الهيئات المالية العربية تتدارس في تونس سبل مواجهة التحديات الاقتصادية

امتصاص البطالة وتمويل مشاريع التنمية من أبرز القضايا المطروحة

رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة يتحدث خلال الحفل الافتتاحي للمؤسسات العربية في تونس أمس (رويترز)
TT

انطلقت الاجتماعات السنوية للهيئات المالية العربية بالضاحية الشمالية للعاصمة التونسية، التي تتواصل يومي 8 و9 أبريل (نيسان) الحالي، بحضور قرابة 300 مشارك، على رأسهم وزراء المالية والاقتصاد ومحافظو البنوك المركزية في الدول العربية، والمؤسسات المالية الخمس في العالم العربي، وهي: «الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي» و«صندوق النقد العربي» و«المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات»، و«المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا»، إلى جانب «الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي»، لإنعاش عدد من مشاريع التنمية القادرة على امتصاص مشاكل البطالة وإعادة الروح للكثير من المشاريع المعطلة.

ويعقد على هامش اجتماعات الهيئات المالية العربية اجتماع مجلس وزراء المالية العرب والمجلس المكلف تمويل مشروعات القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة. ومن المنتظر، حسب مشاركين في اجتماعات الهيئات المالية العربية، أن تصدر عن هذا الاجتماع عدة قرارات أولية بالموافقة على تمويل مجموعة من مشاريع التنمية في الوطن العربي.

وتعهدت الحكومة التونسية من جانبها، في افتتاح هذه الاجتماعات، بالحرص على تفعيل الإصلاحات الهيكلية لمنظومة المالية العمومية والجباية، في محاولة لطمأنة المستثمرين العرب وتوفير مناخ استثماري جالب لرؤوس الأموال العربية.

وقال المهدي جمعة لدى إشرافه على انطلاق تلك الاجتماعات، إنها تتزامن مع ظرفية إقليمية ودولية تتسم بجملة من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، أبرزها تنامي مخاطر الإرهاب وتراجع نسق النمو وارتفاع حجم التداين الخارجي.

ووعد المستثمرين العرب بتوفير مناخ أعمال يستجيب لمتطلبات التنمية ويرتكز أساسا على مزيد من دعم الحوكمة الرشيدة والشفافية في المعاملات الاقتصادية. وعد نجاح مرحلة الانتقال الديمقراطي في تونس على ارتباط وثيق بنجاح مرحلة الانتقال الاقتصادي والاجتماعي. ودعا الهيئات المالية العربية إلى مزيد من تعبئة الموارد وعرض مشروعات مشتركة في المجالات الاجتماعية وتأهيل الموارد البشرية، كما أشار إلى توفير التمويلات الضرورية لتلك المشروعات بشروط ميسرة.

وأثنى المهدي جمعة على قرار الترفيع في رؤوس أموال المؤسسات المالية العربية الذي أقر في قمة الرياض الاقتصادية المنعقدة في المملكة العربية السعودية خلال السنة الماضية، وقال إن هذا القرار قد يساعد على مزيد من النهوض بالاستثمارات العربية ويدعم مشاريع التنمية فيها.

واجتمع المهدي جمعة بعدد من رؤساء الهيئات المالية العربية خلال الجلسة الافتتاحية لانطلاق الاجتماعات في تونس، وقال في تصريح لوسائل الإعلام إن البلاد في حاجة إلى الدعم المالي وإلى تكثيف التعاون مع الهيئات المالية العربية. وأشار في تصريحه إلى مجموعة من اللقاءات التي عقدت خلال اليوم الأول لتفصيل الحاجات الموجهة إلى دعم مجهود الحكومة التونسية في مجالات التنمية والاستثمار والتشغيل.

وأكد الشاذلي العياري، محافظ البنك المركزي التونسي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية الهياكل المالية العربية في دعم تونس في المجالين المالي والتجاري لتجاوز إحدى أصعب المراحل المالية التي تمر بها البلاد. وقال: «إنه يوم كبير لتونس»، فهو يحمل إشارة واضحة من الهيئات المالية العربية إلى أن تلك المؤسسات ما زالت تؤمن بأهمية الاستثمار في تونس. وفي المقابل، أشار إلى الوضعية الاقتصادية الحرجة التي تمر بها البلاد وقال: «لو جاءنا مال قارون من الخارج فلن ينفعنا على المدى البعيد»، ودعا إلى ضرورة اعتماد التونسيين على أنفسهم وتدارك ما فاتهم من فرص الاستثمار والرفع من الإنتاج.

ويتكون النسيج الاقتصادي التونسي في معظمه من المؤسسات الصغرى والمتوسطة وذلك بنسبة 90 في المائة وهي مؤسسات لا توفر أكثر من عشرة مواطن شغل لكل منها. وتسعى تونس إلى انتشال قرابة 800 ألف عاطل عن العمل من البطالة، من بينهم نحو 350 ألفا من خريجي المؤسسات الجامعية التونسية.

وتوقع عز الدين سعيدان، الخبير الاقتصادي التونسي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن ترمم هذه الاجتماعات ثقة المستثمرين العرب بالاقتصاد التونسي وتعيد الحياة لمجموعة من المشاريع الإنمائية العربية التي لم تعرف النور رغم رصد الاعتمادات المالية بها. وأرجع هذا البطء في التنفيذ إلى انتظار الهيئات المالية العربية لما ستؤول إليه الأوضاع الأمنية والسياسية في تونس. وعد سعيدان النجاح النسبي المحقق حاليا من خلال تجاوز المراحل الأولى لفترة الانتقال الديمقراطي من المنتظر أن تعيد نسق الاستثمار والتنمية إلى سابق عهده، على حد تعبيره.

ومن المتوقع أن تصدر الحكومة التونسية قانونا جديدا للاستثمارات تتجاوز من خلاله مجموعة العوائق التي تقف ضد تطور نسق الاستثمار، خاصة في المناطق الفقيرة التي كانت وراء الاحتجاجات الاجتماعية التي أطاحت بنظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي في 14 يناير (كانون الثاني) 2011.