رحيل ميكي روني النجم الذي أمضى حياته أمام الكاميرا

واصل التمثيل حتى الثالثة والتسعين

ميكي رونيجودي غارلاند مع جودي غارلاند
TT

«ولدت فوق طاولة على يدي طبيب صيني. لم تكن عائلتي لديها أكثر من دولارين». هذا ما قاله ميكي روني، الذي رحل أول من أمس، الأحد، عن 93 سنة، في إحدى المقابلات التي أجريت معه قبل سنوات قليلة. فيها تذكّر أيام حياته الأولى وكيف انتقل، عبر كثير من العزم والخطوات الحثيثة، من مجرد رقم في الإحصاءات المدنية، إلى حالم، إلى ممثل كوميدي على المسرح لفترة قصيرة، ثم في السينما منذ عام 1926، ليصبح في منتصف الثلاثينات أحد نجوم التمثيل والرقص الاستعراضي. ميكي روني لم يكن طويل القامة أو وسيم الهيئة أو ذا حضور لا يقاوم، لكنه تمتع بتلك المسحة من الظرف والطيبة وبالقدر الكافي من الموهبة، مما جعله أقرب مما كان يعتقد هو نفسه من الجمهور السائد.

روني ولد ابنا لممثل «فودفيل» غير معروف، وأم تشتغل عاملة هاتف. كثيرا ما خلا منزلهم الصغير في بروكلين من الطعام: «أتذكر أنني كنت استلقي لكي أنام وأسمع صوت القطار البعيد فأسأل أمي كل ليلة: إلى أين يمضي هذا القطار؟»، قال في تلك المقابلة. في ذلك السن المبكر لم يكن ليدرك أن القطار سيتوقف قريبا عنده وسوف ينتقل به من نيويورك، حيث وقف على المسرح لأول مرة وهو في الخامسة من العمر، إلى هوليوود، حيث تراءى له حلم أن يصبح ممثلا مشهورا. حط روني في هوليوود سنة 1927، وهو العام ذاته الذي ظهر فيه على الشاشة لأول مرة وهو لا يزال في السابعة. بعد سنوات قليلة غير اسمه من ذاك الذي ولد به (جو يول) إلى ميكي روني.

ذلك الظهور الأول كان في سلسلة من الأفلام سميت بسلسلة «ميكي ماغواير» وروني كان بطل حلقاتها جميعا التي بلغت 62 فيلما قصيرا وامتدت من 1926 إلى 1936 وحققت لروني، منذ مطلعها، النجاح الكبير الذي كان تمهيدا للمرحلة التالية، تلك التي عمد خلالها إلى الظهور في أفلام راقصة وكوميدية طويلة. هذا لا يعني أنه لم يمثل في أفلام روائية طويلة حتى عندما كان لا يزال مشغولا بالظهور في حلقات «ميكي ماغواير»، لكن من يتابع أعماله في تلك الآونة يلحظ أن روني بينما كان نجم تلك الأفلام القصيرة، كان لا يزال ممثل الأدوار الثانوية الشاحبة في الأفلام الأخرى، هذا إلى أن تغير الوضع في عام 1938 عندما ظهر بطل فيلم كوميدي طويل جمعه وبضع حسناوات من تلك الحقبة بينهن لانا تيرنر وسيسيليا باركر وفاي هولدن. الفيلم كان «الحب يجد آندي هاردي» وحققه جورج سايتز، أحد سينمائيي الفترة الصامتة الذي استمر في العمل حتى منتصف الأربعينات.

من بين كل الممثلات اللاتي شاركن روني في ذلك الفيلم وجدنا جودي غارلاند الممثلة التي استطاعت الإيحاء بأنها الأنسب لأفلام ثنائية البطولة بينها وبين ميكي روني إذا ما فكرت هوليوود في توظيف نجاحهما في ذلك الفيلم في أعمال أخرى. فيلم «الحب يجد آندي هاردي» تحول بدوره إلى سلسلة ناجحة، لكن هذه المرّة - وغالبا بسبب نجاح الفيلم - استطاع روني التسلل إلى بطولات أخرى من بينها «مغامرات هاكلبيري فن» النسخة ذات القيمة الفنية المتوسطة التي حققها سنة 1939 ريتشارد ثورب.

في العام نفسه، التقى مجددا مع جودي غارلاند في فيلم موسيقي/ غنائي/ راقص بعنوان «المعشوقات في الأحضان» Babes in Arms الذي حققه واحد من خبراء الفيلم الاستعراضي الأول في هوليوود؛ بسبي بيركلي. تبعا لنجاحه، دلف روني وغارلاند إلى بطولة فيلم آخر من النوع ذاته هو: «أعزف مع الفرقة» من إخراج بيركلي أيضا.

معا أيضا لعبا بطولة «الفتيات فوق برودواي» (1941)، و«فتاة مجنونة» (1943) من بين أخرى في عام 1944، وظهر مع إليزابيث تايلور في «النسيج الوطني»National Velvet. بعد ذلك أخذ يتوسع في اختصاصاته، فإلى جانب الكوميديا، شق طريقه إلى الدراما في النصف الثاني من الأربعينات، فظهر في فيلم السباق «العجلة الكبيرة» و«رمال متحركة» و«كرة النار». ولعب بطولة فيلم جنائي بعنوان «القاتل ماكوي».

في عام 1951 أخرج عمله الأول (من ثلاثة) وعنوانه «قصتي الحقيقية» ليعود بعد عامين إلى ناصية الفيلم الموسيقي في «الجميع إلى الساحل» هذه المرة مع ممثلة أخرى لم تلق نجاحا اسمها باربرا بايتس. فيلمه الثاني مخرجا حدث سنة 1956 بعنوان «الجريء والشجاع»، والثالث سنة 1960 بعنوان «الحياة الخاصة لآدام وحواء». هذه الأفلام لم تمنحه إضافة محسوبة، وسرعان ما التزم بعد ذلك بالتمثيل وحده ممتزجا، سبع مرات، بالإنتاج. لكن عدد أفلام روني يبلغ رقما مذهلا. هذا الرجل الذي كان أقصر قامة من كل الممثلين الآخرين، والذي انطلق من حياة الشقاء إلى حياة الرغد سريعا، وكوّن اسما بارزا بين أترابه، ظهر في 340 دورا سينمائيا وتلفزيونيا، وواصل العمل بلا كلل منذ سنته الأولى ممثلا ومن دون توقف يذكر.

قبل عامين شوهد ثلاث مرات متوالية: «تقودني للجنون» و«الأصوات من الماوراء» و«الغابات». في العام الحالي سنراه مرتسما في نسخة جديدة من حكاية «دكتور جكيل ومستر هايد». صحيح أنه لم يعد يظهر في البطولة منذ سنوات عديدة، لكنه بقي الوجه الذي اعتاد عليه جيل وراء جيل حتى اليوم.