المرشح الرئاسي الأفغاني عبد الله لـ(«الشرق الأوسط»): عودة الأمن وسيادة القانون تتصدران أولوياتي

زعيم المعارضة الأفغانية قال إنه لن يدخل في تحالفات مع منافسيه قبل جولة الإعادة

عبد الله عبد الله ويظهر اصبعه باللون الأزرق دلالة على التصويت («الشرق الأوسط»)
TT

في وسط العاصمة الأفغانية كابل، يعج مقر الحملة الانتخابية للدكتور عبد الله عبد الله، مرشح الانتخابات الرئاسية زعيم المعارضة الأفغانية، وزير الخارجية السابق، بالنشاط مع بدء عملية فرز الأصوات في الولايات الأفغانية والعاصمة كابل.

يقطن عبد الله في فيلا فخمة بحي كارتييه بروان، محاطة بأسوار خرسانية عالية بوسط كابل، وفي مدخل الفيلا والشارع المؤدي إليها إجراءات أمنية غير مسبوقة وحراس أشداء من عرق الطاجيك في كل مكان. وقد توجهت «الشرق الأوسط» لمقابلته عقب رسالة نصية أرسلت على جوال عبد الله الخاص فرد بعد دقيقتين، وطلب الاتصال على هاتف مستشاره الإعلامي أحمد فرهاد لتحديد موعد، إذ كان حينها في وادي بانشير.

وعلى المدخل كان مولانا فريد في انتظار «الشرق الأوسط»، وهو حاصل على شهادة عليا في الشريعة من جامعة كابل، يتحدث العربية بطلاقة وتربطه علاقات جيدة بإسلاميين في لندن منذ فترة سنوات الجهاد ضد الروس، وهو أحد مديري حملة عبد الله الانتخابية. وقد سافر فريد معه إلى أغلب الولايات الأفغانية بحثا عن الحشد والتأييد في قوافل بالسيارات وبالطائرات إلى هراة وقندهار.

والدكتور عبد الله، وزير الخارجية السابق في حكومة الرئيس حميد كرزاي، طبيب عيون، دائما مفعم بالأمل في نهضة أفغانستان وإرساء دعائم الأمن والاستقرار في بلاده، وهو يشرف على مؤسسة مسعود الخيرية، التي تحمل اسم القائد الراحل أحمد شاه مسعود زعيم التحالف الشمالي الراحل الذي اغتاله تنظيم القاعدة قبل يومين من هجمات سبتمبر (أيلول) عام 2001 في الولايات المتحدة، ومثله الأعلى في سنوات الجهاد ضد الروس. وقد تبنى عبد الله زعيم الائتلاف الوطني المعارض دعوة تعليم الشعب الأفغاني؛ حيث تبلغ نسبة المتعلمين 32 في المائة فقط (15 في المائة بالنسبة للمرأة)، وهو دائم الحديث عن الأمن والأمان الذي يفتقده الأفغان، وقال لـ«الشرق الأوسط» «نريد أن ننقذ بلدنا من المخاطر والمهالك بالعمل مع الجميع من أجل إيجاد حلول للمشكلات المتراكمة منذ سنوات. لقد عانينا من الحروب لمدة 30 عاما، ونريد أن نبني دولة إسلامية عصرية جديدة تقوم على العدالة والمساواة بين جميع الناس. نريد أن نرسخ الأمن في نفوس الأفغان، ولا ينقصنا سوى الإحساس بالأمن والأمان».

وقد وصفه حياة خان، وهو سائق التاكسي الذي أقلني إلى منزل عبد الله في التاسعة والنصف مساء ليلة أول من أمس، وهو من بلدة بانشير، بأنه «أفضل المجاهدين». واتصلت على مستشار د.عبد الله الإعلامي أحمد فرهاد ليصف لنا الطريق في ظلام كابل الدامس. قال السائق ضاحكا وبإنجليزية مكسورة: «أنت ذاهب معي إلى منزل زعيمنا ورئيسنا إن شاء الله». ولم يتركني رجال عبد الله عند منتصف الليل إلا بعد أن أمنوا سيارة حراسة خاصة «لاندروفر» ضد الرصاص لتوصيلي إلى الفندق.

