الجيش اللبناني يدخل مناطق قادة المحاور في طرابلس.. و«مسيرة سلمية» بين منطقتي النزاع

أعاد فتح طرق أغلقت أكثر من أربع سنوات.. ولبنانيون يصفون الأحداث بـ«التاريخية»

TT

بعد سبع سنوات من الاقتتال الدموي، وبمجرد أن أزالت القوى الأمنية المتاريس والحواجز بين منطقتي النزاع تنفيذا للخطة الأمنية، انطلق أكثر من 150 شابا من باب التبانة (ذات الغالبية السنية) بمؤازرة من الجيش اللبناني باتجاه جبل محسن (ذات الغالبية العلوية) في مسيرة راجلة تعبيرا عن رغبتهم في التعايش السلمي فيما استقبلهم أهالي الجبل بالأرز والورود وإطلاق الزغاريد.

وجالت المسيرة العفوية من أهالي المنطقتين، في طلعة الشيخ عمران - الحارة الجديدة - نزلة العمري التي أزال الجيش الدشم منها وأعاد فتحها بعد إقفال دام أكثر من أربع سنوات، و20 جولة عنف عبثية في المدينة.

وأتى هذا التحرك السلمي المفاجئ في اليوم الثاني من تنفيذ الخطة الأمنية التي أعدت لطرابلس من أجل إنهاء الاقتتال بين المنطقتين. وإذ بدأ اليوم الأول من تنفيذ الخطة بمداهمة الجيش وقوى الأمن الداخلي لمواقع في جبل محسن ومناطق أخرى، والقبض على نحو 75 شخصا بينهم 27 من التابعية السورية والفلسطينية، فقد تركت لليوم الثاني منطقة باب التبانة، وهي الأصعب، حيث يتمركز قادة المحاور المعروفون بتشددهم.

ودخل الجيش منذ ساعات الفجر الأولى إلى باب التبانة بدءا من شارع سوريا الفاصل بين المنطقتين، استعدادا للانتشار في الأحياء الداخلية، حيث حضر عدد من النواب ووفد من المشايخ واجتمعوا مع فعاليات المنطقة، لمتابعة سير تنفيذ الخطة. وضم الوفد الشيخ سالم الرافعي والشيخ رائد حليحل والشيخ زكريا المصري والنائبين في تيار المستقبل، محمد كبارة وخالد الضاهر. ودخل الجيش إلى سوق الخضار والبازار وأزال الدشم والأسلاك الشائكة وأعيد فتح طلعة الكواع - الشيخ عمران وهي طريق يربط بين جبل محسن وباب التبانة بعدما كانت مقطوعة طوال السنوات الماضية. كما عمل الجيش على إزالة البوابات والمتاريس والدشم على طول الخط الممتد من محور العمري وصولا إلى البازار وبعل الدراويش وستاركو، وسوق الخضار، وتلك الموجودة داخل بعض المنازل وعلى أسطح المباني، فيما عملت جرافات الجيش على نقل مخلفات المتاريس طوال ساعات النهار.

يذكر أن قادة المجموعات المسلحة في باب التبانة كانوا يمانعون دخول الجيش إلى عمق الأحياء، حيث يتمترسون، ويخبئون أسلحتهم. وأعلن أمس، عن توقيف عشرين شخصا وتنفيذ مداهمات لمنازل مسلحين مطلوبين. لكن القادة الأبرز في باب التبانة تواروا كما كان متوقعا، بينهم من بقي في المنطقة مع تغيير مكان إقامته والبعض الآخر، غادر إلى مناطق أخرى، وثمة بينهم من ذهب شمالا إلى منطقة عكار. وحمل زياد علوكي وهو أحد قادة المحاور الذين عرفوا، خلال الاشتباكات في طرابلس، في حديث تلفزيوني، قوى 8 آذار و14 آذار مسؤولية ما حصل في طرابلس وقال: «لن أسلم نفسي للجيش طالما أن رئيس الحزب «العربي الديمقراطي» علي عيد وابنه رفعت لم يسلما نفسيهما».

وفي متابعة منه للخطة الأمنية، رأس النائب العام التمييزي بالإنابة القاضي سمير حمود اجتماعا أمس، وأكد على مباشرة الأجهزة الأمنية بتنفيذ الخطة في طرابلس، ثم في البقاع. وأشار حمود إلى أن الاجتماع «تناول عمل النيابات العامة كل ضمن صلاحياته واختصاصه، وضرورة التشدد في ملاحقة الأشخاص مرتكبي الجرائم والإسراع في بت ملفاتهم لناحية الادعاء عليهم وإحالتهم على قضاة التحقيق أو المحاكم».

ووصف اللبنانيون ولا سيما أهالي طرابلس مشهد أمس في عاصمة الشمال، بـ«التاريخي»، فيما أبدى البعض الآخر، حذرا شديدا بسبب السرعة السحرية التي نفذت بها الخطة الأمنية من دون أي اشتباك أو محاولة إطلاق نار من قبل المسلحين، رغم أن بعضهم كان أعلن عن تمرده قبل دخول الجيش.

وكانت طوافتان للجيش اللبناني جابتا سماء طرابلس والمناطق المحيطة، وهما تمشطان الشوارع طوال الليل وحتى ساعات الفجر، كما عقدت اجتماعات مكثفة مع مسلحي باب التبانة مساء الثلاثاء، لتذليل العقبات وتسهيل دخول الجيش إلى المنطقة بسلمية تامة، فيما بقيت خدمة الإنترنت على الهواتف (3 جي)، مقطوعة كليا في طرابلس والمناطق المحيطة بها، لليوم الثاني على التوالي.

ووصف وزير العدل أشرف ريفي تنفيذ الخطة الأمنية بالـ«ممتازة»، مشيرا إلى أنه كان على تواصل مع هيئة العلماء المسلمين في طرابلس والمناطق، لإنجاح الخطة ومعالجة كل الثغرات والصعوبات.

وقال ريفي المحسوب على «تيار المستقبل»: «لا مانع من زيارة جبل محسن وسنعيد إحياء قنوات الحوار مع حزب الله»، مرجحا أن يكون رفعت عيد في سوريا.

وتعليقا على سير الخطة الأمنية، أكد رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، وابن مدينة طرابلس، على تأييده كل ما قام به الجيش، وأضاف: «هذه الخطة التي نتبناها جملة وتفصيلا، هي السقف الذي كان منتظرا»، داعيا أهالي طرابلس إلى «الاستمرار في التجاوب الكامل مع الجيش والقوى الأمنية وتسهيل مهمتهم في إعادة الاستقرار إلى مدينتنا الحبيبة، فأنني أترحم على الشهداء جميعا، مدنيين وعسكريين من جيش وقوى أمن داخلي، وأتمنى الشفاء العاجل للجرحى».

يذكر أن الجولات الـ20 من الاقتتال التي شهدتها طرابلس منذ عام 2008 تسببت في سقوط 250 قتيلا و1500 جريح، غالبيتهم من المدنيين الأبرياء الذين استهدفهم القناصة أو سقطوا نتيجة الرصاص الطائش أو ضحية القذائف العشوائية التي لم تفرق بين منزل وهدف عسكري.