«مهرجان بيروت للرقص المعاصر» كسر كل المعوقات وبلغ عيده العاشر

179 عرضا وألف راقص بحضور 34 ألف متفرج

أحد مشاهد عرض «هابي أند لاري»
TT

تنطلق عروض «مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر» (بايبود) مساء الخميس محتفيا بسنته العاشرة. وهذا ليس بالأمر القليل، فقد استطاعت «فرقة مقامات» بقيادة الكوريغراف والراقص اللبناني عمر راجح، وعلى مدار عقد من الزمان، أن تجعل لهذا الفن حيزا يعتد به، ويجمع حوله جمهورا، لبنانيا وعربيا، غفيرا ومخلصا يتابع المهرجان، مالئا الصالات، مطلعا على المتغيرات العالمية، من خلال أشهر الفرق التي يتم استقبالها. تمكن المهرجان، خلال السنوات الماضية، أن يقدم لجمهوره 179 عرضا شارك فيها ألف راقص، منها 43 عرضا لبنانيا و56 عرضا عربيا. شاهد هذه العروض جمهور غفير تجاوز عدده 34 ألف متفرج. هذ غير المعارض والحوارات وأفلام الفيديو و36 ورشة عمل.

«مهرجان بيروت للرقص المعاصر» ارتبط طوال سنوات، بشبكة من مهرجانات الرقص العربية الأخرى التي تتزامن معه، حيث تنتقل الفرق ذاتها بين عمان ورام الله ودمشق وبيروت، ضمن ما عرف باسم «مساحات». شبكة فنية عربية، أحدثت نقلة نوعية في المفاهيم، وأثارت في بعض الأحيان اعتراضات المحافظين على أعمال في هذه العاصمة أو تلك، ثم جاءت الأحداث الدامية في سوريا، لتتقلص شبكة «مساحات»، وتخرج دمشق من الخارطة ولو مؤقتا.

استقبل المهرجان أغلب الأسماء اللامعة في مجال الرقص، وحين نطلب من عمر راجح ما يشبه الجردة السريعة يقول: «المهرجان باتت له قيمته في العالم، واختلف مشهد الرقص المعاصر في لبنان، ربما ليس بالقدر الكافي، إذا إن الأمر يحتاج إلى متسع من الوقت، لكن ها نحن نرى شبانا صغارا يبدأون، والأفكار التي مرت في العروض التي قدمناها، فرضت تعاطيا مختلفا مع الثقافة البصرية عند الجمهور».

ويضيف راجح: «وبكل تواضع، المهرجان خلق مشهدا مختلفا عما كان قبله. وأنتجنا ديناميكية مهمة على مستوى الأفكار والمفاهيم. ومن جانب آخر، فتح المهرجان فرصا جديدة، إذ أفسح المجال أمام مشاركات عربية في ما يقارب 120 مهرجانا في العالم، كما أنه لفت النظر إلى أن هناك حركة فنية راقصة تستحق الاهتمام في منطقتنا. وقد جرت دعوة فنانين عرب إلى مهرجانات عالمية كثيرة، وبعضهم حظي بإقامات تدريبية، أو بإنتاج لأعمال، أو العمل مع فرق».

مع الوضع العربي القائم، تصبح المبادرات الفردية ذات شأن أساسي لتحريك العجلة الفنية، فقد أنتجت «مقامات» عروضها الخاصة، كما أنها ساهمت في جلب أعمال راقصة عالمية ضمن برامج المهرجانات الصيفية مثل «مهرجانات بيت الدين» مثلا بمناسبة العيد العاشر. ويقول راجح: «سنحتفل طوال السنة بعروض منتقاة، كما عودنا جمهورنا. كان البدء مع عرض (أجسام غريبة) لستيفاني تيرش، وعرض (وتدور) الذي قدمته (فرقة مقامات)، وبعد مهرجان الرقص السنوي المعتاد سنقدم مهرجانا آخر في بيروت للمرة الأولى بالتعاون بين فرقة (مقامات) ومهرجان (ارتجال) للموسيقى الذي ينظمه سنويا الفنانان مازن كرباج وشريف صحناوي. هذا المهرجان الجديد، بالتعاون بين راقصين وموسيقيين، سيجري تنظيمه بين شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)».

فرقة «مقامات» تضرب عرض الحائط بكل التهديدات الأمنية وما يمكن أن يثير الرعب. عمر راجح يقول معلقا: «الناس بحاجة إلى الخروج من أجواء الخوف إلى ما هو أكثر بهجة. نحن بدأنا المهرجان عام 2004 ومعه بدأت الاغتيالات والأحداث الأمنية في بيروت عام 2005 ولا تزال مستمرة حتى الآن. لنا أن نتخيل ماذا لو أوقفنا العمل من حينها، لكانت عشر سنوات ماتت من أعمارنا، بينما ها نحن نصل إلى مهرجان له سمعته في العالم، ونجوم الرقص يريدون المشاركة فيه. نقول بصدق، لأن الأوضاع سيئة إلى هذا الحد، على المهرجان أن يستمر ويقوى. نحن لا نستطيع انتظار نتائج هذا الاجتماع أو ذاك المؤتمر، وإلا خسرنا حياتنا ووقتنا. رضخنا لسرقة السياسيين لأموالنا، ولا نريد أن نمنحهم فوقه أعمارنا». ويؤكد راجح أنه رغم كل ما مر من ظروف «لم يسبق لأي فرقة أن ألغت مجيئها إلى لبنان، أو رفضت، «خصوصا وأن شركاءنا الذين نعمل معهم لا يأتون لتأدية عرض ينصرفون بعده، نحن نشبك معهم علاقات نريد لها أن تعيش طويلا، ولهذا فالعلاقة معهم قائمة على الثقة. عرض (أجسام غريبة) هذه السنة جاء بعد انفجاري وسط بيروت والضاحية، شجعنا الفرقة على الحضور، مع توضيح المخاطر لهم، وحضروا وجرى العرض وكان ناجحا جدا».

