قادة عسكريون عراقيون: لم نتوقع أن تستغرق محاربة «داعش» في الأنبار كل هذا الوقت

المسلحون مجهزون بمدافع مضادة للدبابات وبنادق قنص متطورة.. وتكتيكهم المفضل هو تفخيخ المنازل

سعدون الدليمي وزير الدفاع العراقي (وكالة) في زيارة للقطعات العسكرية بالأنبار في 20 مارس الماضي (أ.ب)
TT

تحركت دورية القوات العراقية الخاصة سيرا متجاوزة المنازل الخربة الواقعة على أطراف مدينة الرمادي (غرب بغداد) التي خضعت لسيطرة مقاتلين تابعين لـ«القاعدة» لثلاثة أشهر. وخلال سيرهم في أحد الأزقة دوت رصاصة من بندقية قناص، تلاها انفجار قنابل.

احتمت القوات خلف الجدران وعربات الهامفي وبدأت في تبادل النار مع المهاجمين، لكن أحدا لم يصب بسوء، واستمرت العملية بعد عدة دقائق. حاولت الوحدة التحصن في أحد المنازل، فقاموا بنسف بوابته الأمامية بشحنة ناسفة، ثم دخل خبير المتفجرات إلى الداخل ليعلن أن المنزل آمن، طالبا من بقية الجنود تفتيشه. وما هي إلا لحظات حتى دوى انفجار ضخم دمر المبنى، وهز الأرض وثار الغبار في الهواء. كان المنزل مفخخا، ما أدى إلى مقتل أربعة جنود وإصابة عشرة.

«لعنة الله على داعش»، هكذا دعا ضابط شباب جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، أحد تنظيمات «القاعدة» التي تقود المسلحين. وقال الجنود الذين كانوا بالقرب من موقع الانفجار إنهم كانوا يسمعون المقاتلين يسخرون منهم عبر مكبرات الصوت يقولون: «قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار».

تشكل حرب المدن المرهقة هذه في ضاحية البكر بالرمادي، التي شهدها مراسل وكالة «أسوشييتد برس» يوم الخميس الماضي، جزءا من المواجهة المميتة بين قوات الحكومة والميليشيات القبلية المتحالفة معها في مواجهة مقاتلي الدولة الإسلامية وحلفائها في محافظة الأنبار. ويسيطر المتشددون على جزء من الرمادي، مركز المحافظة، وكل مدينة الفلوجة القريبة، وهو ما يشكل أكبر تحد تواجهه حكومة نوري المالكي.

ويقود قائد العمليات في الأنبار، اللواء رشيد فليح، الذي تدرب على يد القوات الخاصة الأميركية، العمليات نظرا لافتقار الجيش العراقي إلى الخبرة العادية في هذا النوع من الحروب. ويقول إن أكثر من 100 جندي عراقي قتلوا وأصيب 400 آخرون في القتال المتواصل منذ ثلاثة أشهر، فيما قتل نحو 250 مسلحا. وتقدر أعداد المسلحين في الفلوجة وحدها بنحو ألف مقاتل، نصفهم من الأجانب.

من جانبها تقول الحكومة إنها تحقق تقدما في المعركة، وإنها تهدف من وراء العملية في البكر إلى طرد المسلحين من هذه الضاحية التي يقطنها أبناء الطبقة المتوسطة وإعادتها إلى سيطرة الحكومة.

لكن العميد علي غيدان قائد القوات البرية للجيش، قال إن قادة الجيش العراقي لم يتوقعوا أن تستغرق مكافحة الجماعات المسلحة في الأنبار كل هذا الوقت، وألقى باللائمة على أجهزة الاستخبارات في تقديم معلومات مغلوطة. وقال غيدان، الذي كان يتفقد الوحدات في جميع أنحاء الرمادي، إن المسلحين مجهزون بمدافع مضادة للدبابات وبنادق قنص متطورة وتكتيكهم المفضل هو تفخيخ المنازل.

وسيطر المسلحون على الفلوجة وأجزاء من الرمادي أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مستغلين حالة السخط التي تعم المناطق السنية ضد حكومة المالكي. ويشكل المجلس العسكري لثوار الأنبار الحليف الرئيس لـ«داعش». ويتكون من خليط من أبناء القبائل والمسلحين الذي خدموا في الجيش في عهد صدام حسين، والذين لم يبايعوا «داعش»، لكنهم يتجنبون مواجهتهم.

ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه في الفلوجة؛ فقبل عشر سنوات لعب مقاتلو الدولة الإسلامية دورا بارزا في الدفاع عن المدينة ضد القوات الأميركية في أكبر معارك الحرب على العراق، لتعزز من مكانة الجماعة وتمكنها في نهاية المطاف من التفوق على غيرها من جماعات المتمرد؛ بيد أن الجهاديين المرتبطين بتنظيم القاعدة، تسببوا في نفور الكثير من السنة نظرا لمحاولتهم فرض آيديولوجيتهم المتشددة، وهو ما دفع الكثيرين في الفلوجة إلى التحول ضدهم في نهاية المطاف. ويحاول تنظيم الدولة الإسلامية في الوقت الراهن تحسين صورته في المدينة، فقام بإزالة القمامة وزرع الزهور في وسط الطريق، وسمحوا ببعض الممارسات، مثل تهذيب اللحية عند الحلاقين، على عكس ما كان يفعله في السنوات الماضية.

في الوقت ذاته، يتحدث الجيش العراقي بنبرة صارمة، فيؤكد سعدون الدليمي، وزير الدفاع وكالة، أن قواته عازمة على الاستمرار في القتال مهما استلزم الأمر من وقت. وقال الدليمي في مقابلة مع وكالة «أسوشييتد برس» أجريت معه في قاعدة عسكرية قرب الرمادي: «لا يزال الإرهاب موجودا هناك وعلينا أن نواصل القتال، وسنعمل على تنظيف المحافظة من الإرهابيين وسنطاردهم من منزل إلى آخر». لكن الواضح أن الجيش يتحرك بحذر، ويعود ذلك في جانب منه إلى حرص الحكومة على تجنب الخوض في حمام دم قبيل الانتخابات، والأمر الآخر أنها لا تريد المجازفة بتحالفها مع قبائل الأنبار السنية التي ربطت مصيرها بالمالكي.