مانويل فالس على رأس «حكومة فرنسية مقاتلة» تعلن اليوم

الخضر مترددون في المشاركة.. والجناح اليساري في الحزب الاشتراكي متحفظ

رئيس الوزراء الفرنسي المستقيل جان مارك أيرولت وزوجته بريجيت أثناء مغادرتهما فندق «ماتينيون» بباريس بعد حفل التسلم والتسليم أمس (أ.ف.ب)
TT

لا تعد المهمة التي أوكلها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى رئيس حكومته الجديد مانويل فالس الذي يخلف جان مارك أيرولت المستقيل في «قصر ماتينيون» الحكومي، سهلة التنفيذ. فالمطلوب منه بعد الهزيمة الانتخابية التي حلت بالرئاسة والحكومة والحزب الاشتراكي واليسار بشكل عام أشبه بـ«تربيع الدائرة» بسبب المتناقضات المطلوب منه التوفيق بينها فيما البلاد مقبلة على استحقاقات انتخابية واقتصادية رئيسة في الأسابيع القليلة المقبلة.

في كلمته التلفزيونية من سبع دقائق مساء أول من أمس، أي بعد 24 ساعة فقط من إعلان النتائج الكارثية للجولة الثانية للانتخابات المحلية، قدم هولاند رئيس حكومته الجديد على أنه «رئيس حكومة مقاتلة» يتمتع بـ«كافة المؤهلات» التي تمكنه من «فتح صفحة جديدة» و«تحقيق النجاح» في المهمة الموكولة إليه «على رأس فريق مصغر، متماسك وملتحم». والمطلوب من الحكومة ورئيسها «الاستجابة» للرسالة التي عبر عنها الناخبون والعمل على تطبيق «ميثاق المسؤولية» الخاص بخفض ضغوط الضرائب على المؤسسات الخاصة والشركات مقابل أن توفر فرص عمل إضافية لخفض البطالة والاستثمار. ومن جانب آخر، يتعين على الحكومة الإعداد لـ«ميثاق التضامن» لمساعدة الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية وخفض الضرائب حتى عام 2017 والاشتراكات في صناديق الرعاية التي يسددها الأجراء.

بيد أن تعيين فالس الذي شغل منصب وزير الداخلية في حكومة جان مارك أيرولت لم يسقط منا وسلوى على كثير من الاشتراكيين واليسار بشكل عام رغم أنه يتمتع بشعبية واسعة قياسا إلى انهيار شعبية هولاند وأيرولت، الأمر الذي ترجم في صناديق الاقتراع. فالرجل ينتمي إلى الجناح اليميني داخل الحزب الاشتراكي وبنى سمعته وشهرته على السير في سياسة متشددة في موضع الأمن والهجرة غير المشروعة ومحاربة معاداة السامية وإعلان التمسك بقيم الجمهورية، إلى درجة أن بعض أركان اليمين تساءلوا أكثر من مرة عما يمنع فالس من الالتحاق بحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني. وليس سرا أن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي اقترح عليه في بداية عهده عام 2007 أن ينضم إلى حكومته ليتولى وزارة الداخلية، الأمر الذي رفضه فالس لكن قبله بعد خمس سنوات ولكن في ظل حكومة رئيس اشتراكي.

وأمس، كثف فالس اتصالاته مع القوى السياسية والشخصيات التي يريد ضمها إلى حكومته. وبحسب معلومات صحافية في باريس، فإن التشكيلة الحكومية ستعلن صباح اليوم ما يمكن الرئيس هولاند من ترؤس أول اجتماع للحكومة الجديدة قبل التوجه إلى بروكسل للمشاركة في القمة الأوروبية - الأفريقية.

