«فاشن فور وورد».. الحدث الذي زاد دبي أناقة

الرغبة في الاختلاف والجدل بين مفهوم الذكورة والأنوثة السمة الغالبة

خوان لويس ساباجي (غيتي)
TT

بما أن مركز جاذبية الموضة لا يتوقف عن التغير والتحرك باتجاه أسواق جديدة، حسب توزع الثروات أو توفر الإبداع، فإن عواصم الموضة الأربعة، نيويورك، باريس، لندن وميلانو، ورغم مكانتها المحفوظة، لم تعد مركز الجذب الوحيدة في العالم بالنسبة للمصممين الشباب وصناع الموضة على حد سواء.

فمع الوقت، أكدت هذه الصناعة مكانتها للمشككين في مدى جدواها أو المتحاملين عليها، إنها تدر المليارات من الدولارات على اقتصاد أي بلد يتعامل معها بجدية. وهذا وحده كان كافيا لفتح شهية الكثير من بلدان العالم، من المكسيك إلى باكستان وستوكهولم إلى جنوب أفريقيا، على إطلاق أسبوع موضة خاص بها. أسبوع تحاول من خلاله أن ترعى مواهبها الصاعدة، على أمل أن يرتقوا بها ويكونوا السكين الذي تقتطع به قطعة من الكعكة التي تقدمها هذه الصناعة. وإذا كانت هناك وجهة تأخرت كثيرا عن ركوب هذه الموجة، رغم أن الكل كان يراهن عليها ويتوقع أن تدخل غمارها منذ عقد تقريبا، فهي دبي.

في العام الماضي فقط، قررت ألا يقتصر دورها على استهلاك الموضة فحسب، على أساس أنها لا تزال واحدة من أهم وجهات التسوق العالمي، وأن تدخل جانبها الإبداعي أيضا. وتحقق لها الأمر من خلال «فاشن فورورد»، الذي يحتضن مصممين عربا وشرق آسيويين مقيمين، ويقدم لهم منبرا على مدى ثلاثة أيام. صحيح أن الحدث لا يزال في عيون الكل، بمن فيه المنظمين، طفل لا يتعدى العام، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أنه ينمو ويتطور بسرعة. فدبي، كما نعرف، لها قدرات خارقة على اختصار الزمن بنظرتها المستقبلية وعدم ترددها في تطبيق الأفكار الملهمة، عدا أنه لا البريق ينقصها ولا الرغبة الجامحة في التفوق والتميز. وحتى في حال جربت بعض العواصم الأخرى، مثل باكو الأذربيجانية أو ألماتي الكازاخستانية أو ساو باولو البرازيلية، أن تسرق منها بعضا من هذا «البريق»، فإنها حتما ستجد المنافسة شرسة وصعبة. السبب أن دبي تتوفر على كل العناصر اللوجيستية والبشرية لكي يتكلل «فاشن فورورد» بالنجاح، بما في ذلك إثباته أنه مستعد لتدارك الأخطاء وتصحيحها بسرعة. في موسمه الثالث، مثلا، كثف كل الجهود لكي يستقطب ولأول مرة أكثر من 40 مشتريا من المنطقة. وغني عن القول إن هذه الخطوة ستعزز مكانته التجارية كما ستمنح المصممين المشاركين فيه دعما وفي الوقت ذاته دافعا قويا لبذل المزيد. فعرض أزياء لا تجد طريقها إلى المحلات، عملية عبثية.

انطلقت الفعالية يوم أول من أمس، الجمعة، بعروض مميزة بدأت من منتصف النهار إلى الساعة العاشرة مساء، وكانت أول من افتتحته مؤسسة «ستارش»، التي يرعاها ويشرف عليها المصمم ربيع كيروز، وهي مؤسسة تمنح مصممين مبتدئين فرصة العرض مع تقديم الدعم المعنوي واللوجيستي لهم. في الموسم الحالي، احتضنت المؤسسة مصممين هما تيمي حايك وأتولييه جو باكليني. هذا الأخير قدم مجموعة تتمتع بأسلوب «سبور»، تخاطب رجلا شابا يحب العملية والبساطة، كما يحب التفاصيل اللافتة، وهذا ما حصل عليه. فقد كانت هناك الكثير من الشورتات المفصلة بحواش مبتكرة، كذلك قمصان تزين أكمامها أو ياقاتها أو جانب من تبطينها نقشات بألوان مختلفة. ولأنه يريد أن يرسخ هذه اللمسة كجزء من أسلوبه، كررها أيضا في مجموعة نسائية محدودة شملت فساتين قصيرة وبسيطة جدا، لفتاة لا تريد الكثير من التعقيدات في حياتها. بالنسبة للمصممة تيمي حايك، فقد استعرضت قدراتها على صياغة قطع متقنة ببليسهات تظهر حينا في الجوانب فقط، وحينا آخر في كل القطعة مع احتفاظها دائما بمرونتها وسهولة حركتها. فهذه الشابة، التي سبق لها العمل مع مارك جايكوبس وجون تشارلز دو كاستلباجاك، وقامت بدورة تدريبية في دار ألكسندر ماكوين ومع المصممة ماريا كاترانتزو، أكدت أنها قادرة على التفصيل والتفنن في التفاصيل، وإذا كان هناك ما يؤخذ عليها، فقد يكون ما قدمته موجه لسوق غربي أولا وأخيرا. فالفتحات كانت عالية جدا حتى في التنورات القصيرة، كما أن الـ«تي - شيرتات» والقمصان كانت تعلو على الخصر تاركة جزءا لا يستهان به من البطن مكشوفا. مع ذلك، وبقليل من التنسيق المختلف، يمكن أن تأخذ التشكيلة وجوها أخرى، تناسب أكثر من بيئة، لأنها في الأساس تتمتع بمرونة لا تخفى على العين، ولمسات فنية ناعمة تجعل تصحيح هذا الأمر سهلا.

