مصادر فرنسية رسمية: المباشرة بكتابة مسودة الاتفاق النووي مع إيران لا تعني التفاهم الكامل

قالت إن الأزمة الأوكرانية لم تؤثر على مواقف موسكو من المفاوضات

TT

بعد ثلاث جولات من المفاوضات المكثفة آخرها في فيينا هذا الأسبوع، سيلج الوفد الإيراني ووفد مجموعة خمسة زائد واحد في 13 مايو (أيار) المقبل «مرحلة حرجة» هي كتابة «مسودة الاتفاق» الذي يراد منه غلق الملف النووي الإيراني نهائيا.

وتؤكد مصادر رسمية فرنسية عالية المستوى أن «الطرفين يسعيان إلى التوصل إلى اتفاق» وأن البحث جار لبلوغه حتى قبل العشرين من يوليو (تموز) المقبل الذي تنتهي عنده فترة الأشهر الستة الأولى المنصوص عليها في الاتفاق المرحلي بتاريخ 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. بيد أنها، رغم ذلك، تفضل التزام جانب الحذر وتنبه إلى أن «مباشرة كتابة مسودة الاتفاق الموعود لا تعني أن هناك تفاهما حول كافة القضايا بل إن ذلك (منهج عمل) لتثبيت ما تم الاتفاق عليه على الورق ومحاولة التوصل إلى إجماع» فيما خص القضايا الأخرى العالقة. وبأي حال، فإن المبدأ العام الذي يعمل الجميع على هديه هو أنه «ليس هناك اتفاق على أي عنصر طالما لم يجر الاتفاق على كل العناصر». من هذا المنظور، تبدو تصريحات وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في فيينا يوم الأربعاء، حيث أكد أن 60 في المائة من القضايا تم الاتفاق حولها «متسرعة» وفق المصادر ذاتها التي تعترف مع ذلك بوجود «تحولات طفيفة» في الموقف الإيراني من القضايا الخلافية. وتضيف هذه المصادر أن الستة بمن فيهم المفاوض الروسي متفقون على رفض أي اتفاقات «جزئية» وأن هناك حاجة لـ«تحرك» الموقف الإيراني حول كافة القضايا. ويبدو أن الطرفين يرغبان في الانتهاء من الاتفاق قبل الاستحقاقات الانتخابية في كل من إيران والولايات المتحدة الأميركية لما توفره من أرض خصبة للمزايدات لا يريدان الغرق فيها. وفي أي حال، فإن الاتفاق المرحلي ينص على إعطاء المفاوضين مهلة ستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة ما يعني أن الحد النهائي هو نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ويعمل الستة على هدي ثلاثة مبادئ أولها التأكد من أن إيران «لا تريد ولن تسعى بأي حال من الأحوال» إلى الحصول على السلاح النووي ويتعين تطبيقه على كل المستويات وفيما خص كل الأنشطة النووية الإيرانية مع ما يستدعي العمل بهذا المبدأ من شفافية ورقابة. ويتناول المبدأ الثاني العمل على إطالة المدد التي تحتاجها إيران لتصنيع سلاح نووي في حال تخلت عن الاتفاق أو ما يسمى بالإنجليزيةBreak Out Capacity. وأخيرا التأكد من أن إيران قد وضحت مع الوكالة الدولية للطاقة النووية الجوانب الغامضة فيما يظن أنه بعد عسكري لبرنامجها النووي. وتؤكد المصادر المشار إليها أن موضوع تخصيب اليورانيوم الذي وصلت به طهران إلى نسبة 20 في المائة ما زال يشكل العقبة الكأداء بسبب التباعد الأساسي في مواقف الجانبين حيث ما زالت إيران تؤكد أن معاهدة منع انتشار السلاح النووي تعطيها الحق في التخصيب السلمي لليورانيوم بينما يقول الغربيون عكس ذلك تماما. بيد أن المؤشرات تدل على أن المخرج يكمن في «حل وسط» بحيث لن يعترف لإيران بحق التخصيب ولكنها بالمقابل ستمكن من أن تقوم بعمليات تخصيب بنسب منخفضة تحت الرقابة الدولية وبعدد محدود من الطاردات المركزية الأمر الذي يعني عمليا إدامة ما تم التفاهم عليه في الاتفاق المرحلي الموقع في 23 نوفمبر الماضي.

