هل كان للمرأة دور محوَري في إطلاق ظاهرة ما عرف بـ«الربيع العربي»؟

نعم.... هذا طبيعي.. لأنه لا يستقيم أي حدث من دون مشاركتها فيه

TT

المرأة نصف سكان العالم، ولا يستقيم حدَث دون مشاركتها، فما بالك بثورات بحجم ثورات «الربيع العربي» قادتها الشعوب المغلوبة على أمرها رهانا على الحرية.

ونعرف أن الضلع المعطوب في هذه الشعوب هو المرأة. واسمحوا أن أعتبرها، وفقا لسياق الموضوع، «شعب المرأة».. ثم استفردت بها قوى وكيانات تدّعي الوطنية ظاهريا، وتستأسد على من سلّموها الأمانة في حقيقة الأمر، أسلحتها أولاد وأكباد وقلوب النساء الذين حلمت أمهاتهم وزوجاتهم وعاشقاتهم وبناتهم بمستقبل يخلو من المظالم التي طالت أجيالا سبقتهم، وتحوّلوا بدورهم إلى سلاح ملغوم يوجهه فريق ضد الآخر. وبديل عن ثائرة.. تحوّلت المرأة إلى أم وأخت وزوجة شهيد.

هوية جديدة تضاف إلى قوائم قهرها المخفي والمعلن، وخسائر جديدة تضمها قوائم الخسائر التي عاشتها الموءودة.

في ليبيا، مع قيام ثورة فبراير (شباط) 2011 استمرت محاولات المرأة الليبية لإثبات وجودها، التي أظهرتها العملية الانتخابية لأول مؤتمر وطني منتخب (7/7/2012)، إلا أن تدنّي إسهامها في العمل الحزبي ظلّ مؤشرا أوّليا على وجود تيارات سياسية مناهضة للمرأة وتطلّعاتها.. من شأنها أن تعيق نجاح المستقبل السياسي للمرأة من ناحية، ولـ«ليبيا المدنية» بشكل أساسي. وهو ما يعني ضرورة استمرار النضال من قبل القوى السياسية والاجتماعية للحد من هيمنة التيارات السياسية المتطرّفة والمناهضة لمشاركة المرأة بشكل خاص، والديمقراطية في عمومها، ولتأكيد المبادئ التي قامت الثورة في ليبيا من أجلها.

ووفقا لمؤشر المشاركة في الانتخابات للمؤتمر الوطني العام يمكن القول إن المشاركة الكبيرة للمرأة الليبية في انتخاب المؤتمر الوطني العام، لعام 2012، تُعدّ مؤشرا إيجابيا يصب في مصلحة المرأة الليبية وليبيا ككل. إذ يتوقع مشاركتها الفعالة وجنيها ثمار هذه المشاركة في الانتخابات المقبلة التي ستنخرط فيها ليبيا بشكل متكرّر على المستوى الوطني والمستويات المحلية. ثم إن مشاركة المرأة الليبية بشكل كبير في العملية الانتخابية يُعدّ صمّام أمان لمنع ليبيا من الانزلاق إلى التطرف السياسي والديني، الذي غالبا ما يستهدف المرأة ووضع العوائق في طريق مشاركتها في البناء والتنمية.

ولكن يجب القول إنه ظهرت مؤشرات تؤثر سلبيا على مشاركة المرأة على الرغم من الجهود التي بذلتها النخبة النسائية التي ترشحها ضمن فئة الفاعلين السياسيين في ليبيا التي نتطلع لها من خلال مساهمتها في الأنشطة التي تقود إلى مراكز صنع القرار، ووصولها فعليا للحصول على نسبة لا يستهان بها في المؤسسة التشريعية (المؤتمر الوطني العام)، ووجود مؤشرات تؤكد فعالية برامج الأنشطة التوعوية التي رافقت النشاط السياسي وخصوصا في المدن الكبيرة خلال الحملات الانتخابية وما قبلها. ومن أبرز المؤشرات السلبية المشار إليها التي قد تعيق مشاركة المرأة في الساحة السياسية الليبية، ما يلي:

- الموقف الذي أبداه رئيس المجلس الانتقالي (مصطفى عبد الجليل) في «خطاب التحرير» الذي ألقاه في بنغازي يوم 23 أغسطس (آب) 2011، وبيّن فيه ضرورة إلغاء القيود على الزواج بأربعة الذي كان معتمدا بقانون في النظام السابق يشترط موافقة الزوجة الأولى، وما أعقبه من إجراءات تمثّلت في صدور قرار المحكمة العليا فعليا بإلغاء هذا القانون من دون إيضاح الملابسات ولا الظروف التي أدت إلى التعجيل بهذا القرار القضائي على الرغم من تعليق قضايا مهمة وملحة على الساحة الليبية لم يفصل فيها القضاء.

- موقف رئيس المجلس الانتقالي، حين أحرج مذيعة حفل انتقال السلطة منه إلى «المؤتمر الوطني»، وأمرها بمغادرة الحفل لمجرّد كونها سافرة. وذلك بناءً على احتجاج أحد أعضاء المؤتمر الوطني المُنتخَبين الذين ما كانوا تسلّموا السلطة بعد في حينه.

- موقف عضو «المؤتمر الوطني» عن مدينة الزاوية وإعلانه رسميا على الفضائيات أن «سبب ضعف أداء المؤتمر الوطني سببه وجود النساء». ومن ثم انتقد سلوكيّاتهن ومظهرهن المتبرّج، من دون لومه من قبل المؤتمر، بل أصدرت الموقّرات عضوات المؤتمر بيانا فيه شبه اعتذار، محتواه لماذا العلانية ولماذا لم يقُم العضو زميلنا بنصيحتنا!! - إلزام وزيرة الصحة بلبس غطاء الرأس قبل دخولها مقر «المؤتمر الوطني» عند استدعائها للمسألة في إحدى الجلسات المنقولة، وهي سيدة سافرة ومثقفة ووطنية ملتزمة وطبيبة تحمل جنسية دولة غربية إلى جانب جنسيتها.

- اختيار هيئة لإعداد قانون انتخابات الهيئة التأسيسية للدستور، وبحسب متابعة اجتماعات «المؤتمر الوطني»، تقرّر وجود امرأة واحدة عن كل منطقة في هذه الهيئة المكونة بحسب الاختيارات الجهَوية (طرابلس وبرقة وفزّان)، وهو قرار غير موفّق وينمّ عن عدم تفهم لأن مثل هذه اللجان الفنية تعتمد على القدرة والخبرة والتخصّص لأنها معنية بجزئية مهمة وهي قانون انتخابات هيئة إعداد الدستور.

هذه المواقف على محدوديتها تشكل موقفا موحّدا قد يتسبّب في عزوف الكثير من الناشطات عن العمل السياسي. وعليه فإن التنبؤ بمستقبل المشاركة السياسية للمرأة الليبية وضعف البيانات الموثقة عن فئة الفاعلات السياسيات، ومدى تأثير مشاركتهن في الحياة العامة، وفي مراكز صنع القرار والكيفية التي تتوزع بها في داخل المجتمع، يتطلب أبحاثا تجريبية معمّقة وشاملة لمختلف الأنشطة التي تقوم المرأة الليبية بها في الحياة السياسية، لكي نستطيع أن نجيب بلا أو نعم حين نحصي حسابات الربح والخسارة لرصد مُنجز المرأة في ثورات «الربيع العربي».

* أستاذة ورئيسة قسم العلوم السياسية في كلية الاقتصاد بجامعة بنغازي – ليبيا