كريستوفر نولان يعود إلى الفضاء بتقنية الأمس

فيلم «جاذبية» لألفونسو كوارون جعل مهمته أصعب.. لكنه يعمل بمنهج خاص به

TT

عند الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا في الخامس والعشرين من الشهر الماضي شوهد المخرج كريستوفر نولان وهو يجلس وسط مجموعة من الصحافيين في لقاء لم يشأ المخرج أن يكون صحافيا أو «رسميا» لكنه انتهى إلى ذلك على أي حال. مخرج «باتمان» من عام 2005 إلى سنة 2012 عندما عُـرض الجزء الأخير من الثلاثية، ومخرج بضعة أفلام أقدم عليها بين كل «باتمان» وآخر، مثل «المقام» سنة 2006 و«تمهيد» سنة 2010. عاد إلى مقعد الإخراج، بعد سنتين من «باتمان يصعد» (2012) من خلال فيلم خيال علمي جديد بعنوان «بين النجوم» الذي قام بإنتاجه مع زوجته إيما توماس وكتابته مع شقيقه جوناثان وإخراجه منفردا. ماثيو ماكوهوني، الذي استحق الفوز بأوسكار أفضل ممثل عن «دالاس بايرز كلوب»، يقود البطولة لجانب جسيكا شستين وآنا هاذاواي ووس بنتلي وكايسي أفلك وجون ليثغو، بل إن هناك دورا للبريطاني مايكل كاين الذي كان رئيس خدم (وربما الخادم الوحيد) لشخصية باتمان في الثلاثية السابقة.

استرعى ماثيو ماكوهوني انتباه نولان عندما شاهده في فيلمه الأسبق «مَـد» ومَـد هو اسم الشخصية التي لعبها مؤديا دور رجل يعيش فوق شجرة فوق جزيرة صغيرة بعدما هرب من السجن ويريد العودة إلى حبيبته: «لقد استرعى انتباهي منذ ذلك الحين وفكّـرت أنني في (بين النجوم) أريد ممثلا يعكس شخصية عادية يمكن للمشاهد التواصل معها».

يتطرّق نولان إلى هذا الفيلم الجديد لكن من دون تفاصيل رغم أن الفيلم بات في أسابيع تحضيره الأخيرة تمهيدا لعرضه في الرابع عشر من يونيو (حزيران) المقبل: «إذا ما بدأت الحديث عنه فإني لن أتوقّـف لأني معجب جدّا به كعمل. ولا يجب أن أتحدّث عنه لأن النسخة الأخيرة ما زالت قيد العمل».

لكن ما هو متداول حول هذا المشروع هو أنه فيلم تدور أحداثه في الفضاء البعيد وعلى متن مركبته: «اشتغلت كثيرا على اختيار الممثلين لأن هناك الكثير من المهام التي أريد لهم القيام بالتعبير عنها». تحت الإلحاح غير المستحب يضيف: «ينظر الفيلم إلى وضعنا نحن اليوم كبشر وعن قيمة تجربتنا الإنسانية خلال رحلة إلى الفضاء البعيد».

نولان يدرك جيّـدا أن كل فيلم خيالي - علمي، خصوصا إذا ما كان ممهورا باسم واحد من المخرجين المعروفين أمثاله، وأمثال ريدلي سكوت أو جيمس كاميرون أو ستيفن سبيلبرغ، عليه أن يأتي أفضل وقعا وتأثيرا من الفيلم السابق في هذا المجال. المسألة باتت سباقا فضائيا بحد ذاته: «أوافق. المسألة تكاد تفلت من اليد لكن لصالح المشاهد بلا ريب. لماذا علينا أن نخشى التطوير. أنا مع كل تحد ممكن».

فيلم ألفونسو كوارون «جاذبية» جعل المسألة أصعب من السابق. لقد استحدث وفريق عمله أجهزة وأدوات عمل وتصوير لم تكن متوفّـرة من قبل. من ناحيته، يقوم نولان بخطوة مختلفة فهو إلى حد ما، يعود إلى الوراء. إلى ما قبل «الشاشة الخضراء»، فهو وجد أنه في بعض المناسبات من الأفضل استخدام صور فوتوغرافية للفضاء كخلفية عوض الشاشة الخضراء التي تستخدم اليوم في شتّـى أنواع التصوير من أفلام الإعلانات إلى الإنتاجات التلفزيونية ومنها إلى الإنتاجات السينمائية الضخمة.

ثم هناك شيء آخر يحب نولان العودة إليه، وهو يفصح عن ذلك للناقد الأميركي تود مكارثي حين يقول له: «إلى الآن، ورغم كل التطوّرات التي استحدثت على كاميرات الدجيتال، ليس هناك أفضل من التصوير بكاميرا فيلمية». هذا الرأي القاطع ليس هوى عبثيا بل نتيجة خبرة. يخبرنا: «أنا من بين المخرجين القليلين الذين يدخلون صالات السينما مع الجمهور لمشاهدة الأفلام. كل فيلم أعتقد أنه من المهم لي مشاهدته على الشاشة الكبيرة أشاهده في صالات السينما بلا تردد لأن الشاشة السينمائية ما زالت هي الامتحان النهائي للفيلم. ومن هذه التجربة أستطيع أن أقول بثقة أن لا شيء يعلو عن الفيلم المصوّر بالسيليلويد وليس عبر كاميرا دجيتال».

نولان يعمل بمنهج ذهني خاص به. في حديثه للناقد مكارثي يكشف عن هذا المنهج حين يقول: «كل فيلم أقوم بتحقيقه أقدم عليه وفي بالي أنه سيكون فيلمي الأخير. هذا يجعلني مهتما بإجادته ووضع كل خبرتي فيه. بعد أن ينتهي أحضر لفيلم آخر أريده أن يكون أفضل من سابقه». والمنهج فاعل. «باتمان يبدأ» (الجزء الأول سنة 2005) كان أفضل باتمان خرج إلى السينما من بداية تعاملها مع هذه الشخصية في الأربعينات. «باتمان يبدأ» (2008) كان أفضل من «الفارس الداكن» (الجزء الثاني من «باتمان»، 2008) كان أفضل من الأول، وهو توّج كل السلسلة بذلك الجزء الثالث «باتمان يصعد» قبل عامين.