اللحم التركي!

ميرزا الخويلدي

TT

كأن التاريخ ما زال جامدا على أبواب القاهرة سنة 1260م، حين وفد إليها 40 رجلا يحملون رسالة هولاكو إلى حاكمها سيف الدين قطز، تلك الرسالة التي ما زالت حتى اليوم تحمل كل شحنات التوحش والهمجية.

في تلك الرسالة أنذر ملك المغول هولاكو، حاكم مصر قطز بالتسليم لأمره والهرب، وإلا «فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق»، ولم ينس وهو الدموي المتوحش أن يطعم رسالته تلك بآيات القرآن الكريم، مثلما يفعل القتلة اليوم الذين يستخدمون كلام الله لتبرير أفعال الذبح والقتل وترويع الآمنين.

بالنسبة للمغول فقد هزموا في العام الذي وجهوا فيه ذلك الخطاب، في معركة عين جالوت. وهذا مصير التشدد، مهما طالت صولته وعلا صوته، فإنه إلى زوال، لأنه يسير بخلاف حركة التاريخ، وخلاف المسيرة نحو المستقبل.

لا تختلف رسالة هولاكو، عن خطابات بعض القادة الثوريين الإسلاميين، الذين أصبحوا اليوم يتصدرون المشهد الجهادي في كل مكان. فقبل أيام وجه أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» رسالة إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان، طالبه بالبيعة وإلا فإن لديه رجالا «ذاقوا أنواع اللحوم فما وجدوا أشهى من لحوم الأتراك».

ورغم سذاجة الرسالة، إلا أنها مقززة وتبعث على الاشمئزاز، وتكشف إلى أي منحدر وصل فيه هذا الفكر المتطرف الذي يستهويه قطع الرؤوس وتمزيق الأبدان وأكل اللحوم الآدمية.

تلك الرسالة، تستقي من خطاب التشدد. وهو خطاب خطير بذاته، لكنه يصبح فتاكا حين يقترن بالقوة. فالفكر المتطرف يمتلك قوة الدفع الذاتية، التي تكفي لجعل معتنقيه انتحاريين وعدميين، فكيف إذا امتلكوا ناصية القوة؟! عندها يتحول المغول إلى مجرد «هواة»، في طريق «داعش» وأخواتها.

هؤلاء أصبحوا الورطة الأكبر، والرزية الأعظم التي منيت بها حركة التحرر السورية. لكنهم يظهرون عوار الثقافة التي نحملها والقادرة في كل زمان على إفراز هكذا مجموعات، تتلطى بالدين وتستخدم آياته ونصوصه وطقوسه للفتك والتخريب والفساد.

فكلما هالنا صورة الذبح وتقطيع الرؤوس، علينا أن نراجع تراثنا ومناهجنا التعليمية، لأن بعض ما نرى مجرد مخرجات لتلك الثقافة التي نغذي بها أجيالنا.

وإذا كان المغول الأولون أسرى الصورة التي رسخوها في العالم عن سطوتهم وقوتهم وشكيمتهم وهيبتهم حتى سار الركبان بها وتناقلتها المجالس والروايات، وكانت نتيجتها أن البلدان كانت تتهاوى تحت أقدامهم حتى قبل أن يصلوا إليها، ولم تكن تحت أيديهم ما يملكه المتوحشون الجدد الذين استخدموا تقنيات الصورة والبث الفضائي في «كي الوعي» بقدراتهم في صناعة الموت، وتخريب البلدان.

ما يطمحون إليه هو أن نهابهم، فهم موجودون في كل وسائل التواصل الاجتماعي، وفي كل معاقل الثقافة والتعليم يحرسون ما يسمونه بـ«الثوابت»، ويكبلون حركة المجتمعات بقيودهم البالية، هم هناك كلما ارتفع صوت التطرف والقطيعة وتبرير الإرهاب ومنابذة الانفتاح والتطور والحداثة وترسيخ ثقافة العنف اللفظي والجسدي. وهم هناك يجنون ثمار هذه الثقافة دمارا وخرابا وفسادا.