صورة الرجل في روايات رجاء العالم

«سِتر» نموذجا

غلاف رواية «ستر»
TT

يُعد الأسلوب ركيزة أساسية في النص الأدبي وهو أداة من أدوات الكاتب الذي يعبر من خلاله عن أفكاره، بل ويعد مكونا من مكوناته الثقافية، ينشئ من خلاله نصا ذا خصائص فردية متميزة تؤثر في المتلقي.

لذلك يمكن أن تكون انطلاقتنا لفهم نص الروائية السعودية رجاء عالم انطلاقة أسلوبية من خلالها تتكشف خبايا النص وجمالياته.

لقد شغلت رجاء عالم ببعض القضايا الإنسانية التي تخص المرأة وعلاقتها بمحيطها الثقافي ومكونها المعرفي، ونظرة هذا المحيط إليها، فهي تعبر عن الحياة المهمشة والمسلوبة للمرأة والرجل على حد سواء، وإن كان همها الأكبر هو استلاب المرأة في عالم الرجال، فناقشت حال المطلقة في المجتمع الشرقي، الذكر وحب التملك، البدوي ومعاملته الأنثى وغيرها من الموضوعات.

فأدخلتنا في عالم ممنوع من الاقتراب، عرّت الموقع المرير وكشفت عن المسكوت عنه في مجتمعاتنا العربية. لقد استطاعت أن تذيب الحدود بين الواقع والمتخيل، فخلخلت تلك الصورة النمطية للنساء في الأدب، ومنحت المرأة عقلا وقدرة على الفعل تقض القيم الذكورية، من خلال إظهار عجز الرجال في روايتها.

فعالم (ستر) عالم أنثوي خالص، فكيف نتحسس خطى الرجل في عالم يجنح بخصوصية نسوية؟ في سعينا إلى قراءة أسلوبية نتوصل إلى أن رجاء عالم عكفت على لغتها. فنصوصها لا تسلم نفسها في سهولة ويسر بل تحتاج إلى قارئ واع لسبر أغوار نصوصها.

فهي كاتبة أكثر من محترفة على مستوى اللغة والتعبيرات والصور، لذلك كان لمعجمها اللغوي خصوصية فريدة عن بنات جيلها نقلته لنا من خلال محاولتها إظهار الرجل بصورة مغايرة، فهو إما كسيح أو عاطل، أو تائه لا يعرف طريقه.

لقد قوضت الشكل الذكوري المتعارف عليه في الروايات العربية، مستخدمة فكرة التضاد بين الرجل والمرأة لتكون مبررا للاختلاف الذي تشعر به المرأة تجاه الرجل.

وعادت بنا في طرحها لهذه القضية إلى خلق آدم لتؤرخ لفكرتها بمنطقية وعقلية في الوقت نفسه. وبرؤية جديدة تنم عن عقلية فريدة واعتزاز بالنفس، لتحدد من خلال هذا الطرح علاقة الرجل بالمرأة، وطبيعة تلك العلاقة وخصوصية خلق المرأة.

تقول على لسان بطلتها مريم ونقلا عن لسان دكتور في العلاقات الزوجية يقول: «آدم، رجل مخلوق من طين من مادة ميتة باردة مصمتة، بينما حواء المرأة المخلوقة من ضلع آدم، من مادة حية من لحم ودم ونبض، لذا تجيء استجابتها مختلفة تماما للحب، استجابة اللحم والدم غير استجابة الطين (..) ومن هنا تجيء إحباطات الحب بين طين ولحم» (الرواية - ستر- ص37).

فاستخدام فكرة التضاد بين المادة المخلوق منها آدم وهي مادة ميتة (الطين) في مقابل المادة الحية المخلوقة منها حواء (اللحم) إثراء للفكرة بالإضافة إلى أنها رؤية علمية إلى حد ما، ما لم نربطها بالمشاعر والأحاسيس.

فهي رؤية تبرر لنا إحساس المرأة العالي في الحب في مقابل تقلبات الرجل وتعدده. ولو تتبعنا ظاهرة التضاد لوجدناها على مستوى اللغة كما في خلق آدم وحواء ونجدها أيضا على مستوى الفكرة في عدة مواقع بالرواية لتبرز لنا من خلالها التناقض الموجود في نظرة المجتمع للمرأة والرجل. فعلى سبيل المثال، إظهار صورة الأخ ذلك الرجل الذي يتمتع بمطلق الحرية رغم فشله في إدارة حياته تقول: «وراء ذلك الزجاج لا تزال خيوط من بخور العود جامدة في الهواء من ليل أخيها، يسهر كل ليلة، يعاقر البخور والشعر، يكتب كلمات من جنس الألعاب النارية، توحي بالثورة لكنها لا تشعل نارا حقيقية، يقتحم مواقع الحوار على شبكة الإنترنت، يدخل في عراك لفظي مع كل الآراء الملتحمة والمحجبة والمحزمة بالديناميت ومع نضال السكاكين على رقاب المخطوفين في العراق وأفغانستان، يبصق على كل الشعارات نافثا كل الدخان العابق بصدره، يتنفس بخور خشب العود حوله (..) يستفز كل من يحضر مجلسا ويرجع لوكره، يعاقر المزيد من البخور حتى أصاب زوجته بالعقم، واستبدل هواء المدينة بغمام يغرق فيه ويتغرب» (الرواية - ستر- ص5).

وتقول في موضع آخر «مروان الذي لا يغادر إلا لعمله ويتسلل مختبئا لظلماته وبخوره وشاشته الفضية المفتوحة على صراعات الكون» (الرواية - ستر- ص6).

في مقابل صورتها هي المهمشة والمسلوبة في هذا العالم الذي لا يحتفي سواء بالرجل تنقلها لنا عبر حوارها مع أمها تقول: «أنت أيضا لن تغادري هذه الحجرة، هنا سجنك، ولن تغادريه بعد الآن إلا للعمل وبرفقتي، أخفرك في الذهاب والعودة....». ص8.

وهي تدرك أن الأم مدفوعة لهذا الدور فتقول: «وقد أدركت ما وراء النبرة، صوت الأم ملبوسا بأبخرة العود وسلطة الأخوة، صوت مسكون بقبيلة ذكور» ص9.

فالتناقض في الصورتين: أخ فرض على نفسه العزلة، رغم الحرية التي يملكها، أما هي ففرضت عليها العزلة والسجن رغم رغبتها في الحرية والانطلاق، من قبل أمها وهنا تنقلنا إلى قضية أخرى وهي المرأة ضد المرأة، تقول: «أمي، أتعرفين من أنتِ، أنتِ الضحية الأزلية في هذا البيت والآن تريدين مبادلتي الأدوار وتقمص الجلاد!» ص9.

معجم رجاء عالم اللغوي مليء بالإحباطات التي تنقلها لنا عبر روايتها (ستر) عن طريق لغة التضاد التي تزخر بها الرواية.

* أستاذ مشارك بقسم البلاغة والنقد الأدبي في جامعة الطائف (السعودية)، والمقال ضمن ورقة علمية شاركت بها في مهرجان (جواثي) الرابع في الأحساء الذي اختتم أول من أمس الخميس