المشهد

TT

* في النقد وأزمته

* هناك الكثير من المقالات النقدية في مجال السينما (كما في أي مجال آخر) على الإنترنت وفي الصحف والمجلات. لكن هل هناك حشد كبير من القرّاء؟ حتى لا نذهب بالظن بعيدا ونطلق الأحكام، يجب أن نعترف أولا بأن قراء النقد السينمائي، بالقياس مع قراء الأخبار السينمائية الخفيفة، هم قلة. بل إن قراء المواد الثقافية والأدبية بأسرها هم أقل من قراء صفحة رياضية واحدة أو موقع فضائحي على الإنترنت ليوم واحد. وهذا ليس في عالمنا فقط، بل حولنا شرقا وغربا وفي كل اتجاه.

لكن النقاش حول النقد السينمائي وأزمته حاضر بحدّة منذ سنوات قريبة، خصوصا بعد أن أصبح الإنترنت هو القراءة الأكثر شيوعا بين الناس. تريد أن تعرف رأي ناقد ما حيال فيلم مثل «كابتن أميركا» أو «أميركان هاسل»، هناك مواقع تعطيك آراء عشرات النقاد. اختر منهم من تشاء. السؤال العويص هو: هل هؤلاء جميعا نقاد كما يدّعون أم أنهم أشخاص يكتبون انطباعاتهم الشخصية ويهللون ويصفّقون مثلهم في ذلك مثل مروجي الأفلام التي يكتبون عنها؟

هل هي نعمة أم نقمة أن أصبح هناك نقد على الإنترنت؟ الجواب عن هذا السؤال أسهل، لأن بعض نقاد الصحف المطبوعة، التي لا تزال ذات القيمة الأعلى بين الوسيلتين، ينشرون أو تُنشر مقالاتهم على مواقع تلك الصحف أو في سواها. لذلك القيمة ما زالت متوافرة. ما هو شائك هنا هو أنه مع شيوع النقد (على طريقة كل واحد صار ناقدا) فإن القيمة الأدبية والفنية والمهنية للنقد المطبوع صارت موازية، في مدى تأثيرها، لتلك المكتوبة سريعا على مواقع الإنترنت. في البداية، كان التأثير أقوى: القارئ يتابع النقد السينمائي والآراء النقدية في بعض الصحف ويستخلص، وأحدها يترك تأثيرا. الآن بات يقرأ - إذا ما أراد - العشرات منها ويجد نفسه إزاء كتابات انطباعية واستنتاجية سهلة لا تترك تأثيرا كبيرا. في هذا الخضم، تخفق المقالات النقدية الصحافية في التميّز إلا عند أولئك الذين يدركون الفارق أو يتابعون الناقد المعيّن منذ أن كانت الصحافة كلها مطبوعة.

عربيا، نطالع كل يوم رأيا في فيلم. لكن هذه الآراء إذا ما صلحت ما زالت تسير على هدى الفوضى الناشئة عن شيوع النقد كحالة تعبير سياسي وثقافي وليس كتخصص سينمائي في المقام الأول. كثيرون يكتبون ويكتبون كثيرا ومطولا. تقرأ في ما يكتبونه فتجد أن الفيلم المختار اختير لأنه يصلح لأن يعكس رأيا سياسيا فيه. تلك الأخرى، مهمة أو غير مهمة، لا تجد من يتابعها.

هذا ينتج عنه المزيد من التباعد بين القراء والنقد السينمائي. كم واحدا في عواصم العرب (أو حتى في سواها) يريد أن يمضي نحو ثلاثة أرباع الساعة لقراءة ألفي كلمة مكتوبة عن فيلم كان يمكن اختصار الكتابة عنه إلى 500 كلمة موجزة وتصيب الهدف ذاته؟ هذا ليس نتيجة كسل القراء بالضرورة، بل نتيجة عدم وجود منهج نقدي صحيح وتعدد أصحاب الآراء الذين أتيح لهم النشر في الصحف أو على المواقع. والنقد غير الرأي، فكل واحد فوق سن السادسة عشرة يكوّن رأيا. هذا سهل. النقد هو حياة في عمق الفيلم لا تتم إلا بالمعرفة وبالاستناد إلى معلومات وثيقة في كيفية صنع الفيلم وفي كل جوانب هذه الصناعة.

هذا يقود إلى المشكلة التالية: عزوف معظم الصحف عن تخصيص صفحات سينمائية أسبوعية يسهم في إشاعة هذه الفوضى. فالقارئ يحب أن يعرف أنه في يوم معيّن من الأسبوع هناك صفحة سينمائية تظهر في هذه الصحيفة أو المجلة أو تلك، وأن هناك ناقدا معيّنا يكتب فيها. إذا ما أعجبه تابعه. إن لم يعجبه بحث عن ناقد آخر وهذا حقّه الطبيعي.