وتؤكد المصادر الفرنسية أن هناك فروقا كبيرة ما بين الاعتراف بحق التخصيب وبين السماح لإيران بالتخصيب. ففي الحالة الأولى تكون كل العقوبات الصادرة بحق إيران ساقطة بسبب افتقادها لأساس قانوني. كذلك، إذا كان لإيران حق في التخصيب فستسقط الحجج التي تحرم عليها التخصيب بنسب متوسطة أو أعلى. ولذا، فإن الامتناع عن الاعتراف بحق إيران في التخصيب وتمكينها في الوقت عينه من القيام به تحت الرقابة الدولية يعني مسك العصا من وسطها وجعل الطرفين يدعيان أن كلا منهما حصل على ما يريد. ومن هذه الزاوية، فإن المفاوضات ستقوم على عدد الطاردات المركزية ونوعها ونسبة التخصيب والكميات المسموح بتخصيبها ووجهات استخدامها وما يرتبط بها من الدورة النووية الإيرانية. وكل من هذه المواضيع يمكن أن يكون مصدر اختلاف في التقدير. لكن القاعدة الأساسية للنقاش التي سيجري الانطلاق منها ستكون تقدير الحاجات الإيرانية وكيفية تلبيتها وليس حق إيران المطلق.

وفي سلم الصعوبات التي سيواجهها المفاوضون يحتل موضوع مفاعل أراك قيد البناء المرتبة الثانية «بعد التخصيب». لكن المصادر الفرنسية تعتبر أنه «أقل تعقيدا بقليل» من الملف الأول خصوصا أن الطرف الإيراني أبدى استعدادا «لاستخدام تكنولوجيا جديدة» في تشغيله علما أن هذا المفاعل يعمل بالمياه الثقيلة ويستخدم البلوتونيوم الذي يشكل الوسيلة الموازية «إلى جانب اليورانيوم المخصب» لتصنيع السلاح النووي. لكن الأمر الجدير بالاهتمام يكمن في أن الأطراف الغربية المشاركة في المفاوضات برئاسة كاترين أشتون لم تجد تغيرا في سلوك المفاوض الروسي سيرجي رياباكوف من الملف الإيراني رغم الأزمة الأوكرانية ولم تلاحظ رغبة روسية بإيجاد رابط بين الملفين المنفصلين. وكانت تحليلات غربية تخوفت من أن تنعكس أزمة أوكرانيا والتوتر الذي أوجدته في علاقات موسكو بالعواصم الغربية على التعاطي الروسي في الملف النووي الإيراني. كذلك فإن باريس لم تجد صدى لما أصاب «بروتوكول بودابست» الذي قبلت أوكرانيا بموجبه التخلي عن ترسانتها النووية «الثالثة عالميا» مقابل ضمانات من روسيا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بعدم التعرض لسيادتها على مناقشات فيينا.

هل التوصل إلى اتفاق أصبح قاب قوسين أم أدنى؟

ترفض المصادر الفرنسية الخوض في النسب أو الحديث عن تفاؤل أو تشاؤم. لكنها بالمقابل تتوقع أن يتكرر بشأن الاتفاق النهائي ما حصل في الاتفاق المرحلي حيث بقيت الأمور معلقة حتى آخر لحظة. وبحسب توقعاتها، فإن الأيام الأخيرة الفاصلة عن المهلة الزمنية الأولى هي التي ستبين ما إذا كان الاتفاق سيجري أم لا.