شرق أوكرانيا يتجه لتكرار سيناريو القرم.. وروسيا تطالب بعدم لومها على «مشاكل» البلاد

واشنطن تحذر موسكو من أي عمل علني أو خفي في جارتها الغربية

موالون لروسيا يحملون أعلاما تحمل شعار الاتحاد السوفياتي أمام مبنى حكومي في مدينة خاركيف الأوكرانية أمس (أ.ف.ب)
TT

أعلن أولكسندر تيرتشينوف القائم بأعمال الرئيس الأوكراني أمس أن التحركات الانفصالية في شرق أوكرانيا حيث احتل محتجون موالون لروسيا مباني حكومية تُظهر أن روسيا تعد «مرحلة ثانية» من العمليات الخاصة بهدف تقسيم أوكرانيا. واستولى محتجون موالون لروسيا في شرق البلاد على مبان حكومية في ثلاث مدن هي خاركوف ولوهانسك ودونيتسك الليلة قبل الماضية وطالبوا بإجراء استفتاء في المنطقة على الانضمام لروسيا. وكانت خطوة مماثلة سابقة قد أدت إلى استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم في مارس (آذار) وضمها فيما بعد.

وفي نداء بثه التلفزيون قال تيرتشينوف أمس بأن التحركات شرق أوكرانيا، حيث احتل متظاهرون موالون لروسيا مباني عامة، تظهر أن «مرحلة ثانية» من عمليات روسية خاصة جارية الآن بهدف تقسيم أوكرانيا.

وذكر عبارة «سيناريو القرم» في إشارة إلى سيطرة موالين لروسيا على شبه جزيرة القرم وضم موسكو لها الشهر الماضي.

وقال تيرتشينوف: «بالأمس بدأت الموجة الثانية من العمليات الخاصة لروسيا الاتحادية ضد أوكرانيا. الهدف هو زعزعة استقرار الأوضاع في البلاد والإطاحة بالسلطة الأوكرانية وتعطيل الانتخابات وتمزيق بلادنا... استولت جماعات انفصالية تنسق المخابرات الروسية عملها على مبنى للحكومة الإقليمية في خاركوف ومبان حكومية وأمنية في دونيتسك ومقار أمنية في لوهانسك». وأضاف: «يحدث كل ذلك على خلفية وجود القوات الروسية عند حدودنا. أعداء أوكرانيا ينفذون سيناريو القرم لكننا لن نتركهم يفعلون ذلك. الليلة الماضية تم تجهيز مقر مواجهة الكوارث وعمليات مكافحة الإرهاب ستبدأ ضد من يحملون السلاح».

وقال تيرتشينوف: «أحترم بشدة اختلاف الآراء السياسية بما في ذلك آراء معارضينا لكن الاتجاهات الانفصالية واستخدام السلاح ضد بلادنا وهو ما يهدد بشكل مباشر حياة وأمن مواطنينا ليس -آراء- سياسية. إنها جرائم خطيرة وسنتصرف بشكل ملائم وحاسم ضد المجرمين».

وذكرت الشرطة أنها أخرجت المحتجين من المباني الحكومية في خاركوف لكن في لوهانسك استولى المحتجون على أسلحة.

وفي دونيتسك بلدة الرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش أطلق نحو 120 من النشطاء الموالين لروسيا على أنفسهم اسم «جمهورية دونيتسك الشعبية» واستولوا على المجلس المحلي. وتلا رجل ملتح بيان إعلان دونيتسك دولة مستقلة وسط حشد من المهللين يضم نحو ألف شخص.

وقد تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدفاع «بكل الوسائل» عن السكان الناطقين باللغة الروسية في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق إذا ما وقعت أعمال عنف وحشد حتى 40 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا، مما حمل على التخوف من حصول اجتياح.

وحذر البيت الأبيض أمس الرئيس الروسي من التحرك بشكل «علني أو خفي» في شرق أوكرانيا وقال: إن هناك أدلة قوية على أن محتجين موالين لروسيا في تلك المنطقة يتقاضون أموالا.

وقال الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني للصحافيين: «شاهدنا مجموعات من المحتجين الموالين لروسيا يستولون على مبان حكومية في مدن خاركوف ودونيتسك ولوهانسك... هناك أدلة قوية تشير إلى أن بعض هؤلاء المتظاهرين تقاضوا أموالا ولم يكونوا من السكان المحليين».

وأضاف كارني: «إذا تحركت روسيا داخل شرق أوكرانيا سواء بشكل علني أو خفي فسيكون هذا تصعيدا خطيرا. ندعو الرئيس بوتين وحكومته لوقف كل أشكال زعزعة استقرار أوكرانيا ونحذر من المزيد من التدخل العسكري».

ولكن نفت موسكو تدخلها في أوكرانيا، وعدت أنه ينبغي الكف عن تحمليها مسؤولية كل «مشاكل» أوكرانيا، وذلك بعدما اتهمت الحكومة الأوكرانية موسكو بأنها تخطط لـ«تجزئة» البلاد إثر تصاعد التوتر في الشرق الأوكراني.

وقالت الخارجية الروسية في بيان «كفوا عن توجيه اللوم إلى روسيا عبر اتهامها بكل مشاكل أوكرانيا». وأضافت أن «الشعب الأوكراني يريد ردا واضحا من كييف على أسئلته». وتابعت الخارجية الروسية «من دون إصلاح دستوري فعلي في أوكرانيا، يتم في إطاره ضمان تأمين مصالح كل مناطق البلاد عبر نظام فيدرالي (...) سيكون من الصعوبة الرهان على استقرار بعيد المدى» في أوكرانيا.

