جديد الأسبوع.. أفلام منحرفة تجاه الشباب

أبطال مهمشون وسيارات سباق تحقق المستحيل

مشهد من فيلم «منحرفة» (أ.ب)
TT

«منحرفة» هو فيلم آخر من بطولة فتيات شابّات يلحق بخطى «ألعاب الجوع» (في جزئيه) في هذا المجال، فالفيلم الآخر هو أيضا من بطولة فتاة شابة، وما يماثلها عمرا من بعض المشاركين في مغامراتها، وذلك في مواجهة الكبار سنّا كما هو الحال هنا.

لكن ثمة موضوعا آخر يجمعهما يمكن البحث فيه منفصلا؛ كلاهما عن مستقبل ستسود فيه دولة تحكم بتعسف واستبدادية بمعونة تطوّر علمي هائل. لكن في حين أن التميز الطبقي في «ألعاب الجوع» هو المحرك الفاعل في الرغبة في الاستئثار بالسلطة، فإن «منحرفة» يتحدث عن عالم جديد يجري تأسيسه بعد حرب كونية، بما أن الأحداث تقع بعد مائة سنة من اليوم، فإن تلك الحرب وقعت في سنوات ما بين اليوم ومنتصف ذلك الزمن على الأرجح، وما نتج عنها هو قيام دولة تقسم رعاياها حسب مواصفات أخرى تكشف للمسؤولين (ممثلين بماجي كيو هنا)، ما إذا كان الشخص الذي يجري فحصه مناسب للقيادة أو للاشتراك في فعل اجتماعي أو احتضان أسرة. بطلة الفيلم بياتريس (وودلي) تبدو للمسؤولين منحرفة، ليس أخلاقيا، بل في مسارها الخُلقي. إنها من النادرات اللواتي لا يمكن تصنيفهن، وبذلك تشكل خطرا على المؤسسة. لذلك لا مكان لها في المجتمع ومصيرها الانضمام إلى مجموعة مماثلة حُكم عليها بأن تعيش مهمّشة وبعيدة عن رعاية النظام. لكن هناك مجموعة أخرى، اسمها «الشجعان» هي من تلتحق بهم بياتريس. لكي تنضم عليها أن تربح ثقة المجموعة ومعركة بقاء على قيد الحياة، وهي تفعل ذلك بل تصبح أبرز المقاتلين الجدد.

مرّة أخرى نجد «ألعاب الجوع» يطل على هذا الفيلم بإصرار. الفتاة الشابة التي تصارع من أجل البقاء، وتقود مجموعة من المنبوذين ضمن نظام استبدادي يكمن لنا في المستقبل. الرواية ذاتها، وقد كتبتها فيرونيكا روث، خرجت سنة 2011، أي بعد ثلاث سنوات من نشر رواية سوزان كولينز «ألعاب الجوع». الاستلهام واضح حتى وإن لم يكن (ربما) مقصودا.

كل هذا يحكم على الفيلم الجديد بالتبعية لأفلام سابقة (آخرها «ألعاب الجوع» ومن بينها Ender›s Game) فالنقل (كما فهمت بعد تصفّح مقدمة الكتاب وثلاثة فصول وسطية ثم النهاية) أمين. والمخرج نيل برغر لم يشأ «هز القارب» كما يقولون، واعتمد الخط نفسه الذي إذا ما جرى اتباعه لم ينضح بجديد يذكر أو بإضافة مهمّة على ما سبقه من أفلام.

لا شيء يلمع، وإذا فعل ففي حدود المشهد وحده. الحس بأنك شاهدت أطراف الحكاية، وتلك الشخصيات من قبل هو شيء، لكن فشل المخرج برغر في منح الفيلم إثارة بصرية هو شيء آخر. بكلمات أخرى: لديك حكاية باتت تقليدية، لمَ لا تحاول ستر عوراتها بأسلوب عرض وسرد أفضل؟ لمَ لا تبتكر؟

ولا التمثيل قادر على أن يحمي رقعة العمل الممنوحة له. شايلين وودلي جيّدة. تستطيع أن ترى ذلك، لكن شخصيتها باهتة (كما ملامح مدينة شيكاغو التي تقع فيها الأحداث)، كذلك شخصيات الممثلين الآخرين. أكثرهم تعرضا للخسارة كيت ونسلت وأشلي جَد.

* مهمة مزدوجة

* لا يسهو البال طبعا عن أن هوليوود دأبت منذ سنوات على تخصيص الجمهور الذي لم يتجاوز الـ22 بصف نجومه في أفلام كانت حكرا على جمهور أكبر. سلسلة «توايلايت» التي تضمنت خمسة أفلام متتابعة، هي في الأساس أفلام رعب، تم تحويلها إلى رعب من النوع الترفيهي مع أبطال من الشباب والفتيات وزرع قصص حب وهيام وغرام وانتقام بينهم في زركشة رومانسية نجد مثيلا لها في أفلام أخرى، وصولا إلى «لعبة الجوع» بجزأيه، وهذا الفيلم الذي يحتضن فكرة إنتاج أجزاء أخرى (تقوم الكاتبة روث بوضع جزء ثانٍ في غضون أشهر).