ويواجه فالس بعض الصعوبات مع الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي من جهة ومع الخضر من جانب آخر. وسارعت سيسيل دوفلو، زعيمة الخضر ووزيرة الإسكان في الحكومة السابقة، إلى التأكيد أنها «لن تشارك في حكومة يرأسها فالس ليس لأسباب شخصية وإنما سياسية». كما أصدرت بيانا مشتركا مع باسكال كونفين، وزيرة الخضر الأخرى في الحكومة السابقة جاء فيه أن أفكار فالس وخططه «لا تشكل أجوبة ملائمة لما يريده الفرنسيون». وعلم أن دوفلو رفضت أن تكون الشخصية الثانية في الحكومة من غير أن يعني ذلك أن آخرين من حزب الخضر سيرفضون العروض التي قد تقدم لهم. وفي السياق عينه، فإن تيارات اليسار في الحزب الاشتراكي فضلا عن «جبهة اليسار» التي يرأسها المرشح السابق جان لوك ميلوشون وتضم الحزب الشيوعي، تعتبر أن فالس «سيطبق سياسة يمينية» تحت شعار يساري وهي سياسة لا تأخذ بعين الاعتبار المعاني العميقة للانتخابات الأخيرة ولا تستجيب لخيبة ناخبي اليسار الكبرى الأمر الذي أفضى إلى الهزيمة المؤلمة. ودعت «الجبهة» إلى أوسع مظاهرة يوم 12 أبريل (نيسان) الجاري في وسط باريس. ومن جهته، ربط حزب الخضر دعمه للحكومة بالسياسة التي ستنتهجها في مواضيع الطاقة والميزانية وإعادة النظر بـ«ميثاق المسؤولية» وشؤون البيئة.

أما اليمين فقد اعتبر قادته أن المهم «ليس تغيير الحكومة بل تغيير السياسة الاقتصادية» التي ينتهجها الرئيس هولاند الذي يحملونه مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد لجهة تدهور سوق العمل وغياب النمو وازدياد العجوزات.

وفي أي حال، لا يبدو درب الحكومة الجديدة مفروشا بالورود بسبب صعوبة الوضع الاقتصادي وفراغ خزائن الدولة والمطالب المتناقضة المطلوب منها تحقيقها وفق «خريطة الطريق» التي حددها الرئيس هولاند في كلمته التلفزيونية. فمن جهة يتعين على الحكومة أن تقنع المفوضية الأوروبية بسلامة سياستها في محاربة عجز الميزانية بحيث ينزل تحت نسبة 4 في المائة. ويتطلب تحقيق هذا الهدف الاستمرار في سياسة التقشف وخفضا في الإنفاق بمقدار خمسين مليار يورو حتى عام 2017. ومن جهة أخرى، يفترض بالحكومة أن تعمد إلى تنفيذ مضمون «ميثاق المسؤولية» الذي يعني تخفيف عبء الضرائب والرسوم عن الشركات بنحو 30 مليار يورو وكذلك تخفيف مساهمة الأجراء في الصناديق الاجتماعية والبدء بخفض الضرائب. والحال أنه لا أحد يعرف كيف ستعوض الدولة النقص المترتب على كل هذه الإجراءات.

يبقى أن اختيار فالس يحمل بالدرجة الأولى معاني سياسية. فالرجل يتمتع بقوة الشخصية وبالحزم والسطوة بعكس أيرولت الذي كان يعد ضعيف الشخصية وعاجزا عن الإمساك بوزرائه. وعلى الرغم من أن طموح فالس الرئاسي من شأنه دفع هولاند إلى الحذر منه، فإن الوضع السياسي للحكومة والرئاسة والأكثرية على السواء دفع بالرئيس الفرنسي إلى «المخاطرة» بتعيينه والاستفادة من شعبيته وخصوصا من أجل استعادة المبادرة السياسية التي أفلتت من يده.

وكان من المسلم به في باريس أمس أن لوران فابيوس سيبقى في وزارة الخارجية لأنه أثبت نجاحا في هذا الموقع كما سيبقى جان إيف لودريان وهو من أقرب المقربين لهولاند على رأس وزارة الدفاع فيما الإشكاليات تتناول وزارات الاقتصاد والمال والتربية والشؤون الاجتماعية والعدل.