«حوادث المعلمات».. موضوع معرض فني في دبي

الفنانة السعودية منال الضويان: أتمنى أن ينجح في تغيير الصورة النمطية للمرأة السعودية

منال الضويان أثناء الإعداد للمعرض و من الأعمال المعروضة (منال الضويان - كوادرو غاليري)
TT

معرض «الصدمة» للفنانة السعودية منال الضويان المقام في «غاليري كوادرو» بدبي يعد جديدا في موضوعه وطريقة تناوله، فالفنانة التي اختارت لأعمالها الأخيرة تناول قضية «الإهمال المتعمد للمرأة السعودية» وجهت نظرها الآن إلى قضية شغلت السعوديين لسنوات طويلة، وهي حوادث وفيات المعلمات في السعودية، حيث أصبح الأمر ظاهرة على مدى سنوات أن تنشر الصحف حول حوادث السيارات التي تقل المعلمات لمدارس القرى النائية حيث يجري تعيينهن. الموضوع قد يبدو جافا وحزينا وغير صالح لأن يصبح مادة لمعرض فني، وهو رد فعل بعض زوار وزائرات المعرض، ولكن الفنانة لها رأي مختلف تشرحه لنا من خلال لقاء معها في دبي.

تستخدم الضويان كلمة «مشروع» للحديث حول معرضها الجديد، ويتبدى لنا السبب بعد جولة فيه. فالفنانة التي اختارت موضوعا صعبا قررت أن أفضل طريقة لعرضه على الجمهور تكون عبر عرض مراحل الإعداد الأولى لمشروعها. تشرح لنا أن المعرض في شكله الحالي نتج بعد فترة إقامة فنية في «متحف» في الدوحة، «هذا المشروع بدأ كإقامة فنان في (متحف) في الدوحة. زارني مدير المتحف ورأى عملي وطلب مني نقل الاستوديو إلى المتحف في مساحة مفتوحة، وكان إحساسا غريبا أن يمر الزوار من حولي وأنا أعمل، أصبحت المساحة بعد ذلك ملتقى لمن يريد الزيارة. أناس يقصون قصصا، ويتناقشون، دونت كل تلك المناقشات والقصص والتعليقات في مدونة خاصة».

الخطوة التالية كانت تحويل المدونة إلى معرض فني يحمل طابعا خاصا، «المختلف هنا هو أنني قررت عرض أوراق البحث الذي قمت به حول موضوع المعرض. في العادة كنت أجري الكثير من البحث والتسجيل لدعم معارضي، ولكني كنت أخبئ البحث، ولكن هذه المرة قررت عرض البحث كجزء مهم ليكمل الفكرة». أما مادة المبحث فتنوعت ما بين بحوث ومقالات وتغريدات وإحصائيات وتعازٍ.

القاعة الأولى تضم كل تلك القصاصات معروضة أمامنا، مقالات الصحف تحمل أخبار كل حادثة وعدد الضحايا فيها وتفاصيل محدودة إلى جانب بعض الصور للعربات المحطمة، في هذه المرحلة يبدو الأمر محزنا وقاتما ولكن أيضا يبدو مثيرا لكثير من التساؤلات والانطباعات. نلاحظ أن المقالات والصور والتعليقات تتشابه كثيرا، تدور كلها في نفس الدائرة وتتكرر بشكل رتيب إلى حد يجرد تلك الحوادث من وقعها الإنساني. تشير الضويان إلى أن ذلك التكرار يخدم الفكرة التي تقدمها، فـ«الموضوع الذي أعالجه هو التكرار والإخفاء المتعمد لشخصية المرأة، وعبر تكرار القصاصات والإحصاءات والصور كنت أحاول أن أبلد نفسي، فالتكرار يبلد الإحساس ويولد التعود. الشيء الآخر في هذه المقالات هو عدم ظهور المرأة، فهي تأتي تحت عنوان عام (معلمات)، وهو ما يولد لدي الإحساس بأن إغفال الاسم يجرد الإنسان من إنسانيته، وإذا جردت الشيء من إنسانيته يصبح من السهل اضطهاده».

إلى جانب صور قصاصات الصحف هناك أيضا صور لتعليقات الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي، تقول: «بالنسبة لـ(تويتر) فالتعليقات تنقسم إلى عدة فئات، منها فئة (الشهيدة) (ناس ينعون الضحايا)، وهناك فئة الناصحين وأصحاب الحلول، أما الفئة الثالثة فهي لأصحاب نظرية المؤامرة».