وفي حين أن والد عبد الله من البشتون من قندهار، فإن عبد الله في كثير من الأحيان يرتبط بإقليم بانشير بسبب علاقته الوثيقة مع مجاهدي بانشير والقائد الراحل أحمد شاه مسعود، الذي ساعد في هزيمة السوفيات. ويُعد مسعود حجر الزاوية في حملة انتخابات عبد الله. ففي شوارع كابل تجد ظلال صورته على العديد من الملصقات الانتخابية لعبد الله، وقد زار عبد الله قبر مسعود على تل بانشير قبل البدء في المسيرات الانتخابية. وفي غرفة المكتب صورة بعرض الحائط لمسعود. وعندما طلبت من المرشح الرئاسي أن أتصور معه طلب مني أن تكون الصورة في خلفيتها الراحل مسعود. وشابت الحملات الانتخابية أعمال عنف، حيث تعهدت طالبان بعرقلة الانتخابات. وفقد عبد الله بالفعل ثمانية مؤيدين ومتطوعين على الأقل في الهجمات، لكنه قال إن ذلك لم يثبط همته. وقال عبد الله: «دعونا نأمل ألا يكون انعدام الأمن قضية. الناس يتحدون الوضع الأمني. ولم يمنع ذلك الناس من المشاركة».

ودخلنا إلى مسكن زعيم المعارضة الأفغاني الذي ربما يصبح رئيسا للجمهورية في غضون أسابيع، من دون تفتيش ملابسنا أو كاميرا التصوير، وهي باتت عادة ضرورية عند الدخول إلى بوابة أي مسؤول أفغاني صغر أو كبر. ووصل عبد الله مباشرة إلى غرفة مكتبه، وبابتسامة رقيقة قال: «أهلا بـ(الشرق الأوسط) للمرة الثانية في منزلنا. ويبدو قدومكم إن شاء الله خيرا علينا». كان مرتاحا للغاية ومنشرحا، ويحيي معاونيه وضيوفه بتلقائية. وفي غرفة مكتب الرئيس المقبل المحتمل لأفغانستان، أجرينا الحوار التالي:

* إذا لم يحدث تزوير في الانتخابات الرئاسية مثلما حدث في 2004 و2009.. هل تعتقد أن هناك فرصة لأن تكون رئيسا للجمهورية؟

- أنا لا أريد أن أصدر أحكاما مسبقة بشأن اللجنة الانتخابية، فنحن لا نزال في بداية العملية الانتخابية، لكن يمكنني القول إن العملية تسير بشكل جيد حتى الآن.

* ألا يساورك شعور بالقلق؟

- لدي بعض القلق، لكني لا أستطيع الإفصاح عنه في الوقت الراهن.

* ما ترتيب أولوياتك في حال جرى انتخابك رئيسا لأفغانستان؟

- ستكون أولويات الحكومة القادمة في أفغانستان الأمن وسيادة القانون، إضافة إلى تحسين حياة المواطن الأفغاني على كل الأصعدة. أعلم أن هناك الكثير من التحديات لكن الأولوية ستكون للأمن. هناك أولويات سآخذها في الاعتبار، أولاها الفريق الحكومي الذي سأعمل معه، أي مجموعة الوزراء الذين سنعمل معهم من أجل رحلة التغيير إلى الأفضل والأحسن لصالح هذا البلد، ومحاربة الفساد ستكون على قائمة أولوياتي، وإرساء الأمن والأمان في عموم أفغانستان.

* تركت الباب مفتوحا أمام حركة طالبان، وصرحت بأنه في حال قبلت طالبان الجلوس للتفاوض فسوف تتفاوض معهم، فماذا لو رفضت طالبان الجلوس على مائدة التفاوض؟

- أولى مهمات الرئيس هي الدفاع عن البلاد ضد العنف والإرهاب، ولا ينبغي أن يكون هناك أي تهاون في حماية أرواح مواطنينا والدفاع عنهم.

