«تولو» أبرز محطة أفغانية.. ضربة قاضية لتعاليم طالبان المتطرفة

رئيس مجلس إدارتها لـ «الشرق الأوسط» : إجماع في المناظرات الرئاسية على أهمية الأمن.. وخلافات على إدارة البلاد

إحدى مذيعات البرامج الحوارية في «تولو تي في»
TT

قبل أن أصل للعاصمة كابل تواصلت مع سعد محسني مالك مجموعة محطات «تولو» التلفزيونية، وتعني بالعربية «طلوع»، ليساعدني بمادة عن المناظرات السياسية التي قدمتها محطته بين المرشحين الرئاسيين للانتخابات. وأبلغني أنه في دبي، ولكن شفيق جوهري رئيس مجلس إدارة المحطة في كابل ونائبه إسكندر صالح سيكونان في انتظار «الشرق الأوسط». ومحطة «تولو»، ونظيرتها «لامار»، وتعني «الشمس»، بالإضافة إلى قناتها الإخبارية، بجانب قناتي «أرمان» و«أركوزيا» الإذاعيتين، ضمن مجموعة «موبي غروب» التي أحدثت انفجارا هائلا في سماء الإعلام الأفغاني، وتعد تحديا لفكر طالبان المتطرف.

وإلى جانب القنوات الملونة بالأغاني الموسيقية والمسلسلات التركية والهندية وأفلام بوليوود، هناك أيضا محطات تلفزيونية تبث موسيقى تركية وموسيقى دول وسط آسيا، بالإضافة إلى برامج سياسية مؤيدة للجهاديين، بما في ذلك أفلام وثائقية تحكي المآثر العسكرية لأمراء الحرب وقيادات المجاهدين وما بذلوه من تضحيات ضد الروس ثم ضد طالبان.

وقال أحد خبراء الشأن الأفغاني: «لا يمكن أن تكون زعيم حرب في هذه الأيام وليس لديك محطة تلفزيونية خاصة بك. ولأنه من الواضح أن الإعلانات لا تأتي بالكثير من المال في أفغانستان، فإن تمويل الكثير من المحطات التلفزيونية يأتي من الحكومة والجهات الأجنبية المانحة، وأصحاب الأعمال الخاصة، لذلك ليس من المستغرب أن يقوم الكثير من السياسيين البارزين والجهاديين بتمويل محطات تلفزيونية خاصة».

وانشغل الأفغان قبل وبعد الانتخابات الرئاسية بالحديث عن «تولو» التي قدمت مناظرات على الأسلوب الغربي، وكشفت عن خلافات واضحة في برامج المرشحين، باستثناء الاتفاق على معالجة مشاكل الأمن المتردية والتفجيرات الانتحارية التي ضربت قلب العاصمة كابل. وقدمت المحطة برامج منوعات أيضا، كانت حاسمة وضربة قاضية لتعاليم طالبان التي منعت تعليم البنات والموسيقى وحظرت الشاشة الصغيرة عن دخول المنازل الأفغانية. وتتمتع «تولو تي في» بشعبية كبيرة في أفغانستان، مع تنامي أعداد مشاهديها منذ الإطاحة بحكومة حركة طالبان في أكتوبر (تشرين الأول) 2001، وتستحوذ هذه القناة على نحو 90 في المائة من سوق الإعلانات التلفزيونية الأفغانية. وتسعى إلى زيادة حدود مساحة الحركة التي تتعامل من خلالها، بما في ذلك الترويج للثقافة الشبابية. ووفقا لتقرير صادر عن مؤسسة «التاي» للاستشارات، تصل قنوات «تولو» إلى نحو 50 في المائة من مشاهدي التلفزيون، ووفقا لبعض التقديرات، يمكن أن تزيد هذه النسبة إلى 60 في المائة.

وتناولت المحطة في زمن قصير الكثير من القضايا التي تعدها الثقافة التقليدية في أفغانستان من المحرمات، وتتبنى اليوم دوريا لكرة القدم مكونا من ثمانية فرق تمثل مختلف الولايات الأفغانية، تحت إشراف مباشر من مالكها سعد محسني، وهو رجل أعمال شاب ومصرفي عاش وتربى في أستراليا، يتنقل ما بين دبي وكابل. ونجح محسني في إدخال قدر من الحياة الطبيعية إلى أفغانستان، حيث لا يعدو دوري كرة القدم الجديد الذي أقامه العام الماضي، سوى جزء من إمبراطوريته الإعلامية الأكبر في أفغانستان والمتمثلة في شركة «موبي غروب» القابضة التي أنشأها هو وعائلته بعد عودتهم إلى كابل من أستراليا عام 2002. وفي بلد كانت حركة طالبان تحظر فيه التلفزيون في الماضي وحيث يصل سعر جهاز التلفزيون إلى نحو ربع متوسط الدخل السنوي للمواطن وفي ظل عدم وجود التيار الكهربائي بانتظام، أقام محسني أعماله في شبه ظلال من الأمن والرخاء يوفرها الوجود الدولي في البلاد.

