رئيس فنزويلا يرفض تقديم تنازلات خلال الحوار مع المعارضة

مادورو لا يتجاوب مع مطلب العفو عن السجناء ويدعو خصومه لخفض سقف توقعاتهم

TT

بدأ الحوار بين الحكومة والمعارضة في فنزويلا تحت ضغط حلفاء كاركاس من دول أميركا الجنوبية بجلسة استمرت ست ساعات أول من أمس، واقتصرت على تبادل الاتهامات بين الجانبين، وذلك بعد أكثر من شهرين من المظاهرات المناهضة للحكومة التي شهدت أعمال عنف أحيانا. واستقبل الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو وريث عرابه الراحل هوغو شافيز صاحب الشخصية القوية، مع المقربين منه في «قصر ميرافلوريس» الرئاسي قادة المعارضة من ائتلاف «طاولة الوحدة الديمقراطية» وأبرزهم انريكي كابريليس حاكم ولاية ميراندا (شمال) والمرشح مرتين إلى الانتخابات الرئاسية.

ويهدف هذا الحوار غير المسبوق الذي انتزعه «اتحاد دول أميركا الجنوبية» (يوناسور) منذ تولي مادورو الحكم في أبريل (نيسان) 2013. إلى وضع حد لأكثر من شهرين من مظاهرات اتسمت أحيانا بالعنف بدأها الطلاب وواكبتهم فيها المعارضة احتجاجا على سوء إدارة الوضع الاقتصادي وانعدام الأمن والقمع البوليسي في هذا البلد التي يزخر بأحد أكبر احتياطي للنفط في العالم.

وأسفرت أعمال العنف على هامش تلك التعبئة رسميا عن سقوط 41 قتيلا، معظمهم بالرصاص وأكثر من 600 جريح. وفتح نحو مائة تحقيق بحق عناصر قوات الأمن المشتبه في تورطها في انتهاك حقوق الإنسان. وحضر الاجتماع أيضا وزراء خارجية ثلاث دول في «اتحاد أميركا الجنوبية» (الإكوادور وكولومبيا والبرازيل) والسفير البابوي في فنزويلا بصفة مراقبين.

ونقلت المناقشات مباشرة كل قنوات الإذاعة والتلفزيون الفنزويلية. وكشفت عدم استعداد الطرفين، وخصوصا السلطة، لتقديم تنازلات. وتغيب الجناح الأكثر تشددا في المعارضة «حزب الإرادة الشعبية» الذي أوقف رئيسا بلديتين من أعضائه وأحد قادته، ليوبولد لوبيز، منذ أسابيع. ولذلك رفض هذا الحزب حضور اللقاء.

وقال مادورو في الكلمة الافتتاحية للحوار إن «الطريق طويل ومعقد لكنه يستحق كل هذا العناء»، قبل أن يحذر زعماء المعارضة من رفع سقف توقعاتهم. وأضاف: «لا توجد مفاوضات هنا ولا اتفاقات، كل ما نبحث عنه هو نموذج للتعايش السلمي والتسامح المتبادل». رفض مادورو بسرعة وبشكل قاطع مطالب المعارضة المتمثلة في العفو عن المسجونين منذ بداية أعمال العنف ونزع أسلحة مجموعات المدنيين المسلحين القريبين من تيار السلطة. وقال مادورو حول عفو محتمل «هناك وقت للعدالة ووقت للعفو. حاليا هو وقت العدالة». ووصف هذه المجموعات المدنية بأنها «مجرد مجموعات للعمل الاجتماعي». واتهم مادورو المعارضة بأنها «لم تشأ الجلوس إلى طاولة الحوار، وكان من الهام أن تعود المعارضة إلى طريق الديمقراطية الدستورية».

من جهته، قال النائب خوليو بورخيس من حزب انريكي كابريليس «بريميرو خوستيسيا» (العدالة أولا) أحد أكبر أطراف ائتلاف طاولة الوحدة الديمقراطية، إنه «لا يثق قط في الحكومة. ونحن لا نسمى هذا الأمر حوارا بل نقاش». وبينما لا يكف مادورو عن إدانة «الانقلابيين» و«الفاشيين»، رأى بورخيس أن المظاهرات السلمية والدستورية، باتت الآن أكثر من أي وقت مضى، ضرورية من أجل الضغط والتوصل إلى تغيير جذري وديمقراطي. وبعد رفضه طلبي المعارضة اقترح مادورو أن يشارك أعضاؤها في لجان مناقشات ودعا إلى لقاء جديد الثلاثاء المقبل. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها عن المحلل السياسي جون مغدالينو قوله قبل بدء الاجتماع أن «أحد العوامل التي دفعت (بالحكومة) إلى فتح حوار مهما كان الثمن هو على الأرجح الضغط الدولي» العائد إلى «السمعة السيئة المتنامية (للسلطات) الناجمة عن قمع المظاهرات». ولم يتجسد هذا الحوار الموعود منذ أسابيع من طرف السلطات، لأن المعارضة كانت ترفض المشاركة فيما تسميه «مهزلة» أو «مونولوغ» بينما كان مادورو يظهر بأنه يمد اليد من جهة ويعتقل معارضين من جهة أخرى.

وكان حزب الإرادة الشعبية قال محذرا يوم الثلاثاء الماضي «نحن لا نؤمن بحوار يقدم فيه النظام استعراضا سياسيا مستغلا وزراء اتحاد أميركا الجنوبية كمحادثين». ورغم أن عناصر من المعارضة المتشددة طعنت في شرعية «اتحاد دول أميركا الجنوبية» وأخذت عليه قربه الكبير من كاركاس، عد وزير الخارجية التشيلي هيرالدو مونيوس الأسبوع الماضي أن «أصدقاء الخارج هم من يستطيعون المساهمة» في تهدئة الوضع في «بلد شقيق». غير أن المحلل «يشكك» في نتيجة هذا «الحوار»، ويؤكد أن كل شيء مرهون بأجندة المناقشات التي ما زال يصعب على الأطراف التوافق حولها.

وبينما لا يزال عشرات المتظاهرين المناهضين لمادورو في السجن، قالت السلطات أول من أمس إن شرطيا قتل بالرصاص خلال مظاهرة في مدينة باركويسيميتو وقال نشطاء المعارضة بأن امرأة توفيت في المستشفى بعدما أصابتها سيارة قبل شهر تقريبا عندما كانت تتظاهر بوسط بالنسيا. وبذلك يرتفع عدد قتلى الاحتجاجات إلى 41 شخصا. ويقول مسؤولون بأن أكثر من 600 شخص أصيبوا منذ بدء الاحتجاجات مطلع فبراير (شباط) واعتقل أكثر من ألفي شخص ولا يزال أكثر من 170 منهم وراء القضبان.