الخطة الأمنية في طرابلس تنطلق باعتقالات ومداهمات وقطع «الإنترنت»

بدأت في جبل محسن وتستكمل في باب التبانة بعد فرار أبرز المطلوبين ومداهمة منزل عيد

هليكوبتر تحلق في سماء طرابلس أمس وسط إجراءات أمنية اتخذها الجيش اللبناني لإعادة الاستقرار إلى المدينة (أ.ف.ب)
TT

عاش أهالي طرابلس يومهم، أمس، على وقع أخبار المداهمات والاعتقالات المتواصلة، وعلى صوت هدير طوافات الجيش اللبناني التي جابت سماء المدينة طوال النهار، في حين انتشرت الحواجز العسكرية عند كل شارع وزاوية، لتفتيش المارة والتدقيق في الهويات، مما تسبب في زحمة سير خانقة. وقطعت شبكة «الإنترنت» عن الهواتف الجوالة في كامل المدينة من قبل الشركتين المشغلتين «ألفا» و«إم تي سي»، كما أوقفت الاتصالات الهاتفية عن منطقتي القبة وجبل محسن، لعرقلة التواصل بين الفارين من وجه العدالة، لا سيّما أنّ المسلحين يستخدمون بشكل كثيف خدمات «الواتس أب»، كما أنهم يوزعون بياناتهم «التجيشية» عبره، ومن خلال صفحات موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».

وأتى تنفيذ الخطّة الأمنية بعد ستة أيام على إقرارها من قبل الحكومة، وتأجيل البدء بها نحو ثلاثة أيام، بحيث بدا وكأنها مهلة للمسلحين في باب التبانة (ذات الغالبية السنية) وجبل محسن (ذات الغالبية العلوية)، للتواري عن الأنظار، تفاديا لمعارك طاحنة ومواجهات التي اندلعت بين المنطقتين على خلفية الأزمة السورية، كما يأتي تنفيذ الخطة بناء على توافق سياسي - أمني، وهذا ما لمح إليه رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، قائلا: «أطرف ما في الخطة أنها أنذرت قادة المحاور بموعد قدومها».

وبدأ الجيش مداهماته، مع الساعات الأولى من الفجر، وشملت مناطق مختلفة، قريبة وبعيدة من مناطق الاشتباكات التقليدية، بدءا من جبل محسن وصولا إلى المنكوبين وسوق القمح وباب الحديد والبحصاص وأبي سمراء والزهرية بحثا عن مطلوبين، واستثنيت منطقة باب التبانة التي سيأتي دورها لاحقا. كما داهم الجيش منزلي رفعت عيد، المسؤول السياسي للحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن والموالي للرئيس السوري بشار الأسد، ووالده النائب السابق علي عيد في قرية حكر الضاهري في عكار، ولم يعثر عليهما، في حين تمركزت دبابة للجيش أمام منزل علي واعتقل أربعة أشخاص موجودين في المكان.

ومن المطلوبين المعروفين بدعمهم مقاتلي باب التبانة، والذين لم تعثر عليهم القوى الأمنية، الداعية الإسلامي عمر بكري فستق، وأحد أبرز قادة المحاور في القبة شادي مولوي، ودهمت منطقة باب الرمل ومحيطها لتوقيف المطلوبين أحمد سليم ميقاتي وعمر أحمد ميقاتي المعروف بـ«أبي هريرة»، وفايز عثمان وعلي الحاج يوسف في حين أوقف المطلوب بلال العتر، وألقي القبض على قائد محور الريفا، جهاد دندشي.

وعن إجراءات الخطة الأمنية، أصدر الجيش بيانا أشار فيه إلى استكمال وحداته تنفيذ الخطة منفذة عمليات دهم وتفتيش في عدد من المناطق وتوقيف الكثير من المطلوبين وضبط كمية من الأسلحة والأعتدة العسكرية المختلفة، كما أزيلت الكثير من الدشم والتحصينات.

وكانت الاستنابات القضائية التي أعلن عنها أول من أمس طاولت نحو 120 شخصا من طرابلس. وتمكن الجيش كما قوى الأمن الداخلي، أمس، من اعتقال ما يزيد على 20 شخصا، بنتيجة البحث والدهم وعلى الحواجز، كما اعتقل المدعو خالد عدنان الحريري أمام سراي طرابلس، وهو مطلوب بمذاكرات توقيف عدة، وذلك بعد أن حاول إلقاء قنبلة يدوية، على الدورية.