وعند الساعة الثانية إلا ربع ظهر أول من أمس بتوقيت كابل، وبحسب رسالة إلكترونية تلقتها «الشرق الأوسط» من محطة «تولو» توجهت إلى «سرك دوازده وزير أكبر خان»، أو شارع 12 بحي السفارات الأجنبية، وهو شارع مغلق من أوله إلى آخره بالمتاريس والبراميل الخرسانية ونقاط التفتيش الأمنية، وحراس أشداء ينتشرون برشاشات «الكلاشنيكوف» في كل مكان، ويفتشون بدقة الزوار.

وأغلب مباني شارع 12 بحي وزير أكبر خان مخصصة للعاملين في «تولو»، وعددهم بحسب شفيق جوهري رئيس «تولو»، نحو 800 موظف بين فنيين ومقدمي ومعدي ومخرجي برامج، أما الإدارة فتحتل المنزل الأخير في الشارع، واستديوهات البث التلفزيوني والإذاعي تقع في جانب آخر من كابل وتحظى هي الأخرى بإجراءات أمنية مشددة بحسب العاملين في القناة. وفي ما يلي أبرز ما جاء في الحوار مع جوهري:

* ما عدد القنوات التلفزيونية الخاصة التي تسيدت المشهد الإعلامي في أفغانستان بعد سقوط طالبان؟

- هناك العشرات من القنوات الخاصة التي تقدم المنوعات الترفيهية والأغاني، بالإضافة إلى أفلام على مدار 24 ساعة يوميا تقريبا. ومشاهدة تلك القنوات متعة بعد سقوط طالبان التي حرمت الأفغان من مشاهدة التلفزيون، ويعد حدثا جديدا بالنسبة لغالبية الأفغان أن يشاهدوا على الشاشة فتيات وفتيانا يرقصون ويغنون، إنها ظاهرة جديدة تماما. ومحطة «لامار» قناة بشتونية خالصة، بينما «تولو» خليط ما بين اللغة الدارية والبشتونية، وهناك أيضا قناة «تولو نيوز» وهي قناة مستقلة ضمن المجموعة، تنقل كل النقاشات السياسية، ودارت من خلالها المناظرات السياسية بين المرشحين الرئاسيين، واستقبلت تلك المناظرات السياسية أرقام مشاهدة غير مسبوقة، وكان لها فريق إعداد متميز.

* كم عدد العاملين في المحطة؟

- 800 موظف ما بين إداريين ومخرجين ومعدي برامج ومصوري كاميرا تلفزيونية وعمال وفنيين في الاستديوهات، الجميع يعمل في القنوات الثلاث ومحطتي «إف إم» كخلية نحل لا تتوقف على مدار الساعة.

* هل تلقيتم تهديدات من طالبان، أو جماعات أخرى؟

- لم نتلق تهديدات مباشرة، لكن على الرغم من ذلك ينبغي أن نتحلى بالحذر، لا نترك شيئا للصدف من جهة تأمين العاملين لدينا.

* لكن برامج القناة تسير على النقيض من استراتيجية وآيديولوجية طالبان.

- نعم، الأفلام والمسلسلات وبرامج المنوعات مثل «أفغان ستار» للعام التاسع على التوالي و«ذا فويس» (لاختيار المواهب الغنائية) والمسلسلات التركية.. كل ذلك يتعارض تماما مع أفكارهم ودعاواهم. وتابع الأفغان على مدى أسابيع المسلسلات التركية مثل «وادي الذئاب» و«فريحة» و«القبضاي» و«العشق الممنوع». الأخير أوقفناه بعد ضغوط من الجهاديين ورجال الدين، والجميع تابع المسلسلات التركية حتى الأصوليون يشاهدونها أيضا، وهذا ما يوجب علينا الحذر، وهو ما تشاهده في شارع 12 الذي توجد مقراتنا فيه، من إجراءات أمنية.

* هل لك أن تطلعنا ولو قليلا على البرامج الترفيهية والبرامج الأخرى في القناة؟

- نحن نركز في الوقت الراهن على العروض الترفيهية، ونقوم بعرض الأعمال الدرامية التركية. ونسعى جاهدين إلى زيادة إنتاجنا من الأعمال الدرامية الأفغانية عبر استثمار المزيد من الأموال في عملية الإنتاج. وتملك القناة العديد من الاستديوهات، كما نملك أيضا استوديوهات ضخمة في مدينة أخرى مخصصة لإنتاج برامج مثل «ذا فويس» و«أفغان ستار»، المنسوخ عن برنامج «ستار أكاديمي» العالمي، وحقق نجاحا باهرا بين الشباب والأفغان بصورة عامة. أما «ذا فويس» كما في النسخة العربية فيحظى بين الشباب الأفغان بإقبال منقطع النظير، بحثا عن المواهب الغنائية الشابة بين مختلف الولايات الأفغانية، ولدينا أيضا استديوهات للأخبار والبرامج الصباحية وأخرى للبرامج الأصغر حجما. ولكننا نضع نصب أعيننا استثمار المزيد من الأموال بهدف إنتاج المزيد من الدراما الأفغانية. كان إحدى ثمار ذلك المسلسل الذي يعرض حاليا باسم «روس هوي خونا»، والذي يعني «أسرار المنزل»، والذي يدور حول حياة الأسرة الأفغانية التقليدية.

