البرلمان الليبي يكلف الثني بتشكيل حكومة جديدة وسط جدل قانوني

مصرع قيادي متطرف في درنة وعودة الهدوء إلى طرابلس

TT

حسم أمس أعضاء المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا، مصير رئيس الحكومة المؤقت عبد الله الثني، وصوت 47 من أصل 71 عضوا فقط حضروا جلسة عقدوها بالعاصمة الليبية طرابلس، على تكليفه رسميا بتشكيل حكومة جديدة خلال أسبوع.

وقال عمر حميدان الناطق الرسمي باسم المؤتمر الوطني لـ«الشرق الأوسط» إن الجلسة شهدت انقساما واضحا حول مصير الثني، وجرى حسمه بالتصويت بأغلبية ضئيلة لصالح استمراره رئيسا للحكومة، مشيرا إلى أن المؤتمر ينتظر قائمة وزراء الحكومة الجديدة في أقرب وقت ممكن.

وبين أن الثني اعتبارا من أمس بات مكلفا بتشكيل الحكومة التي يراها، على أن يقدمها للمؤتمر لاحقا تمهيدا لاعتمادها ومنحها الصلاحيات الكاملة.

وكان الثني، وزير الدفاع في حكومة رئيس الوزراء المقال علي زيدان، جرى تعيينه رئيسا مؤقتا للحكومة الشهر الماضي، إلى حين اختيار بديل لزيدان، لكن أعضاء المؤتمر فشلوا، على ما يبدو، في الاتفاق على مرشح محدد من بين نحو عشرين مرشحا تقدموا لشغل المنصب.

ورغم أن المؤتمر الوطني قرر في السابق ضرورة حصول الرئيس الجديد للحكومة على 120 صوتا من أصل 200 هم إجمالي أعضاء المؤتمر الموزعين ما بين مختلف الكتل والأحزاب لسياسية والمستقلين، فإن تعيين الثني بأغلبية ضعيفة ومن دون توافق وطني قد يعني المزيد من المشكلات أو العلاقات الفاترة بين الحكومة والمؤتمر الوطني في المستقبل، وفقا لما أكده أعضاء في البرلمان الليبي لـ«الشرق الأوسط».

وقال حميدان إن «ثمة وجهة نظر قانونية ترى أن الثني ليس بحاجة إلى النصاب القانوني المعتاد وهو 120 صوتا، على أساس أنه معين بالفعل رئيسا مؤقتا للحكومة». وأوضح أنه بعد تشكيل الحكومة سيقرر المؤتمر ما إذا كان الثني ووزراؤه سيظلون في الحكومة إلى حين إجراء انتخابات عامة مقررة بحلول نهاية العام الحالي.

وقالت مصادر ليبية مطلعة إن الثني، المتململ من وضعه رئيسا مؤقتا للحكومة من دون صلاحيات تنفيذية ورسمية، قرر الضغط على المؤتمر الوطني واستغلال حالة الانقسام بين أعضائه وتقدم باستقالة مشروطة يطالب فيها بتوسيع صلاحياته، ويعلن رفضه الاستمرار بصفته رئيس حكومة تسيير أعمال مقيدة الصلاحيات. وقال متحدث باسم الثني إنه أرسل خطابا رسميا للبرلمان يطلب فيه بشكل واضح الحصول على مزيد من الصلاحيات وفترة ولاية أطول، مبينا أن الحكومة تحتاج إلى مزيد من السلطة كي يتسنى لها العمل.

من جهة أخرى، أعلنت مصادر في مدينة درنة التي تعد معقل الجماعات الإسلامية المتطرفة (شرق ليبيا)، عن اغتيال علي عبد الله بن طاهر الملقب بـ«الفار»، أحد القيادات الإسلامية المتشددة، من قبل مسلحين مجهولين داخل مزرعة يملكها بالقرب من المدينة.

وطبقا لمصادر أمنية فإن الفار متهم بالتورط بأنه وراء سلسلة الاغتيالات التي طالت الكثير من رجال الأمن والقضاء في درنة أخيرا، كما قاد تعطيل الاقتراع في انتخابات لجنة الستين بالمدينة خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، حيث أغلق برفقة مسلحين أبواب مراكز الاقتراع تحت تهديد السلاح ووصف الانتخابات بأنها «كفر».

كما ينسب إلى مجموعة بن طاهر المتشددة، التي تحمل اسم «مجلس شورى شباب الإسلام»، إصدار بيان قبل أيام يعادي «من عادى الله ورسوله من اليهود والنصارى ومن والاهم». وكان الفار معتقلا بتهمة الانضمام لتنظيمات سرية إسلامية متشددة قبل أن يخرج من سجون نظام القذافي عام 2011.

