رئيس وزراء أوكرانيا يزور الشرق المتمرد.. والانفصاليون يرفضون لقاءه

بوتين يطمئن أوروبا المتوجسة من وقف الغاز: سنفي بالتزاماتنا على صعيد الإمدادات

طلاب يضعون ورودا أمام قبر الجندي المجهول في سيمفيروبول عاصمة القرم بمناسبة إحياء الذكرى الـ70 لتحرير شبه الجزيرة من النازية (أ.ف.ب)
TT

تصاعد التوتر بين الغرب والروس على خلفية الأزمة الأوكرانية، في وقت حاول فيه رئيس الوزراء الأوكراني أرسيني ياتسينيوك نزع فتيل الأزمة مع الانفصاليين في شرق البلاد، عبر زيارة أداها إلى مدينة دونيتسك، أمس. وزار ياتسينيوك دونيتسك بعد أيام على سيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا على مبانٍ عامة في مدينتين في الشرق الناطق بالروسية سعيا منه لإيجاد حل يستبعد تكرار سيناريو شبه جزيرة القرم.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعهّد بحماية المواطنين الروس في الجمهوريات السوفياتية السابقة «بأي ثمن». وحشد نحو 40 ألف جندي، وفق حلف شمال الأطلسي، عند حدود البلدين، ليثير بذلك المخاوف من حصول اجتياح. ويحتل انفصاليون موالون للروس بعضهم مسلح، منذ الأحد الماضي، مقر الإدارة المحلية في دونيتسك ومقر أجهزة الأمن في لوغانسك، وهما مدينتان كبيرتان في شرق أوكرانيا تقعان على بضع عشرات كيلومترات من الحدود الروسية.

وهدد وزير الداخلية ارسين أفاكوف الانفصاليين باستخدام القوة في حال عدم تسليمهم أسلحتهم. لكن زيارة ياتسينيوك أمس جاءت في إطار حل سلمي، إذ إنه قدم ضمانات، قد لا ترضي الأكثر تطرفا من بين الموالين لروسيا. وكانت حكومة كييف وعدت، أول من أمس، الذين يسلمون أسلحتهم بالعفو. وتباحث ياتسينيوك مع ممثلين عن البلدية والسلطات المحلية بالإضافة إلى ممثلين عن الأوساط الاقتصادية، وخصوصا رينات أحمدوف الرجل الأكثر ثراء في البلاد، الذي كان لفترة طويلة من أبرز مؤيدي النظام السابق.

ولم يحضر أي ممثل عن الانفصاليين الذين يشترطون إجراء استفتاء حول الانضمام إلى روسيا. وتعهد ياتسينيوك بـ«ضمان توازن السلطة بين السلطة المركزية والمناطق» قبل الانتخابات الرئاسية في 25 مايو (أيار) المقبل. وتعهد أيضا بعدم المساس بالقوانين، التي تعطي اللغات الأخرى غير الأوكرانية صفة رسمية. وقال إن «أحدا لن يسعى بأي ذريعة إلى الحد من استخدام لغة شائعة». ولكن الانفصاليين المدعومين من موسكو يطالبون بإدراج النظام الفيدرالي في الدستور، وهو ما ترفضه كييف، وترى أنه يفسح المجال أمام تمزيق البلاد، ولذلك فهي ترفض أن تذهب أبعد من النظام «اللامركزي». وعلى الرغم من عدم حصول أي اتصال مباشر مع الانفصاليين، فإن أحمدوف الذي قام في الأيام الأخيرة بوساطة بين السلطات الموالية لكييف والانفصاليين، رأى أن الحل الوحيد يأتي عبر المفاوضات.

وفي إطار الحرب الكلامية، رد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، على اتهامات كل من واشنطن وكييف للأجهزة الروسية بالوقوف وراء الاضطرابات في شرق البلاد. وقال: «يتهموننا بنشر عملاء هناك. لا عملاء لنا وليس هناك أي عسكري لنا أو عميل» روسي في شرق أوكرانيا. وحذر لافروف من أن «التحريض على مشاعر معادية لروسيا يهدد بشكل واضح استقرار أوروبا». وكانت الولايات المتحدة اتهمت روسيا بإرسال «محرضين» لبث «الفوضى» في شرق أوكرانيا.

