التي وجهها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي إلى الفرنسيين قبل 48 ساعة من الجولة الأولى لتصب الزيت على النار، إذ شبه الممارسات القضائية التي يتعرض لها بما كان يقوم به جهاز «شتازي» السري في ألمانيا الشرقية من تنصت على المكالمات الشخصية وانتهاك حرمة العلاقة بين المحامي وموكله وملاحقته بالفضائح التي لا أساس لها.

وهاجم ساركوزي في رسالة مطولة نشرتها صحيفة «لو فيغارو» اليمينية القضاء الذي أمر بالتنصت على مكالماته الهاتفية منذ سبتمبر (أيلول) الماضي واتهم السلطة السياسية بالوقوف وراء ذلك. كما عمد إلى تفنيد الفضائح التي يرتبط اسمه بها وهي على الأقل ست فضائح، مؤكدا أن كل ما حيك حولها لا يستند إلى أي دليل، موحيا بأن اليسار الحاكم يستغل اسمه لصرف الأنظار عن سياسته الفاشلة. وتساءل الرئيس السابق الذي تدل كل المؤشرات على رغبته في العودة إلى الحلبة السياسية ما إذا كان ما زال يعيش في بلد يجسد احترام حقوق الإنسان أم بالأحرى في بلد يذكر بممارسة جهاز المخابرات السياسي السيئ الذكر «شتازي» في ألمانيا الشرقية؟

وكان من الطبيعي أن تثير اتهامات ساركوزي المتسمة بالعنف الخطابي والسياسي ردود فعل واسعة حتى من قبل الرئيس فرنسوا هولاند الذي عد أن المقارنة بين فرنسا وألمانيا الشرقية بنظامها الديكتاتوري التوتاليتاري «أمر لا يطاق». أما رئيس الحكومة جان مارك أيرولت فرأى فيها «غلطة أخلاقية خطيرة» لأنها تشكك بنزاهة أجهزة الشرطة والقضاء فيما ندد وزير الداخلية مانويل فالس باتهامات ساركوزي ورأى فيه «إهانة» للقضاء والعدالة و«استهدافا للأساس الذي تقوم عليه دولة القانون» فضلا عن أنه «هروب إلى الأمام» لرئيس سابق يستخدم الهجوم السياسي و«تدمير كل شيء لحماية نفسه» وللتغطية على حقيقة الاتهامات الموجهة ضده. ومن جهتها، ركزت وزيرة العدل كريستيان توبيرا التي كانت هدفا لهجوم اليمين في الأيام الأخيرة فبررت التنصت على هواتف ساركوزي ومحاميه وأكدت أن القانون يجيزها. وقالت توبيرا في بيان أمس «بصفتي وزيرة للعدل، لا يمكنني أن أقبل توجيه الشتائم للفرنسيين والقضاة ولا استهداف مؤسسات الجمهورية».

وبالمقابل، فإن أركان اليمين وخصوصا حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» وقفوا إلى جانب ساركوزي مبررين «رسالته»، وعادين أنها «دفاع عن النفس» بوجه «الاضطهاد القضائي» الذي يستهدفه. بيد أن «معاناة» ساركوزي ومتاعبه مع العدالة لا تحزن الجميع خصوصا الطامحين منهم للتنافس على منصب رئاسة الجمهورية الذي يرنو إليه الرئيس السابق. وواضح أن استمرار التصاق الفضائح باسم ساركوزي سيكون عائقا كبيرا أمام عودته إلى الحلبة السياسية والتنافس مجددا مع الرئيس الحالي فرنسوا هولاند.

وفي ظل هذه الأجواء الموبوءة تجري الانتخابات البلدية وهي الأولى من نوعها منذ وصول اليسار إلى السلطة في ربيع عام 2012. وبالنظر للوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، فإن استطلاعات الرأي تدل كلها على تراجع مواقع اليسار السياسية وتقدم اليمين وخصوصا اليمين المتطرف الذي تقوده مارين لوبن. وتفيد نتائج آخر استطلاع أجري لصالح القناة الإخبارية «إي إف إم» وصحيفة «لو فيغارو»، فإن تحالف اليمين «التقليدي» سيحصل على 49 في المائة بينما تحالف اليسار والخضر «الأكثرية الحاكمة» سيحصل على 41 في المائة. وإذا ثبتت صناديق الاقتراع هذه التوقعات، فإن ذلك سيعني هزيمة ماحقة لليسار وتعبيرا عن رفض السياسة التي تقودها الحكومة الاشتراكية.

ومن المؤكد أن الأنظار سوف تتجه نحو أمرين: نتائج الجبهة الوطنية «اليمين المتطرف» ونسبة المشاركة في الانتخابات. وفيما خص الموضوع الأول، يتوقع أن تحقق مارين لوبن تقدما مؤكدا من الصعب تحديد نسبته باعتبار أن «الجبهة» لا تقدم لوائح مرشحين في كافة الدوائر. أما بالنسبة للمشاركة، فالأرجح أنها ستكون منخفضة خصوصا في صفوف اليسار.

بيد أن اليسار يراهن على فوزه بعدد من المدن الكبرى للتغطية على تراجع مواقعه. ويبدو أن آن هيدالغو، مرشحته لبلدية باريس، ستحتفظ ببلدية العاصمة لليسار وستفوز اللوائح التي تقودها على مرشحة اليمين الوزيرة السابقة ناتالي كوسيوسكو موريزيه. ومهما تكن النتيجة، فإنها المرة الأولى التي ستصل فيها امرأة إلى رئاسة بلدية العاصمة. كذلك، فإن اليسار متأكد بالاحتفاظ بمدينة ليون ثاني المدن الفرنسية ويأمل بالفوز بمدينة مرسيليا المتوسطية التي هي في عهدة اليمين فيما تبدو مدينة لييل «شمال» معقودة اللواء للوزيرة الاشتراكية السابقة مارتين أوبري. وستساعد هذه النتيجة اليسار على التقليل من حجم تراجعه. وكان واضحا خلال الحملة الانتخابية أن مرشحيه سعوا لحصر النقاشات بالقضايا المحلية بينما حاول اليمين استغلال الصعوبات الحكومية لتحسين فرص فوزه. وفي أي حال، لن تعرف النتائج النهائية إلا مساء الأحد 30 مارس (آذار) الحالي مع استكمال الدورة الثانية لرسم صورة دقيقة عن حال ميزان القوى السياسي في فرنسا.