مختصون يصفون نصبا وتماثيل عراقية جديدة بأنها «تلوث بصري»

رداءة في المستويات.. ودائرة الفنون التشكيلية تشكو عدم استشارتها

نصب الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري وهو يتوسط الدلال وأكواب القهوة بطريقة أظهرته كأنه بائع متجول
TT

استاء فنانون تشكيليون ومختصون عراقيون من رداءة المستويات الفنية للنصب والتماثيل التي وزعت في أنحاء العاصمة بغداد في الآونة الأخيرة، ووصفوها بأنها استخفاف بالإرث الفني العراقي، وأن وجودها عبارة عن «تلوث بصري» في وقت كانت تزخر فيه مدينتهم بالعديد من الأعمال التي تتميز بالرصانة والقيمة الفنية والحرفية العالية قبل إحداث التغيير في العراق عام 2003. مقابل ذلك، شكت دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة، إحدى أهم الجهات المعنية بالنصب والتماثيل، من «إهمال وجودها وعدم أخذ مشورتها من قبل بعض الجهات قبل الشروع في عملها».

ويشهد العديد من الشوارع والساحات المعروفة في بغداد وبعض المحافظات العراقية وضع نصب وتماثيل لا ترتقي للذائقة الجمالية والحرفية، وتتعرض لانتقادات واسعة من الجمهور، مثل نصب الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري وهو يتوسط الدلال وأكواب القهوة بطريقة أظهرته كأنه بائع متجول، ونصب آخر بدا مشابها لشكل «الباذنجانة» تحيط به الأحصنة بطريقة أثارت سخرية واسعة في وسائل الإعلام المختلفة، ونصب ثالث توسط شارعا مهما في محافظة الديوانية على شكل خاتم سليمان! والعشرات غيرها من الأعمال الفنية التي لا تشابه مكانة هذا النوع من الفنون في العراق.

يقول الفنان البصري ستار ناجي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هذا استخفاف بالإرث الفني العراقي، وتكالب من ليس له علاقة بالفن على تنصيف نفسه عارفا بذلك»، مطالبا الجهات ذات الاختصاص بالتدخل لوقف هذه «المهزلة» بحسب وصفه.

وعن نصب «الباذنجانة» المشيد قرب ساحة سعد في محافظة البصرة، قال: «النصب كلف الدولة ثمانية مليارات ونصف المليار دينار عراقي، في حين أنه خلا من أي قيمة فنية، وهو تشويه لأصالة الفن العراقي».

أما الفنان التشكيلي صلاح عباس، رئيس تحرير مجلة «تشكيل»، فقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «في العقد السابع من القرن الماضي كانت بغداد عبارة عن متحف كبير، فالشوارع والمباني وواجهات الوزارات، كانت تحظى بقدر مميز من الأعمال الفنية لكبار الفنانين العراقيين، نذكر منهم الراحلين إسماعيل فتاح الترك، ومحمد غني حكمت، والفنان نداء كاظم، ولكن بعد سنوات حرب عام 2003 أصاب هذه الأعمال الفنية والنصب والجداريات كثير من الإهمال». وأضاف: «هناك العديد من النصب والجداريات لشخصيات عراقية ثقافية، لكنها مهملة، وهناك ارتجال من قبل بعض الجهات لإقامة نصب وتماثيل لا علاقة لها بالفن، وليس هناك أي تنسيق بين وزارة الثقافة وهذه الجهات».

أما لجنة الثقافة البرلمانية، فقد أكدت أن النصب التذكارية جزء من الهوية الوطنية العراقية، وكان لا بد لتلك الهوية أن تحافظ على قيمتها وتتولى جهات مختصة رعايتها، لكن غياب المتابعة والرقابة سبب تدنيا واضحا للفن التشكيلي في البلاد.

وأضافت ميسون الدملوجي، عضو اللجنة، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد من دراسة الأعمال الفنية قبل الموافقة عليها، والحرص على وضعها في أماكن لا يميز مرتادوها بين الأديان والأعراق والمذاهب».

دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة العراقية، إحدى أهم الجهات المعنية بالموضوع، أكدت أن هناك تجاهلا لأخذ مشورتها في موضوع إنشاء النصب والتماثيل، وأن هناك أحزابا وجهات تتبنى بمفردها زج نصب في بغداد لا تتلاءم مع مكانة المدينة العريقة في هذا الميدان.

وقال الدكتور جمال العتابي، مدير عام الدائرة، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «بعد عام 2003 تعرضت الكثير من النصب والتماثيل في العراق إلى التشويه والسرقة والضياع والإهمال، وهناك مطالبات من جهات عدة لإزالة البعض منها كونها تتحدث عن حقبة النظام السابق، وهذا غير صحيح، كونها أعمالا فنية تعبر عن مرحلة من مراحل الحكم، وكل دول العالم تحتفظ بها في متاحف خاصة، ربما تبعدها عن أنظار المارة، لكنها تحافظ عليها».

وأضاف: «كانت هناك لجنة مشتركة تابعة لرئاسة مجلس الوزراء العراقي تتولى معالجة مخالفات النظام السابق، بما فيها النصب والتماثيل، واقتراح نصب جديدة عوضا عنها، واشتركت وزارة الثقافة بعضو مشارك فيها، لكنه ليس من مختصي دائرة الفنون التشكيلية».

وتابع: «جرى إنجاز بعض البدائل لتلك النصب، لكنها كانت أسوأ من سابقتها، مثل نصب التأميم، وتمثال الشهيد محمد باقر الصدر في مدخل شارع المطار، ونصب ساحة المستنصرية في بغداد، كما أن هناك مخاطبات مع أمانة بغداد لإنجاز نحو عشرة تماثيل ونصب لشخصيات عراقية ثقافية وسياسية معروفة ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية العام الماضي، لكنها لم تنفذ حتى الآن»، وأكد: «ما حصل أن بعض الجهات الحزبية نفذت أعمالا خارج السياقات الفنية، وغير مناسبة للذوق العام، وتحمل إساءة للشخصيات التي تمثلها، وقد قدمنا اعتراضا عليها مطالبين برفعها مثل ما حصل مع تمثال الجواهري في المتنبي».

بدورها دافعت «أمانة بغداد»، بصفتها إحدى الجهات المعنية بتلك النصب والتماثيل غير ذات القيمة، بالقول: «الأمانة تتولى استشارة أصحاب الشأن من فنانين ومصممين لهم باع طويل في مجال العمارة والتصميم قبل الشروع في أي عمل، لكن جهات وأحزابا معينة تتولى وضع بعض النصب التي لا ترقى إلى مستوى الذائقة الفنية».

وأضاف حكيم عبد الزهرة، مدير العلاقات والإعلام في الأمانة، لـ«الشرق الأوسط»: «هناك حرص لأجل أن تظهر العاصمة بغداد بالصورة اللائقة أمام الجميع، لذلك هي تديم صلاتها مع أبرز الفنانين والمختصين لأجل إشراكهم في توجهاتها وخططها الفنية، وهناك مشاريع مقبلة في ميدان النصب والتماثيل سيكون المشرفون عليها من كبار الفنانين والمختصين».