وقالت الخارجية أيضا «إذا استمر هذا الموقف غير المسؤول حيال مصير البلاد، حيال مصير الشعب من جانب القوى السياسية التي تعتبر أنها السلطات، فإن أوكرانيا ستواجه بالتأكيد صعوبات وأزمات جديدة».

ومن جهته، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في اتصال هاتفي مع نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير ضرورة إجراء حوار وطني في أوكرانيا. ورأى لافروف ضرورة الإسراع في بدء هذه المحادثات بمساعدة دولية حسبما أفادت الخارجية الروسية أمس. وقال لافروف إن هدف هذه المباحثات يجب أن يكون تعديل دستور أوكرانيا التي كانت إحدى دول الاتحاد السوفياتي سابقا، مشيرا إلى ضرورة إشراك جميع القوى السياسية في هذا التعديل وكذلك إشراك ممثلي جميع الأقاليم الأوكرانية.

وهناك مخاوف من التصعيد العسكري في شرق أوروبا بعد التطورات الأخيرة في أوكرانيا. وأفادت مصادر متطابقة أمس أن مدمرة أميركية مجهزة بقاذفات صواريخ تتجه إلى البحر الأسود على أن تصل إليه «خلال أسبوع» لطمأنة الحلفاء في شرق أوروبا القلقين من التدخل الروسي في شبه جزيرة القرم. وقال الكولونيل ستيفن وارن متحدثا باسم البنتاغون للصحافيين «قررنا إرسال سفينة إلى البحر الأسود. ستصل إلى هناك خلال أسبوع». لكنه لم يوضح طراز السفينة المذكورة لدواع تتصل بـ«الأمن العملاني».

ولكن مسؤولا في وزارة الدفاع الأميركية أوضح لوكالة الصحافة الفرنسية أن السفينة هي المدمرة «يو إس إس دونالد كوك» القاذفة للصواريخ. والمدمرة مزودة بنظام «ايجيس» المضاد للصواريخ الباليستية وبعشرات من الصواريخ المضادة للصواريخ من طراز «إس إم 3»، وقد تم نشرها في شكل دائم قبل شهرين في قاعدة روتا الإسبانية في إطار مشروع الدرع المضادة للصواريخ للحلف الأطلسي. وأعلن الحلف الأطلسي أن هذا المشروع «هو دفاعي بحت» للرد على «تهديدات» محتملة «من الخارج» مثل دول على غرار إيران. لكن مشروع الدروع المضادة للصواريخ هو منذ أعوام عدة موضع خلاف بين الحلف وروسيا التي تعده خطرا على أمنها. وأضاف الكولونيل وران أن «سبب (هذا الانتشار) هو قبل كل شيء طمأنة حلفائنا وشركائنا في المنطقة». وبعد أن تصل إلى البحر الأسود، ستجري المدمرة مناورات بحرية وستتوقف مرارا في موانئ دول حليفة. لكن وارن أوضح أن برنامجها لا يشمل التوقف في أي ميناء أوكراني. وسبق أن انتشرت مدمرة أميركية أخرى هي «يو إس إس تراكستون» في البحر الأسود منذ بدء الأزمة بين أوكرانيا وروسيا، لكنها غادرته في 21 مارس الماضي.

ومن جهة أخرى، أعلن حلف شمال الأطلسي «الناتو» أمس أن سيحد من وصول الدبلوماسيين الروس إلى مقره في بروكسل نتيجة لقراره تعليق التعاون مع موسكو بسبب ضم روسيا لمنطقة القرم الأوكرانية. وأضاف الحلف في بيان: «سيمنع جميع ممثلي البعثة الروسية (لدى حلف الأطلسي) من الوصول الذي كان واسع النطاق إلى مقر حلف شمال الأطلسي باستثناء السفير الروسي ونائب رئيس البعثة واثنين من موظفي الدعم»، مضيفا: «وإذا تطلب دخول أي موظف آخر من البعثة الروسية لعمل رسمي فستطبق القواعد الموحدة للزيارة. وهذا يعني أن الموظف سيتعين الإعلان عنه وتسجيله ومرافقته خلال زياراته».

وقال الحلف بأن القواعد الجديدة التي تدخل حيز التنفيذ اعتبارا من اليوم (أمس) ستعطي الدبلوماسيين الروس مع ذلك قدرة على الوصول إلى مقر الحلف لم تمنحه من قبل أي وزارة أو مؤسسة روسية لموظف تابع للحلف يعمل في موسكو.

وتقع البعثة الروسية لدى حلف الأطلسي والتي يرأسها السفير ألكسندر جروشكو في نفس المجمع الذي يوجد به مقر الحلف في بروكسل وهي واحدة من أكبر البعثات لدى الحلف. وكان وزراء خارجية حلف الأطلسي قرروا الثلاثاء الماضي تعليق جميع أوجه التعاون العسكري والمدني مع روسيا غير أنهم قالوا: إن الحوار السياسي قد يستمر على مستوى السفراء أو أعلى لمناقشة الأزمة في أوكرانيا بشكل أساسي. وردت روسيا باتهام الحلف بالعودة إلى «المبارزة الشفهية» للحرب الباردة وباستدعاء أكبر ممثليها العسكريين لدى الحلف للتشاور.