أما المصممتان أروى عبد الهادي وبسمة أبو غزالة، مؤسستا ماركة «كايج» فقدمتا مجموعة شبابية بكل المقاييس، يمكن ارتداؤها في كل المناسبات، وكان فيها المخمل البطل، سواء في فساتين النهار أو المساء والسهرة. افتتحتا العرض بشورت قصير جدا يكاد يختفي تحت جاكيت مفصل من البوكار، كان من الواضح أنه مستلهم من خزانة الرجل. وتأكد هذا الانطباع بعد أكثر من إطلالة، ظهرت فيها العارضات بربطات عنق «بابيون» تركت منسدلة على الجوانب دون أن تعقد، الأمر الذي ذكرنا بالإطلالة التي اعتمدتها النجمة أنجلينا جولي، منذ فترة قصيرة، وظهرت فيها بتوكسيدو من دار سان لوران. ذكرتنا أيضا، بأن 2014 هو عام الراحل إيف سان لوران الذي قدم للمرأة أزياء استوحاها من أزياء الرجل في الستينات من القرن الماضي، كان أقواها التوكسيدو، وبأن الجدل حول الأنوثة والرجولة بدأ مع آدم وحواء ولن ينتهي أبدا، الأمر الذي تعرفه الموضة وتعود إليه دائما بشكل أو بآخر. بالنسبة لأروى وبسمة لم يقتصر الأمر على الجاكيتات فحسب بل امتد إلى القمصان التي اكتسبت أنوثة ساحرة بعد أن تم تنسيقها مع تنورات قصيرة. لكن سرعان ما تغيرت الصورة لتحل محلها مجموعة شبابية أخذت شكل قمصان من البوبلين وفساتين من الجرسيه منسدلة للنهار وأخرى من البروكار محددة على الجسم للكوكتيل، فضلا عن بنطلونات عالية الخصر. بعدها ظهر المخمل في فستانين في غاية الأناقة موجهين للمساء والسهرة بالأسود والأخضر الزيتوني وتطريزاتهما الخفيفة.