* أين ستكون أولى زياراتكم الخارجية، هل ستكون إلى السعودية لأداء العمرة؟

- لقد أديت العمرة منذ فترة ليست ببعيدة، ولكن ستكون أولى زيارة إلى إحدى الولايات الأفغانية التي عانت من الحرمان الشديد بسبب نقص الخدمات، وهنا كثير من الولايات تعاني من فقدان البنية التحتية في شمال شرقي أفغانستان بحاجة ماسة إلى نوع من الاهتمام والالتفاف الإعلامي لما يجري فيها لرفع معنويات المواطنين الموجودين هناك.

* تواجه أفغانستان الكثير من المشكلات، فماذا أنتم فاعلون، في حال فوزكم بالرئاسة، للتعامل مع مشكلة زراعة الأفيون؟

- جزء من هذه المشكلة يتعلق بالوضع الاجتماعي والاقتصادي منذ سنوات في أفغانستان، والبداية ستكون بتحسين حياة الفلاحين وتقديم أفكار جديدة وحلول ناجحة لاستبدال زراعة المخدرات بزراعة القمح والخضراوات مثلا، وهذه الاقتراحات تحتاج إلى تكاتف واستثمار أيضا من قبل القوى الدولية والإقليمية الفاعلة للقضاء على مشكلة زراعة المخدرات التي تأكل الأخضر واليابس وتهدد حياة الآلاف في أفغانستان وغيرها من الدول التي تصل إليها تلك الآفة المدمرة.

* ما هي رسالتك للشعب الأفغاني والعالم العربي؟

- رسالتي للشعب الأفغاني هي أن تؤدي هذه الانتخابات الجديرة بالثقة إلى مزيد من تعزيز الوحدة بين الشعب الأفغاني، وخلق بيئة أفضل للتنمية الاقتصادية في البلاد والإصلاح، وسيادة القانون، وأنا على يقين من أن الشعب الأفغاني سينتهز هذه اللحظة وهذه الفرصة لانتخاب حكومة تعمل على تحقيق توقعاتهم. نريد أن ننقذ بلدنا من المخاطر والمهالك بالعمل مع الجميع من أجل إيجاد حلول للمشاكل المتراكمة منذ سنوات. لقد عانينا من الحروب لمدة 30 عاما، ونريد أن نبني دولة جديدة عصرية تقوم على العدالة والمساواة بين جميع أبناء الشعب. نريد أن نرسخ الأمن في نفوس الأفغان، ولا ينقصنا سوى الإحساس بالأمن والأمان. وفي ما يخص العالم العربي، أعتقد أن تعزيز العلاقات مع العالمين العربي والإسلامي سيكون إحدى أهم أولويات سياستنا الخارجية. وهناك الكثير من فرص التعاون التي ينبغي استغلالها.

العالم العربي جزء مهم من العالم الإسلامي لا يمكن أن نستغني عنه أو نعيش دونه. كانت اللغة العربية أول شيء تعلمته من والدي في سنوات الطفولة، ولأنها لغة القران الكريم فهي محفورة في قلوب الأفغان. ولدي أصدقاء في كل مكان من العالم العربي، من ساسة إلى مثقفين إلى رجال أعمال أعرفهم منذ زمن طويل، وأقول لزعماء الدول العربية والإسلامية «أفغانستان المسلمة، هذه المنطقة من العالم في حاجة إلى استثماراتكم، لأن هذا البلد في حاجة إلى الكثير والكثير لرفع المعاناة عن الشعب الأفغاني».

* نقل عنك، في تصريح سابق، قولك: «سنطلب من مصر مزيدا من علماء الأزهر»، وبحسب علمي هناك عدد من علماء الأزهر في أفغانستان..

- نعم بكل تأكيد.

* هل يمكن التحالف مع المرشح الرئاسي أشرف غني لتجنب جولة الإعادة؟

- إذا جرت جولة ثانية من الانتخابات فأعتقد أنه ينبغي أن يحظى الشعب الأفغاني بالاختيار، لأن حقهم هو اختيار الحكومة التي تمثلهم، ولأن هناك منافسة جيدة. ينبغي أن يمنح الشعب الأفغاني حرية الاختيار.

* ما هي الآية القرآنية التي تتلوها كل صباح؟

- آية الكرسي.