تهديد روسي بوقف إمدادات الغاز إلى أوروبا

أوكرانيا تعرض العفو على دعاة الانفصال في الشرق في حال سلموا أسلحتهم

سكان موالون لروسيا يتظاهرون قرب مبنى حكومي في مدينة دونيتسك الواقعة شرق أوكرانيا أمس (رويترز)
TT

حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، قادة أوروبيين من أن بلاده قد توقف صادرات الغاز إلى أوكرانيا إذا لم يحل هذا البلد مسألة ديونه العالقة ومشاكله المالية.

وقال بوتين، في رسالة وجهها إلى 18 زعيما أوروبيا ونشرها الكرملين أمس، إن مجموعة الغاز الروسية «غازبروم» ستجد نفسها «مضطرة لأن تنتقل إلى عملية الدفع المسبق لتسليم شحنات الغاز، وفي حال لم يجر احترام شروط الدفع فإنها ستنتقل إلى عملية وقف كامل أو جزئي لتسليم شحنات الغاز». وأكد الرئيس الروسي أن بلاده تقترح أن يجري حل المشاكل الاقتصادية لأوكرانيا «على قدم المساواة مع شركائنا الأوروبيين». واقترح بوتين في رسالته «اتخاذ إجراءات عاجلة لأن الوضع لا يحتمل الانتظار»، وفق ما أضافت وكالة «ريا نوفوستي». كما ذكرت وكالة «إنترفاكس» أن الرئيس الروسي قال في رسالته للقادة الأوروبيين إن «الوضع قد تترتب عليه حقا انعكاسات سلبية على نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا».

وجاء هذا التحذير فيما قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) أندرس فوغ راسموسن، أمس، إنه يتعين على روسيا سحب قواتها من الحدود الأوكرانية إذا أرادت بدء حوار بشأن الأزمة الراهنة. ورأى راسموسن، الذي كان يتحدث خلال مؤتمر صحافي في العاصمة التشيكية، أن قوات روسية قوامها 40 ألف جندي تحتشد على الحدود مع أوكرانيا «لا تجري تدريبات بل مستعدة للقتال»، إلا أنه أكد أن الحلف لا يبحث الخيارات العسكرية، وأن المضي قدما سيكون بالسبل الدبلوماسية. وأوضح راسموسن أن أي تدخل روسي جديد في أوكرانيا «ستكون له عواقب وخيمة على علاقاتنا مع روسيا، وسيقود إلى المزيد من العزلة الدولية لروسيا».

من جانبها، وعدت الحكومة الأوكرانية المؤيدة لأوروبا، أمس، بالعفو عن الانفصاليين الموالين للروس الذين يحتلون مباني إدارية في شرق أوكرانيا في حال ألقوا سلاحهم. وشهدت الأزمة الأوكرانية عودة مفاجئة للتوتر مع الهجمات المنسقة للانفصاليين الذين يسيطرون منذ الأحد الماضي على مبنى الأجهزة الأمنية في لوغانسك والإدارة المحلية في دونيتسك، المدينتين الواقعتين في شرق أوكرانيا الناطق بالروسية. ويطالب المحتجون بتنظيم استفتاء حول الحكم الذاتي المحلي أو الالتحاق بروسيا. وحشدت موسكو عشرات آلاف الجنود على الحدود، مما أثار مخاوف من اجتياح هذه المناطق. وكان وزير الداخلية الأوكراني ارسين افاكوف هدد أول من أمس باستخدام القوة ضد الانفصاليين الذين يرفضون الحوار و«الحل السياسي»، موجها إنذارا مبطنا لمدة 48 ساعة.

وبادر الرئيس الأوكراني المؤقت أولكسندر تورتشينوف، صباح أمس، بمد يده لهم واعدا بأنهم «إذا سلموا الأسلحة وأخلوا المباني الإدارية، فإننا نضمن أنه لن تكون هناك أي ملاحقات». وأوضح أنه تباحث في اتصال هاتفي مع ممثلين عن المتمردين في لوغانسك وعرض عليهم «تسويات» من ضمنها تشكيل لجنة تضم ممثلين أوكرانيين وأجانب لدرس نقاط النزاع. كما دعا إلى تعزيز سلطات الإدارات المحلية التي كانت كييف حتى الآن تعينها.

ويطالب الانفصاليون المدعومون من موسكو بمراجعة حقيقية للدستور الأوكراني لجهة إضفاء توجه فيدرالي على النظام، وهو أمر ترفضه حكومة كييف التي تسلمت السلطة منذ إطاحة النظام المؤيد لروسيا في نهاية فبراير (شباط) الماضي، لاعتباره مقدمة لتفكيك البلاد.

ميدانيا، عزز الانفصاليون الحواجز التي أقاموها حول مبنى الإدارة في دونيتسك، المدينة البالغ عدد سكانها مليون نسمة، بينما تحدثت وكالة الصحافة الفرنسية عن وصول خمسين عنصرا من «الحرس الوطني» إلى مطار المدينة. وقال نائب رئيس الوزراء فيتالي ياريما، الذي أرسل إلى المدينة سعيا لتسوية الأزمة، إن اتصالات جرت مع المتمردين، مبديا أمله في التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة. وقال ياريما إن رينات أحمدوف، أثرى رجل في أوكرانيا والمقرب سابقا من الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش (كلاهما متحدر من دونيتسك)، يشارك في جهود تسوية الأزمة، مما يعد في نظره مؤشر «تفاؤل».

وفي لوغانسك، المدينة البالغ عدد سكانها 400 ألف نسمة، لا يزال الانفصاليون يتحصنون في مبنى أجهزة الأمن الذي نهبوا مخازن أسلحته. لكن لم يكن من الممكن مشاهدة أي حركة تأييد مكثف للمتمردين الذين يسيطرون على المبنيين.

وتبعث الاضطرابات في الشرق الأوكراني مخاوف من تكرار سيناريو شبيه بما حصل في القرم، شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمتها روسيا في مارس (آذار) الماضي بعد استفتاء لم تعترف به كييف والغرب. وتتهم السلطات الأوكرانية الانتقالية التي تسلمت السلطة منذ إقالة يانوكوفيتش، موسكو بالسعي «لتفكيك» بلادها، أو أقله نسف الانتخابات الرئاسية المقررة في 25 مايو (أيار) المقبل، والتي يتصدر توقعاتها موالون لأوروبا عازمون على التقرب من الغرب. غير أن أملا دبلوماسيا ظهر مع الإعلان عن إجراء مفاوضات رباعية بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل في فيينا أو جنيف، بحسب المصادر.

ودعت روسيا إلى مشاركة الموالين لموسكو في المفاوضات. وعرض «حزب المناطق»، حزب يانوكوفيتش سابقا، أمس، إرسال مرشحه للرئاسة ميخائيل دوبكين إليها. وإذا كان بوتين أعرب عن أمله في التوصل إلى «نتائج إيجابية» لهذه المفاوضات، فإن واشنطن لا تتوقع منها الكثير. وقالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون أوروبا فيكتوريا نولاند «في الواقع ليست لدينا توقعات كبرى من هذه المحادثات، لكننا نعتقد أنه من المهم جدا إبقاء باب الدبلوماسية مفتوحا». وفي ستراسبورغ، تبنت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، أمس، قرار تعليق حق تصويت النواب الروس حتى نهاية 2014، في شكل عقاب على إلحاق القرم بروسيا.