كييف تصف الموالين لروسيا في شرق البلاد بـ«الإرهابيين»

تشاجر بالأيدي في البرلمان الأوكراني.. وواشنطن تراجع وجودها العسكري في أوروبا وتتهم موسكو بـ«إثارة الفوضى»

TT

تواصل التصعيد السياسي في أوكرانيا أمس، مع إعلان السلطات الموالية لأوروبا في كييف أمس أن المتظاهرين الذي يعتدون على المباني العامة سيعاملون كـ«إرهابيين ومجرمين»، بينما عمل هؤلاء على تعزيز المتاريس حول مقر الإدارة المحلية. ورد الموالون لروسيا بالتأكيد على مطلبهم بالانفصال.

وصرح الرئيس الأوكراني الانتقالي أولكسندر تورتشينوف أن «الانفصاليين» الذين «يرفعون الأسلحة ويجتاحون المباني» ستتم معاملتهم «بموجب القانون والدستور كإرهابيين ومجرمين». وقال تورتشينوف إن «قوات الأمن لن ترفع أبدا السلاح على متظاهرين سلميين»، وذلك ردا على تحذيرات موسكو من خطر حرب أهلية.

وقال جهاز أمن الدولة الأوكراني أمس إن انفصاليين موالين لموسكو زرعوا متفجرات في مبنى سيطروا عليه في مدينة لوهانسك بشرق البلاد ويحتجزون نحو 60 شخصا تحت تهديد السلاح. واحتل انفصاليون موالون لموسكو مقر الجهاز مساء الأحد الماضي ضمن سلسلة هجمات في شرق البلاد. وأوضح الجهاز في بيان: «تأكدت مجموعة مكافحة الإرهاب التابعة لجهاز أمن الدولة.. من أن المجرمين زرعوا ألغاما بالمبنى.. ويحتجزون نحو 60 شخصا تحت تهديد السلاح والمتفجرات».

وقال فاديم تشيرنياكوف، أحد قياديي الانفصاليين الموالين لروسيا في دونيتسك في شرق أوكرانيا، أمس تشكيل «حكومة مؤقتة لجمهورية دونباس». وقال تشيرنياكوف: «شكلنا حكومة مؤقتة في دونيتسك» عاصمة منطقة دونباس، مشيرا إلى ما أعلنه الناشطون الموالون لروسيا بعد احتلالهم مبنى الإدارة المحلية في دونيتسك الأحد لجهة أولوية الدعوة لإجراء استفتاء قبل 11 مايو (أيار) المقبل حول ضم المنطقة إلى روسيا.

وأوضح تشيرنياكوف في حديث إلى وكالة الصحافة الفرنسية أن موعد الاستفتاء والأسئلة التي سيتضمنها سيجري تحديدها بالتنسيق مع مجموعات أخرى موالية لروسيا في المنطقة، في خاركيف ولوغانسك تحديدا. وأكد القيادي أن مجموعات الدفاع الذاتي الموالية لروسيا ستسيطر على الطرق في المنطقة وعلى المطار ومحطات القطار «من أجل ضمان النظام». ولكن أفادت تقارير إعلامية أن الموالين لروسيا لا يسيطرون سوى على مبنى الإدارة العامة المحلية في دونيتسك.

وقدم تشيرنياكوف، وعمره 33 عاما، نفسه على أنه مسؤول سابق في مجموعات الدفاع الذاتي الموالية لروسيا في دونيتسك. ويطالب الناشطون الموالون لروسيا بتنظيم استفتاء حول تحويل أوكرانيا إلى «فيدرالية» أو ضمها إلى روسيا المجاورة مما يثير مخاوف من تكرار سيناريو «القرم» شبه الجزيرة الأوكرانية على البحر الأسود التي انضمت إلى روسيا في مارس (آذار) الماضي بعد استفتاء لم تعترف به كييف أو الغرب.

وفي كييف تشاجر نواب في البرلمان الأوكراني أمس بعد أن اتهم زعيم شيوعي القوميين بخدمة مصالح روسيا من خلال تبني أساليب متطرفة في بداية الأزمة الأوكرانية. واعترض نائبان من حزب سفودوبا القومي اليميني المتطرف على اتهامات الشيوعي بيترو سيمونينكو وأمسكوا بتلابيبه أثناء حديثه من فوق المنصة. وتجمع أنصار حزبه للدفاع عنه ونشبت مشاجرة مع نواب من أحزاب أخرى وتبادلوا اللكمات.

وأثار سيمونينكو غضب القوميين لدى قوله - في إشارة إلى المحتجين المؤيدين لروسيا الذين سيطروا على مبان في شرق أوكرانيا - إن القوميين أعطوا سابقة في وقت سابق من العام الجاري باستيلائهم على مبان عامة في احتجاج على حكم الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش.

وقال إن جماعات مسلحة تهاجم الآن الناس الذين يريدون الدفاع عن حقوقهم بوسائل سلمية.

وقال قبل أن يجره أنصار حزب سفودوبا من فوق المنصة: «أنتم تفعلون اليوم كل شيء لتخويف الناس. تعتقلون الناس وتبدأون في قتال الناس المختلفين معكم في الرأي».