كما أنتجنا أيضا مسلسلا من ست حلقات بعنوان «المدافعون» يدور حول رجال الشرطة والقوات الخاصة الأفغانية، والذي أنتج بهدف تكريم قوات الشرطة وإظهار كيفية تعاملها مع الأشرار، وتصديها للإرهاب والمتطرفين، وهذا المسلسل يلقى هو الآخر إقبالا ومشاهدة من جميع فئات الشعب العمرية، ويكشف عن الجهد الذي تبذله قوات الشرطة والجيش لعودة الأمن والاستقرار إلى ربوع الشارع الأفغاني، وهم يتصدون بصدورهم لعمليات المتطرفين والأشرار.

* ما هي البرامج التي تحوز أعلى نسبة مشاهدة وإقبال شعبي؟

- يحتل برنامج «أفغان ستار» ومباريات كرة القدم المرتبة الأولى في نسبة المشاهدة، ومكنت الجماهير الأفغانية في المقاهي والمنازل والمولات الحديثة من متابعة المشاهد الكروية والغنائية التي كانت مستحيلة منذ 13 سنة في ظل نظام طالبان. ويتكون الدوري الأفغاني من ثمانية فرق يمثلون ثماني مقاطعات. لكن اللاعبين لا يشترط بالضرورة أن يكونوا من هذه المقاطعات، فهناك فريق من غرب أفغانستان يدعى «توفان أريدوت»، والذي يعني عاصفة أريدوت (أريدوت نهر غرب أفغانستان). وهناك فريقان من الشمال وفريقان من الجنوب، وفريق من الشرق، وفريق من وسط أفغانستان، وآخر من كابل. وما زلت أتذكر المباراة الافتتاحية للدوري الأفغاني الجديد لكرة القدم كابل، وكان يقف حوله نحو خمسة آلاف مشجع أفغاني يأخذون قسطا من الراحة من المشكلات التقليدية والعنف الذي بات شيئا أساسيا في حياتهم اليومية، لكي يلوحوا بالأعلام ويزأروا لفرقهم الكروية التي جرى تكوينها في الآونة الأخيرة. وفي المدرجات وراءه، كانت هناك مجموعة من الشخصيات الأفغانية المهمة بزيها التقليدي تصفق بهدوء على الإنجاز الذي حققه محسني والمتمثل في إقامة وإذاعة مباراة كرة قدم في بلد لا يزال في حالة حرب وفي موقع استاد رياضي كان قبل 15 سنة تقريبا مسرحا دمويا لتنفيذ الحدود وأحكام الإعدام العلنية بعد صلاة الجمعة، من قبل حركة طالبان.

* كيف تابع الأفغان مناظراتكم السياسية التي قدمتها «تولو» بين المرشحين الرئاسيين؟

- كانت المناظرات بالمستوى الإعلامي المميز بين المرشحين البارزين عبد الله عبد الله زعيم المعارضة، وأشرف غني الخبير الدولي، وزلماي رسول وزير الخارجية السابق. وجرت ثلاث مناظرات بين المرشحين الرئاسيين، وسبع مناظرات بين نواب الرئيس المرشحين أيضا. وأدار تلك المناظرات مذيع ومقدم برامج «تولو» القدير مجاهد كاكر، بنزاهة وشفافية.

وشارك خمسة مرشحين لانتخابات الرئاسة الأفغانية في مناظرات تلفزيونية، جرت على الطراز الغربي، وأبدوا خلالها إجماعا على ضرورة إرساء الاستقرار بأسرع ما يمكن، في وقت لا تزال فيه أعمال العنف منتشرة في البلاد. وباستثناء الأمن، كشفت المناظرات السياسية عن خلافات بين المرشحين حول أولوياتهم.

وقف المرشحون الخمسة خلف مناضد في استوديو مزين بالأحمر والأزرق، لوني الشبكة التلفزيونية، وردوا على مدى ساعتين على أسئلة مجاهد كاكر، وتركزت الأسئلة على موضوع الأمن الذي يتصدر اهتمامات بلد يواجه حركة تمرد دامية يشنها مقاتلو طالبان. وسئل المرشحون في بادئ الأمر عما إذا كان يتعين توقيع اتفاقية أمنية ثنائية بين واشنطن وكابل تتيح الإبقاء على قوة أميركية من نحو عشرة آلاف عنصر بعد انسحاب القوات الأطلسية من البلاد بحلول نهاية 2014. وجاء رد المرشحين متوقعا، إذ أيدوا بشكل إجمالي مثل هذه الاتفاقية في وقت أرفق فيه الرئيس حميد كرزاي الذي يحظر عليه الدستور الترشح لولاية ثالثة، توقيع مثل هذه الاتفاقية بسلسلة شروط.