وبعدما لاح بصيص من الأمل الدبلوماسي، أول من أمس، إثر إعلان مباحثات رباعية (الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا) الأسبوع المقبل حول الأزمة، اشتدت الحرب الكلامية أكثر من ذي قبل. وحذر الرئيس الأميركي باراك أوباما من أن «التصعيد» الروسي في أوكرانيا سيؤدي إلى فرض عقوبات جديدة على موسكو. كما حذر الأمين العام للحلف الأطلسي أندرس فوغ راسموسن، من أن الحلف يجب أن يتخذ خطوات إضافية.

وتنذر هذه الاضطرابات بسيناريو مشابه لما جرى في القرم، شبه الجزيرة الأوكرانية المطلة على البحر الأسود، التي ألحقت بروسيا في مارس (آذار) الماضي، عقب استفتاء لم تعترف به كييف ولا الدول الغربية. وتتهم السلطات الأوكرانية موسكو بالسعي إلى «تفكيك» البلاد، أو على الأقل عرقلة الانتخابات الرئاسية، لا سيما أن المرشحين الأوفر حظا للفوز بها هم موالون لأوروبا، عازمون على إلحاق أوكرانيا بالغرب.

ولم يغب الغاز عن لعب دور مركزي في الأزمة الأوكرانية؛ فبعدما كانت روسيا رفعت سعر الغاز على جارتها بنسبة 80 في المائة، أكد بوتين في رسالة بعث بها إلى 18 زعيما أوروبيا نشر نصها أول من أمس، أن روسيا يمكن أن توقف إمداد أوكرانيا بالغاز إذا لم تسدد ديونها. وردت المفوضية الأوروبية، أمس، برفض تسييس مسألة الطاقة، والإعلان أنها تنتظر من البلدان التي تزودها بالغاز «احترام التزاماتها»، مشيرة إلى أن عقود الغاز مع الأوروبيين «تساهم بنحو 50 في المائة من الميزانية الفيدرالية الروسية».

وفي محاولة لطمأنة الزبائن الأوروبيين، والضغط عليهم في الوقت ذاته، أعلن بوتين، أمس، أن روسيا ستفي بالتزاماتها على صعيد إمدادات الغاز إلى الدول الأوروبية، لكنه لم يضمن مرور الغاز عبر الأراضي الأوكرانية، بوصف هذه المسألة رهنا بكييف. وخلال اجتماع لمجلس الأمن الروسي، قال بوتين: «إننا بالتأكيد نضمن الوفاء الكامل بالتزاماتنا لزبائننا الأوروبيين. القضية غير متعلقة بنا، بل بضمان أمن نقل الغاز عبر أوكرانيا». وتتضرر روسيا أيضا جراء هذه الأزمة، مع جمود توقعات النمو وتهريب رؤوس أموال تجاوزت 50 مليار دولار، في الربع الأول من السنة.

وتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون للأزمة انعكاسات سلبية على النمو الاقتصادي العالمي، الأمر الذي يقع في صلب مباحثات الدول المتطورة والناشئة في مجموعة الـ20، أمس، في واشنطن. وجاء في مشروع بيان مجموعة العشرين، أن المجموعة تراقب الوضع الاقتصادي في أوكرانيا، وهي متيقظة «لأي خطر على الاستقرار الاقتصادي والمالي». وأكد مشروع البيان المخاوف من أن الأزمة الأوكرانية تؤثر على الدول الـ20، ومن بينها الولايات المتحدة، وأهم الدول الأوروبية وروسيا. وأشادت المجموعة بقيادة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لخطة إنقاذ أوكرانيا.

ودعت واشنطن، أمس، المجتمع الدولي إلى اتخاذ «خطوات فورية» لدعم خطة صندوق النقد الدولي لمساعدة أوكرانيا، وتلبية احتياجات كييف المالية «الكبيرة»، بحسب تصريح لوزير الخزينة الأميركي جاكوب لو.