من جهة أخرى، طالبت الكتائب العسكرية، وكتائب الثوار الواقعة في منطقة الهلال النفطي، بألا تجري إقالة العميد إدريس بوخمادة من منصبه في رئاسة جهاز حرس المنشآت النفطية، ورأت أن تنحيته تعد نكرانا للجميل لما قدمه من عمل تجاه وطنه في منطقة البريقة. وقالت الكتائب في بيان لها إن أي حل مع ما يسمى بالمكتب السياسي لإقليم برقة تجري تسويته خارج النطاق القانوني للدولة ودون الرجوع إليها، فإنه لا يعتد به، لأن هذا المكتب لا يملك الحقول، وإنما الموانئ فقط. وشددت على أن المكتب السياسي لإقليم برقة «لا يمثل إلا نفسه ومن شاركوه في تلك الجريمة»، كما طالبت الكتائب بضرورة دفع جميع المستحقات من مديونيات لحقت بهم جراء إغلاق الموانئ النفطية؛ من مرتبات لعناصرها البالغ عددهم أكثر 5500 ثائر، وكذلك الإعاشة والتموين وثمن آليات جرى شراؤها ولم تدفع الحكومة قيمتها حتى الآن.

في المقابل، أعلن مسؤول ليبي أن المؤسسة الوطنية للنفط لم ترفع بعد حالة القوة القاهرة في ميناءي الزويتية والحريقة بشرق البلاد بعد الاتفاق مع محتجين على إعادة فتحهما عقب حصار دام تسعة أشهر. وقال إبراهيم العوامي إن «حالة القوة القاهرة ما زالت سارية ولم ترفع. والمؤسسة لم تصدر تعليماتها بعد للمرفأين بتصدير النفط»، مضيفا أن العاملين في شركة الخليج العربي للنفط (أجوكو) التي تدير مرسى الحريقة انضموا للإضراب العام في بنغازي الذي بدأ يوم الأحد الماضي. ولم يتضح ما إذا كان هذا سيؤثر على قدرة المرفأ على استئناف التصدير.

في غضون ذلك، أعلنت حكومة الثني دعمها للحراك السلمي للتعبير عن الرأي، لكنها أكدت في المقابل رفضها القاطع لتقييد حرية المواطنين في التنقل وإغلاق المنشآت الحيوية في الدولة. وأوضحت الحكومة في بيان لها أن الحراك لا يعني استغلال ذلك في الاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم، مشيرة إلى أن الحراك لا يعني إغلاق الطرق الرئيسة والشوارع، وإعاقة حركة المرور، وإجبار أصحاب المحلات على إقفال محلاتهم، وإرباك حركة المواطنين وتنقلاتهم لقضاء مصالحهم، خاصة المرضى، وكبار السن، والطلبة، وأصحـاب الاحتياجات الخاصة.

ورصدت وكالة الأنباء المحلية أمس عودة ما وصفته بمظاهر الحياة، إلى طبيعتها في عدد من المدارس التعليمية والمستشفيات والمؤسسات العامة والمصارف والمحلات التجارية بالمدينة التي شهدت بعض مناطقها أول من أمس حالة من الازدحام المروري والارتباك بعد إغلاق عشرات الشباب المؤيدين لدعوة العصيان المدني بالقوة لبعض الطرق الرئيسة والفرعية. ولفتت إلى أن مواطنين ساهموا في تسيير حركة السيارات أمس بشكل اعتيادي من دون أي عراقيل، خلافا لما أعلنته مديرية أمن طرابلس من أن رجال الشرطة سينتشرون في طرقات المدينة وشوارعها بهدف تنظيم حركة السير.

وأغلق شبان طريق المطار من وسط طرابلس لساعات وأشعلوا النيران في إطارات السيارات، كما رفعوا رايات تندد بالمؤتمر الوطني الذي يحمله الكثير من الليبيين المسؤولية عن تعثر انتقال بلادهم إلى الديمقراطية منذ انتفاضة 2011. ويطالب المحتجون باستقالة نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الذي يتعرض لضغوط من مجموعة من أعضاء البرلمان الذين يتهمونه بالكذب فيما يتعلق بزيارة قامت بها امرأتان في وقت متأخر من الليل لمنزله قبل نحو شهرين.

وكان مجلس طرابلس المحلي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، أعلن أن الدعوات للعصيان المدني لا تمثل حراكا شعبيا بقدر ما هي دعوات مشبوهة تدعمها جهات لها أهداف سياسية لإسقاط المؤتمر الوطني، وإدخال البلاد في فوضى للهيمنة على المشهد الليبي. وقال السادات البدري رئيس المجلس، في بيان تلاه مساء أول من أمس، إن من يعمل على تأجيج هذه الدعوات قنوات تدعي أنها إعلامية ولكنها فقدت حتى أبسط معايير الخطاب المهني، موضحا أن ضعف استجابة سكان طرابلس لمطلب العصيان المدني أغاظ الكثير من أصحاب المصالح المشبوهة، فحاولوا الزج بالعاصمة في فوضى وتعطيل مصالح البلاد والعباد.

وطالب الثوار في كل مناطق طرابلس بأن يتحملوا مسؤولياتهم ويحافظوا على مناطقهم من عبث العابثين، مبينا أن محاولة تأليب الشارع واستغلال الشباب المتحمس للتغيير لن تكون في مصلحة الوطن. ومع ذلك فقد نظم أمس عدد من أهالي طرابلس وطلبة الجامعات وخريجيها وقفة احتجاجية أمام مقر المؤتمر الوطني، للمطالبة بإنهاء مهامه، حيث رفعوا شعارات من بينها: «الشعب هو الشرعية»، و«المؤتمر الوطني ساقط الشرعية»، و«نعم للشرطة والجيش».