لكن عندما يتعلق الأمر بالتفصيل الرجالي، فإن ماركة ذي إمبرور 1688The Emperor)) للإخوة الإيرانيين، فرحان وباباك وهامان غولكار، قدمت لنا فيه درسا يصعب نسيانه بسرعة، حيث أكد الإخوة الثلاثة أنهم لا يكتفون بمنح الرجل أزياء بأقمشة مترفة وتصاميم يتداخل فيها الكلاسيكي مع العصري، بل يتطلعون أن ينسوه حتى اسم «سافيل رو» البريطاني أو شركة «لورو بيانا» الإيطالية. وبالنظر إلى ما قدموه، فإنهم وفروا كل ما يحتاجه ويتطلع إليه، بلغة راقية تغنيه عن سواها وعن السفر بعيدا بحثا عن التميز. كان مثيرا، طوال العرض، مراقبة الحماس الذي كان يرتسم على وجوه الحضور عند ظهور كل عارض أو عارضة. وهم محقون في ذلك، لأن الصورة كانت جد رومانسية تلعب على صورة الجنتلمان الإنجليزي كما رسختها روايات جاين أوستن أو شخصية جاي غاتسبي في رواية «ذي غرايت غاتسبي». كانت ملهمة بكل تفاصيلها الغنية، وعلى ما يبدو أرادها الإخوة، أن تعكس شخصياتهم وتطلعاتهم كشباب يريدون التميز، ولا يروون مانعا في معانقة الرسمية على شرط عدم الوقوع في مطب التقليدي أو العادي. البنطلونات كانت قصيرة نوعا ما، السترات مزدوجة والصديرات مفصلة لتكمل إطلالة جنتلمان عصري، كذلك المعاطف، خصوصا تلك التي جاءت على شكل «كابات». لكن في حال لم ترق لك هذه السترات أو المعاطف، فهناك خيارات أخرى تتجسد في سترات بسحابات حول الجيوب ما يخفف من رسميتها، ومعاطف بتصميم كلاسيكي أضفوا عليها جرعة من الحداثة من خلال السحابات أيضا. لم ينسوا المرأة، وقدموا لها مجموعة من القطع المفصلة أغلبها مستوحى من عالم الرجل، تمثلت في قمصان بياقات عالية وصارمة مثل تلك التي يعتمدها الرجل عندما يريد استعمال ربطة عنق بعقدة سميكة، اتبعوها بمجموعة فساتين منسدلة بأنوثة تتراقص فيها البليسيهات مع معاطف خفيفة، كل ما فيها يصرخ بأنها ستجد طريقها للمحلات بسهولة لتتسلل منها إلى خزانة المرأة الأنيقة. بعبارة أخرى فهي مضمونة أكثر من التشكيلة التي قدمها المصمم اللبناني خوان لويس ساباجي، ويمكن القول إنها جريئة في بحثها عن الجديد المختلف. وسواء نجحت في بحثها هذا أم لا، فإن المؤكد أنها كانت تجريبية وهندسية تارة، رومانسية وحالمة تارة أخرى. المصمم لم يبالغ في حديث جانبي قبل عرضه عندما اعترف بأنه «لا يخاف المغامرة عندما يتعلق الأمر بتجربة أي جديد»، مضيفا أن أسلوبه تبلور مع الوقت وبعد عدة تجارب وليس وليد موسم واحد أو تجارب محدودة. يشرح: « يمكنني القول إن أسلوبي مختلف، قد يميل أحيانا إلى الدراما، لكنه يعكس رغبتي في خوض التحدي وتكسير القوالب المتعارف عليها». ويبدو أن الطبيعة ملهمته الدائمة، فبعد أن أطلق على تشكيلته في الصيف الماضي عنوان انتقام الطبيعة، غير اتجاهه هذه المرة وجعلها أكثر رحمة بالمرأة. بلو تربطها بها علاقة حب ورومانسية تجلت في تصاميم تعانق الجسم وتغطيه بالورد والأزهار المتفتحة بشتى الألوان والأشكال. افتتح عرضه بعدد من القطع التجريبية، استعرض فيها قدراته الفنية وخصوبة خياله، سرعان ما تلاها بقطع تغلب عليها فنية صادمة أحيانا وحرفية عالية، تجسدت في صور عناكب ونحل طرزت بأسلوب أضفى عليها أبعادا ثلاثية. نفس الأسلوب طبقها في ورود متنوعة، قد يكون القاسم المشترك بينها أنها لا تعترف بالحجم الصغير، وزرع المصمم بعضها على مجموع تنورة مستديرة تستحضر أسلوب ديور ودراميته التي بتنا نفتقدها بعد خروج جون غاليانو منها، أو صاغها بطيات أوريغامي ليزين بها جوانب فستان طويل أو يغطي بها الخصر. كما ظهرت في فستان غطت فيه وردة واحدة مجموع الصدر ونصف الوجه. القصة التي حكاها لنا خوان لويس ساباجي في هذه التشكيلة، تتمتع بكل عناصر الإبهار بمزجها الحرفية التقليدية بالتقنيات الحديثة من دون أن ينسى أن يضيف إليها جرعة قوية من الجرأة، كان الدافع إليها الرغبة في التميز والهروب من العادي.

بعد عرضه مباشرة، كان الموعد مع لمياء السديري، السعودية الشابة التي شاركت لأول مرة في «فاشن فورورد» ونجحت بامتياز، لأنها قدمت تشكيلة تتمتع برؤية واضحة وخطوط عصرية بسيطة تحترم المرأة وتخاطبها أيا كان أسلوبها أو عمرها. تريد لمياء أن تقنعك بأن مكمن قوتها هو الرسم على الأقمشة والتطريز، لكن ما لا تقوله أو ربما لا تعرفه، هو أنها تتمتع بنظرة ثاقبة عندما يتعلق الأمر باختيار الأقمشة وترجمتها في أشكال عصرية «سبور» أو مستوحاة من عالم الرجل، الأمر الذي تجلى هنا في مجموعة جاكيتات واسعة بسحابات، وأخرى مفصلة، لكن دائما بنقشات دقيقة، وباللونين الأبيض والأزرق بكل درجات هذا الأخير. تقول لمياء إن سيراميك «ديلفت» الهولندي الشهير، كان ملهمها، مضيفة أنها لم تكتف باستعمال كل درجات الأزرق من السماوي إلى النيلي والداكن، بل استنسخته كذلك في التطريزات المرصعة بالترتر والأحجار، والتي أخذت أشكال فسيفساء، أو المرسومة على بعض القطع المحددة على الجسم. ورغم الحيوية التي كانت تفوح من جوانب كل قطعة قدمتها، يبقى أجملها فستان سهرة طويل يبدو للوهلة الأولى، وكأنه مكون من قطعتين: تنورة مع جاكيت توكسيدو مطرز، ما إن تقترب العارضة حتى تكتشف أنه فستان تتشابك كل أجزائه مع بعض ليشكل تحفة جمعت فيها المصممة خبرتها في التفصيل الرجالي والتطريز مع استعداد لمعانقة أنوثة مفعمة بالرومانسية ظهرت في التنورة الطويلة المنسدلة على قماش الموسلين بالأسود.