المحكمة الدستورية التركية توجه ضربة لمساعي إردوغان تحجيم «الكيان الموازي»

إلغاء رقابة وزير العدل على أعمال النيابات العامة.. ونائب إردوغان يلمح إلى دور لجماعة غولن في القرار

الرئيس التركي عبد الله غل يقود دراجته الهوائية أمس إيذانا ببدء جولة الدراجات الهوائية حول تركيا برعاية الرئاسة (أ.ف.ب)
TT

تلقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان ضربة موجعة في صراعه مع جماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن، بنقض المحكمة الدستورية العليا تعديلات أدخلتها الحكومة التركية على بنية المجلس الأعلى للقضاء. وكان إردوغان يسعى من خلال هذه التعديلات إلى مواجهة النفوذ الكبير للجماعة في السلطة القضائية والنيابات العامة، التي نفذت حملة اعتقالات على خلفية قضايا متعلقة بالفساد طالت مقربين منه، تلتها حملة تسريبات لتسجيلات بعضها لإردوغان في إيحاء من مسربيها بتورط إردوغان نفسه في قضايا الفساد.

وأتى انتصار إردوغان في الانتخابات البلدية، وفوزه بنحو 46 في المائة من أصوات الناخبين الأتراك، ليعطيه المزيد من الثقة في المواجهة، فيما اعترف وزير الداخلية أفكان آلا بإبعاد أكثر من 150 من قادة الشرطة من مناصبهم، كاشفا عن فتح تحقيق في 180 قضية تنصت غير شرعية، وإشارته إلى العثور على أكثر من 2000 خط ورقم كان الكيان الموازي (جماعة غولن المتهمة بإنشاء هيكيلية موازية داخل مؤسسات الدولة) يستخدمها في التنصت. وقالت مصادر تركية بأن «الكيان الموازي يقوم بفتح 641 ملفا للتنصت في 31 مدينة»، مشيرة إلى أنه تبين أيضا أنه تم التنصت على أعضاء في الإدارة الرسمية التركية والقادة العسكريين في 31 مدينة. وكشفت المصادر عن اتجاه لتنفيذ حملة اعتقالات واسعة بحق أعضاء في الجماعة في ثلاث مدن في القريب العاجل.

فقد ألغت المحكمة الدستورية التركية جملة من القوانين التي أقرتها الحكومة ووافق عليها البرلمان التركي، والتي تتيح توسيع صلاحيات وزارة العدل وإخضاع المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين لرقابته. وكانت تلك التعديلات التي نفّذتها الحكومة عقب ظهور فضيحة الفساد الكبرى قد أثارت جدلا واسعا في تركيا بين صفوف الحزب الحاكم ذاته وأحزاب المعارضة. وتبرر الحكومة خطواتها بالسعي لحمايتها من تغلغل «الكيان الموازي»، وهو الاسم الذي تستخدمه الحكومة للإشارة بشكل غير مباشر إلى جماعة «فتح الله غولن» التي تتهمها بالتغلغل الممنهج داخل أجهزة الدولة؛ في مقدمتها الأمن والقضاء. ويأتي قرار المحكمة الدستورية بناء على دعوى قضائية رفعها حزب الشعب الجمهوري في المحكمة الدستورية التركية.

وكانت الحكومة قد عمدت إلى إجراء تعديلات قانونية لربط «المجلس الأعلى للقضاء والمدعين العامين» بوزارة العدل، حتى يكون خاضعا للرقابة والمساءلة في حال مخالفته للدستور، دون التدخل في عمل المؤسسة القضائية وسلطاتها، كما قامت بحل «المحاكم ذات الصلاحيات الخاصة» التي تأسست على خلفية منظمتي «أرغنكون» و«المطرقة»؛ اللتين كانتا تخططان للانقلاب على الشرعية الدستورية في تركيا عام 2003. والإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية.

وترى أحزاب المعارضة أن توسيع صلاحيات وزير العدل يتعارض مع مبدأ فصل السلطات، ويجعل السلطة القضائية عرضة لضغوط من قبل السلطة التنفيذية ما يضع استقلاليتها على المحك.