وأيد الشيوعيون يانوكوفيتش وحزب الأقاليم الذي كان يتزعمه طوال الثلاثة أشهر التي سبقت هروبه إلى خارج البلاد في 21 فبراير (شباط) الماضي بعد أن قتل أكثر من 100 شخص برصاص قناصة الشرطة في كييف.

وحشدت روسيا التي تعهد رئيسها فلاديمير بوتين بحماية الناطقين بالروسية في دول الاتحاد السوفياتي سابقا «بأي ثمن» أربعين ألف عسكري على الحدود الأوكرانية مما أثار مخاوف من حصول غزو. ودعت موسكو أمس السلطات الأوكرانية إلى وقف كل استعدادات للتدخل في المناطق الموالية لروسيا بشرق البلاد، محذرة من خطر «حرب أهلية».

واتهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس روسيا بإرسال «عملاء وعناصر استفزازية» إلى شرق أوكرانيا «لإثارة الفوضى». وقال كيري أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي: «كل ما شهدناه في الساعات الـ48 الماضية من جانب عناصر استفزازية وعملاء روس يعملون في شرق أوكرانيا، يدلنا على أنهم أرسلوا إلى هناك وهم مصممون على إثارة الفوضى». وندد «بمحاولة غير قانونية وغير مشروعة من جانب روسيا لزعزعة استقرار دولة تحظى بسيادة وأن تتسبب عبر ذلك بأزمة بالقوة».

وأضاف وزير الخارجية الأميركي: «يجب ألا ينخدع أحد، بما قد يكون ذريعة مفروضة لتدخل عسكري كما شهدنا ما حصل في القرم».

وكرر أن الولايات المتحدة وحلفاءها «يفضلون وقف تصعيد (التوتر) وحلا دبلوماسيا مع موسكو لكنهم لن يترددوا في اللجوء إلى أدوات القرن الحادي والعشرين لكي تتحمل روسيا مسؤولية أفعالها التي تعود إلى القرن التاسع عشر»، في إشارة إلى العقوبات الأميركية ضد موسكو والتهديدات بفرض عقوبات جديدة.

وحث مرة جديدة روسيا على «وقف ضغوطها وعدوانها على أوكرانيا».

ومن جانبه، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الولايات المتحدة بأنها تنسب للآخرين ما «اعتادت» هي القيام به وذلك بعد أن اتهمت واشنطن موسكو بتحريك الاحتجاجات الموالية لروسيا في جنوب شرقي أوكرانيا. وقال لافروف في مؤتمر صحافي إن «شركاءنا الأميركيين يحاولون تحليل الموقف بأن يأخذوا على الآخرين ما اعتادوا هم القيام به».

وعلى الرغم من التراشق الكلامي أمس، قال كيري إنه اتفق على لقاء جديد مع نظيره الروسي الأسبوع المقبل في أوروبا في محاولة لحل الأزمة في أوكرانيا. وكانت الخارجية الأميركية تحدثت أول من أمس عن لقاء رباعي يعقد «بحلول عشرة أيام» بين واشنطن وموسكو وكييف والاتحاد الأوروبي. وكان لافروف قد بحث مع كاثرين أشتون مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أمس الجهود الدولية المحتملة لإيجاد حل لأزمة أوكرانيا.

وأعلن مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية أمس أن التحركات العسكرية لروسيا في القرم يمكن أن تؤدي إلى إعادة نظر في الوجود العسكري الأميركي في أوروبا الذي واصل تراجعه منذ انتهاء الحرب الباردة. وقال ديريك شوليه المكلف شؤون الأمن الدولي في البنتاغون إن «التحركات (الروسية) في أوروبا وأوراسيا يمكن أن تدفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر بانتشارها العسكري واحتياجاتها في مجال الانتشار المستقبلي والتدريبات والتمارين في المنطقة». وأوضح أمام نواب لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب أن واشنطن «لا تسعى إلى المواجهة» مع موسكو.

وينتشر حاليا نحو 67 ألف عسكري أميركي في القارة الأوروبية وخصوصا في ألمانيا (40 ألف رجل) وإيطاليا (11 ألفا) وبريطانيا (9500). وكان عددهم 285 ألفا في نهاية 1991 حين انهار الاتحاد السوفياتي. وفي معرض حديثه عن «التدخل العسكري غير المشروع لروسيا في أوكرانيا» اعتبر شوليه أن هذا التحرك «يغير الخارطة الأمنية في أوروبا» ويتسبب بزعزعة استقرار على حدود حلف شمال الأطلسي.

ولطمأنة دول أوروبا الشرقية الأعضاء في حلف الأطلسي، نشرت واشنطن ست مقاتلات من نوع «إف - 15» كتعزيزات في دول البلطيق و12 «إف - 16» وثلاث طائرات نقل في بولندا. كما ستصل المدمرة قاذفة الصواريخ «يو إس إس دونالد كوك» إلى البحر الأسود في الأيام المقبلة.

وحذر من أن أي تدخل روسي في شرق أوكرانيا «سيشكل بوضوح تصعيدا خطيرا جدا للأزمة».

من جهته، حذر الأمين العام للحلف الأطلسي أنديرس فوغ راسموسن موسكو أمس من «اللجوء إلى ورقة التصعيد»، معتبرا مرة أخرى أن تدخلا روسيا يمكن أن يشكل «خطأ تاريخيا».