الموعد السنوي لـ«مقامات»، أي مهرجان الرقص، يبدأ الخميس بحفل استعادي على خشبة مسرح المدينة، عنوانه «عشر سنوات لبايبود» حيث تعرض صور فوتوغرافية وأفلام وثائقية ويطلق كتاب يختصر أهم محطات المهرجان، يليه عرض راقص للكوريغراف (مصمم الرقص) البريطاني راسل ماليفنت، متضمنا أربع لوحات بديعة تركز على العلاقة بين الجسد والضوء. ويعاد تقديم العرض مساء الجمعة.

تشارك في المهرجان الذي يمتد حتى مساء الـ27 من الشهر الحالي فرق من النرويج وبلجيكا ولبنان وبريطانيا وألمانيا والمغرب وأستراليا وفرنسا، تتوزع عروضها بين ثلاثة مسارح بيروتية، هي «مسرح المدينة» و«مسرح مونو» و«مسرح مترو المدينة».

تشارك في العروض فرقة شاون باركر الأسترالية التي اكتسبت شهرة عالمية، بعرض عنوانه «سعيد مثل لاري»، وهو إنتاج قوي يجمع بين مزيج مشوق من الباليه، البريك دانس، والتزلج بالعجلات والرقص المعاصر ذي الطابع الحركي. من المشاركين أيضا فرقة «زي بايكري» الألمانية التي أسسها الكوريغراف الأميركي ريتشارد سيغل، إذ تقدم على خشبة «مسرح مونو» بالتعاون مع الرباعي «أساسيلو» لوحات تعتمد الإيماء الجسدي على أنغام أربع آلات وترية. وهناك عرض الانتصاب لبيير ريجال وفرقته «آخر دقيقة»، وهو عرض يسعى إلى متابعة التطور البشري، في مسرح خالٍ برفقة مؤثرات صوتية ومرئية يجري إنتاجها في بث حي. يرقص بيير ريجال الحيوان - الرجل، الرجل الفردي والرجل الاجتماعي في الوقت نفسه، ويقدم لجمهوره عرضا شيقا من خلال تحولات غير متوقعة.

سيشاهد الجمهور أيضا عرضا بعنوان «من الباء إلى الباء»، وهو حوار ما بين الموسيقى والحركات الجسدية يحث على التأمل ويمتاز بخفة القدمين والمرح ويشد الانتباه. وهو حوار لغوي ما بين البلجيكي توماس هاريت والإسبانية انجيلز مرغريت في رحلة اكتشاف الفن وعوالم أخرى. وهناك عرض «مصغرات» من فرنسا لفرقة «دانس ماب» التي تقدم على خشبة «مسرح مترو المدينة» وفيه دعوة لرحلة فنية مكونة من ثلاثة «مصغرات» أو لوحات راقصة قصيرة جرى إنتاجها من قبل ثلاثة فنانين هم المغربي توفيق عزيدو واللبنانية يندي نمور والفرنسي ارنو ساوري، اعتمدوا الحب كعنصر مشترك بين لغتهم وكتاباتهم وأشعارهم. هذه المصغرات جرى إنتاجها ضمن مشروع «منيتشرز أوفيسيني» بقيادة لوفيسينا مع الكثير من الشركاء في حوض البحر الأبيض المتوسط.

العرض السويسري «التعتيم» لفيليب ساير يعطي أهمية خاصة للرسم، حيث نرى عملا راقصا ينتج لوحات تشكيلية فنية مميزة. أما العرض النرويجي «لا شيء من أجل شيء» لمصمم الرقص والراقص هيني افدال، فيرينا كيف يمكن للمكان أن يكون مرنا ويتحول من حالة إلى أخرى.

وختام المهرجان بعرض عنوانه «ما لا يتذكره الجسد» لفرقة «التيما فيز» التي أسسها المصمم البلجيكي فيم فاديكيبوس، وهو يقوم على توازن دقيق بين حالة الجذب والتنافر وأحيانا ينتج هذا العمل مواجهة بين راقصين ثم بين مجموعتين ثم بين الراقصين والموسيقى وبين الراقصين ومجموعة رائعة من الخطوط. ولكن في جميع الأحوال نشاهد انفجارا من العدوانية والخوف والخطر.

ومن عروض «بايبود» هذه السنة «حبر»، وهو التعاون الأول بين مصمم الرقص والمدير الفني لمسرح «مقامات» عمر راجح، والسويسري مارسيل ليمان وفرقته. وكان العرض قد قدم قبل أسبوعين في مدينة برن السويسرية. وتقام على هامش المهرجان ورشتا عمل، الأولى مع فرقة الكوريغراف البريطاني راسيل ماليفنت، والثانية مع البلجيكي فيم فانديكيبوس.