وفي أول ردٍ على قرار المحكمة أشار أمر الله إيشلر نائب رئيس الوزراء التركي إلى أنّ سرعة اتخاذ المحكمة الدستورية للقرار تثير إشارات استفهام كثيرة، وهو ما فسرته وكالة أنباء الأناضول الرسمية بأنه «إشارة ضمنية إلى تغلغل الكيان الموازي داخل المحكمة الدستورية» غير أن المعارضة تتهم الحكومة باللجوء إلى «شماعة الكيان الموازي» لبسط هيمنتها على السلطة القضائية.

وفي الإطار نفسه أصدرت هيئة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التركية بيانا أكدت فيه على أن الحجب المفروض على موقع «يوتيوب» لمشاركة الفيديو سيستمر حتى إزالة جميع الروابط التي طالبت تركيا برفعها من الموقع.

وأشارت الهيئة في بيانها إلى أن قرار محكمة «جول باشي» في أنقرة بإلغاء الحجب المفروض على «يوتيوب» منذ الـ27 من شهر مارس (آذار) الماضي سيتم في حالة إزالة جميع المقاطع التي طالبت تركيا إدارة موقع «يوتيوب» بحذفها، وإلا فإن الحجب سيستمر حتى إزالتها كاملة.

ولفتت الهيئة إلى أنها حجبت الموقع عن الوصول إليه بناء على قرار المحكمة بعد نشره أشرطة ومقاطع تفشي أسرار الدولة، بالإضافة إلى مقاطع أخرى تهين مصطفى كمال أتاتورك.

وشددت الهيئة على أنها تمكنت من إثبات وضبط 151 مقطعا وشريط فيديو على «يوتيوب» يعد إفشاء لأسرار الدولة وتحقيرا لأتاتورك، ورفعت تحذيرا لإدارة «يوتيوب» وطالبتها بإزالتها، غير أن الإدارة حذفت البعض وأبقت على البعض الآخر، كما أن المقاطع التي حذفتها لم تحجبها نهائيّا، إنما حجبتها في تركيا فقط، في حين أن المفروض إزالتها من الموقع كليّا وبشكل نهائي. وأوضحت هيئة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على أن الحجب المفروض على «يوتيوب» سيتم إلغاؤه طبقا لقرار المحكمة، وعقب تطبيق إدارة موقع «يوتيوب» لشرط إزالة جميع المقاطع المذكورة.

وفي الإطار نفسه أصدرت محكمة تركية أمرا باعتقال ضابط برتبة نقيب، بناء على قرار من المحكمة المناوبة، في مدينة أضنة، بعد توقيفه في إطار القضية ذاتها. وأوقف الضابط «غ.م»، في إطار التحقيق بقضية تجسس على خلفية إيقاف شاحنات تقول الحكومة بأنها مساعدات إنسانية إلى سوريا، بينما قالت قوة الدرك التي ضبطتها بأنها شاحنات محملة بالأسلحة، بينما كانت ترافقها عناصر من المخابرات لتأمين وصولها. وكانت السلطات أوقفت «غ.م» حيث يعمل في أنقرة، وجرى نقله إلى نيابة ولاية أضنة، ومن ثم أحيل إلى المحكمة المناوبة، التي أمرت باعتقاله.

يشار إلى أن قوات من الدرك التركي، ووفق تعليمات النيابة العامة في أضنة، أوقفت في 9 يناير (كانون الثاني) الماضي، 3 شاحنات إثر الاشتباه بحمولتها، على الطريق الواصل بين ولايتي «أضنة»، و«غازي عنتاب»، جنوب البلاد. وتؤكد أوساط الحكومة أن إيقاف الشاحنات هي واحدة من عمليات جرت ضد الحكومة في الآونة الأخيرة، بتعليمات من قبل «الكيان الموازي» المتهم بالتغلغل داخل أجهزة الدولة في مقدمتها القضاء والأمن، في محاولة لخلق أزمة للحكومة.