وقال أحد الفاعلين في باب التبانة لـ«الشرق الوسط»، رافضا الكشف عن اسمه: «هذه الخطة الأمنية ولدت ميتة، فكل القادة العسكريين الكبار لن يتمكنوا من مغادرة مناطقهم ويذهبوا بعيدا أو خارج البلاد. لقد أعطوا وقتا للفرار، لكن الحدود السورية مع لبنان باتت مغلقة في وجوهنا من قبل النظام السوري بعدما استعاد يبرود وكامل القلمون وحمص، ولا مجال إلا للمغادرة بحرا أو جوا وبشكل نظامي، مما يعني الوقوع في أيدي السلطات اللبنانية. وبالتالي فإن ما يحدث الآن هو أن كل قائد محور يتوارى قريبا من منزله، بينما تهدأ الأمور، بانتظار ظروف أفضل، في حين يلقي القبض على المقاتلين الصغار. وهذا لن يحل المشكلة بشكل جذري».

وإذ شعر بعض أهالي طرابلس بالتفاؤل، إلا أن الغالبية لا تزال تتحسب من دخول الجيش إلى باب التبانة في الساعات المقبلة، وترى أن المقاتلين الأساسيين يمكن أن يظهروا في أي لحظة ويرجعوا عقارب الساعة إلى الوراء. ورغم التأكيدات أن باب التبانة لن تكون، عند دخولها، أقل سلمية من جبل محسن في التعامل مع الجيش، فإن مظاهرتين خرجتا بالأمس، احتجاجا على اعتقال مقاتلين، وطلبا لوقف المداهمات، إحداهما في شارع سوريا (باب التبانة) وأخرى نسائية في منطقة القبة.

وتابع رئيس الجمهورية ميشال سليمان مع وزير الداخلية نهاد المشنوق وقائد الجيش العماد جان قهوجي خطوات تنفيذ الخطة الأمنية في طرابلس ومحيطها التي بدأت فجرا. وأبدى رئيس الجمهورية ارتياحه لـ«الخطوة والتضحيات المبذولة في سبيل ترسيخ الاستقرار وحفظ أمن الوطن والمواطن»، فإنه دعا إلى «عدم التهاون مع أي مخل أو مرتكب وملاحقته وإحالته إلى القضاء». وقال رئيس الحكومة تمام سلام، حول بدء تنفيذ الخطة الأمنية: «هي ليست موجهة لفئة ضد فئة، بل موجهة لوضع الأمن والأمان ولإراحة الناس. وكل مخل بالأمن هو موضع مساءلة ومحاسبة وملاحقة، وكل من يريد أن ينعم بالاستقرار في البلد، يجب أن يعطى فرصة حقيقية وجدية».

وعقد مجلس الأمن الداخلي المركزي اجتماعا، في وزارة الداخلية والبلديات، برئاسة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، ناقش خلاله الخطة الأمنية التي بوشر تنفيذها في طرابلس ومحيطها. وشدد الوزير المشنوق على أن «يكون الانتشار الأمني والعسكري مسؤولا، جديا، صارما وحاسما وغير ظالم، خشية أن يتولد انطباع لدى الرأي العام بأن الانتشار هو ودي فقط، ولكي لا تصل الأمور بعد أيام إلى ما يسمى «الأمن بالتراضي»، والذي هو مرفوض بشكل قاطع، وعلى الجميع أن يعلم أن ما قبل الخطة شيء وما بعدها شيء آخر.

كما شدد المجلس على «ضرورة تنفيذ الخطط الأمنية المقبلة في باقي المناطق اللبنانية بشكل متوازٍ، يشعر من خلالها المواطنون اللبنانيون أن العدالة الأمنية تنطبق على الجميع من دون استثناء».

من جهته، علق جنبلاط على ما يجري في طرابلس بالقول: «بسحر ساحر وقدرة قادر وبعد أن توفرت الإمكانيات العجائبية عند جهابذة وكبار القوم من سياسيين وأمنيين بدأ أخيرا تنفيذ الخطة الأمنية لمدينة طرابلس بعد أن أنكهت المدينة بعشرين جولة قتالية تصدرها بشكل بطولي قادة المحاور في باب التبانة وجبل محسن». وأضاف جنبلاط: «أصبح بالإمكان رفع الغطاء جديا، بعد أن رُفع نظريا عشرات المرات، عن أبطال الأحياء وقبضايات الشوارع والأزقة وقادة المحاور».

ورأى جنبلاط، أن «أطرفا ما في الخطة الأمنية، التي لا يمكن إلا أن نؤيدها ونتمنى لها النجاح لرفع القهر والغبن عن أهالي طرابلس، أنها أنذرت جميع قادة المحاور سلفا بموعد قدومها، فبات بإمكان رفعت عيد أن يتابع دراسته العليا في جامعة بركلي في حين من غير المستبعد أن يحتل قادة المحاور المقاعد الأمامية في أرقى جامعات أوروبا ويتوزعون بين باريس ولندن وبرلين إذا ما ثبت أن أرزاقهم قد قطعت جديا هذه المرة بفعل الخطة الأمنية».