لكن هذا النوع لم يتغير وحده. أفلام السيارات (كرياضة بحتة أو كتشويق) تحوّلت بدورها من سينما كان المخرجون فيها يمعنون البحث في استنباط رموز منها إلى أخرى لا ترمي إلا لأن تكون هادرة ومتوترة ومضجة.

«الحاجة للسرعة» هو آخرها. فكرته تقوم على محاولة شاب اسمه دينو (الممثل آرون بول) يريد أن يجتاز الولايات المتحدة من الشاطئ الشرقي إلى الغربي للاشتراك بسباق سيارات غير قانوني. لا بأس.. هذه ليست المرة الأولى، لكن الجديد في الموضوع الذي يحاول الفيلم بناء الواقع عليه، هو أن على هذا الشاب أن يفعل ذلك في 45 ساعة فقط، لماذا هذا البطء الشديد؟ ألا يستطيع الفيلم أن يتحدى نفسه فيجعل المهمة - وهي مستحيلة على أي حال - في غضون 22 ساعة، مع ساعة للغذاء وساعة أخرى لتناول عشاء خفيف؟ لكن الفيلم يريد فعلا أن يجعل المسألة أصعب مما نتصور: ماذا لو قاد بطل الفيلم جزءا من المشاهد على الجانب الخطأ من الطريق.. ليس أي طريق، بل على الطريق السريع.

تحت إدارة المخرج الجديد سكوت ووف هذا ممكن، وعليه أن يكون ممكنا لأن الممثل سيصل إلى هدفه تبعا للسيناريو الذي يجعل لبطله مهمّة مزدوجة؛ فقد أودع في السجن خطأ، وغايته الأخرى، لجانب الاشتراك في ذلك السباق، هي الانتقام من الذي تسبب في إدانته ظلما. من دواعي حظ بطل الفيلم أن السيناريو سيجعل هذه المهام المتعددة سهلة. سيوفر له الفرصة المناسبة فالسباق يجري برعاية شخصية غامضة (مايكل كيتون) يمنح جائزة قدرها مليون دولار للفائز. بالنسبة لدينو هذا مبلغ يعوّض ثلاث سنوات من السجن، لكن بالنسبة لمن أودعه فيه فرصة للنيل منه مرة أخرى وإلى الأبد.

الشخصية الغامضة هي أيضا حكيمة.. يصرخ فيّ أحد المشاهد: «السباق فن، لكن السباق بشغف فن عالٍ».. الفن الأعلى ربما - والأصعب طبعا - هو تحقيق فيلم جيد. الأمر الذي لن ينفع معه كل ذلك الأسلوب المتوتر من التصوير والتوليف والتمثيل.

* «رود رانر» على عجلات

* يذكّر «الحاجة للسرعة» بكثير من الأفلام التي دارت حول سيارة وطريق وسائق أرعن مع اختلاف أن السائق الأرعن كان إما برسالة وإما خفيف الظل مما ينتج عن الأول اهتمام بالمفهوم المطروح عبر تلك العناصر، وما ترمز إليه السيارة من مفادات (حرية، قوّة رجالية، تحدّ اجتماعي.. إلخ) أو من مواقف سخيفة وضاحكة لا يعول عليها أكثر من ذلك.

في النطاق الأول، وجدنا ذات مرّة الممثل باري نيومان يريد قطع المسافة بين نقطة الانطلاق ونقطة الوصول عبر الولايات (وإن ليس عبر كل الولايات) بسيارة «دودج شالنجر» موديل 1970. الفيلم كان «نقطة اختفاء» للمخرج رتشارد سارافيان، وجاء يومها معبأ بكثير من الرمزيات المطلوبة في سينما ذلك الحين. فالسيارة هي رمز للحرية المنشودة لفرد لا يعرف كيفية التعبير عن رغبته في الاختلاف عن سواه إلا بقيادة سيارته بسرعة على الطرق السريعة، على الرغم من تعقّب القانون الكثيف له.

الفيلم كان جادّا لكنه كان ذا رنة اجتماعية وثقافية لجانب أنه كان مصنوعا من نسيج فني صلب، ومن دون أخطاء تذكر. وكان أيضا واقعيا تصدّق ما يدور أمامك، بما في ذلك تفضيل بطله الانتحار بسيارته على الاستسلام لحاجز البوليس الذي ينتظره عند ذلك الطريق الرمادي الطويل.

في الثاني قدم المخرج دك لاوري (وتبعه في أجزاء أخرى هال نيدهام) حكاية أخرى من ذلك السائق الذي لا يبالي. الفيلم هو «سموكي والعصبة» (ثلاثة أجزاء؛ الأول سنة 1977 والثاني 1980 والثالث 1983) وكان كوميديا في الأساس مع معالجة مثيرة وهازلة (وأحيانا هزيلة): بيرت رينولدز في سباق من تلك غير المرخص بها، والشريف جاكي غليسون هو رجل البوليس، الذي يكاد ينفجر من غيظه، كلما تمكن الأول من الفرار من فخاخه وحواجزه. شيء مثل «رود رانر» على عجلات.