هناك أيضا بعض الخرائط وإحداثيات جغرافية، «كنت أحاول أن أحدد مواقع الحوادث، فأجريت بحوثا حول تلك المواقع، محاولة إيجاد الأماكن، أحاول أفهم أين القرى التي تحدث فيها تلك الحوادث وأين المدارس النائية التي كانت المعلمات متجهات إليها. في أغلب الأحيان لم أتمكن من العثور على إحداثيات (جي بي إس) تحدد أماكن تلك المدارس، لا يوجد شارع بجانبها، قد توجد في وادٍ بين الجبال. كنت أبحث عن تلك المواقع على الإنترنت، زرت ملتقيات القبائل على الإنترنت للبحث عن القرى (بعضها لا يوجد فيه بقالة)، حاولت فهم الرحلة التي تقوم بها المعلمات عبر إيجاد مواقع القرى والطرق التي تحدث فيها الحوادث». تشير إلى صورة لطفل في إحدى القصاصات: «هنا صورة لابن إحدى المعلمات يشير إلى بيت ويقول: (هذا كان حلم أمي). رواتب المعلمات عادة في حدود الـ3000 إلى 6000 يدفعن منها للسائق 2000. تخيلي أن ثماني معلمات تدفع كل منهن 2000 ريال للسائق، يصل مجمل راتبه في الشهر إلى 16 ألف ريال في الشهر! مقارنة موجعة». وتضيف: «هناك نقطة يجب أن نفكر بها، وهي أن هؤلاء المعلمات لا يعملن للترفيه، فهن محتاجات بالفعل إلى الوظيفة ولهذا يجازفن. أتمنى أن ينجح المعرض في تغيير الصورة النمطية للمرأة السعودية بأنها مرفهة».

الغرفة القادمة تظهر تطور العمل، بعد الإحصاءات التي تعتبر جافة ومملة لا تحمل أي بعد إنساني، فالمعلمات هنا أرقام فقط، وهو ما يبرز موضوع الإهمال المتعمد والتجاهل للمرأة، فقصاصات الصحف والأخبار تخلو تقريبا كلها من أسماء للمعلمات، هن فقط «معلمات»، لا اسم ولا حياة خلف المسمى، مجرد وصف يجرد الضحايا من وجودهن الإنساني.

الجفاف والتجريد هنا متعمد أيضا من جانب الفنانة، «لاحظت أنني بعد البحث أصبحت أنا أيضا جافة في التعامل مع الأمر، أنظر إلى المعلومات المجردة وأتحدث عن أي الحوادث أسفرت عن وفيات أكثر، هي مشكلة التبلد.. الأمر كله كان مؤثرا جدا بالنسبة لي. حتى التغطية الصحافية تحولت إلى عملية ميكانيكية، تتبع نفس الخطوات وتحمل عبارات واحدة للتعريف مثل (حادث حائل)، كل الصحف تتبع أسلوبا معينا إلى درجة أن أصبحوا يكررون أنفسهم».

تتناول الضويان أيضا ردود الفعل حول تلك الحوادث من القراء والجمهور عبر «تغريدات وصور، كنت أعالج الموضوع بسطحيته، أتلقاه بنفس طريقة الجمهور وأحاول أن أفهم لماذا كانت ردود الفعل سلبية، لماذا عوملت تلك الحوادث هكذا؟ 25 عاما من الحوادث ولماذا؟».

في الغرفة الأخيرة، تعرض الفنانة نتيجة البحث، ما تصفه بـ«النتيجة»، صور فوتوغرافية ضخمة، تجريدية بالنظر لا يمكن للناظر تحديد مضمونها، بعضها يبدو جذابا وفنيا متقنا ولكن عند التدقيق نرى أن ما نراه هنا هو تكبير لبعض الصور التي وردت في القصاصات الصحافية التي استخدمتها الفنانة في الغرفة الأولى، «الصورة التي نشرت بالجرائد لا يعطيها الإنسان نظرة لأكثر من ثوانٍ، ولكنها هنا توقف المتفرج». ويستوقفنا عرض فيديو لفتاة ترتدي عباءة سوداء تتحدث للكاميرا وتشرح لحظات يوم في حياة إحدى المعلمات التي ذهبت ضحية لحادث سير، تشرح لنا أن الفيديو هو لـ«طالبة تدرس في أميركا، درست المسرح، طلبت منها قراءة واحد من المقالات التي تسرد واحدة من حوادث السير وطلبت منها تخيل قصة حياة واحدة من المعلمات، وأن تمثل تفاصيل يومها الأخير».

يثور تساؤل هنا: «أين الوجه الإنساني للمعلمات في المعرض؟ هناك صور مجردة ومقالات وفيلم فيديو تمثيلي»، ولكننا حتى الآن لا نعرف أي معلومات محددة عن المعلمات اللواتي ذهبن ضحايا لحوادث سير بينما هن في طريقهن أو وهن عائدات من المدارس النائية التي عينّ فيها، تقول: «هذا ما أردت التعبير عنه، فهناك تجاهل لشخصية المرأة ووجودها، حاولت مرارا الحصول على اسم واحد لضحية حتى أتتبع حياتها.. ولم أجد».