التمرد في الشرق الأوكراني يتعزز رغم مساعي كييف للتهدئة

مئات الموالين لروسيا يحتلون مباني حكومية في ثلاث مدن على الأقل

مسلحان مواليان لروسيا يتحدثان إلى سائق سيارة عند نقطة تفتيش في الطريق الرابط بين مدينتي خاركيف ودونيتسك الواقعتين في شرق أوكرانيا أمس (أ.ف.ب)
TT

تزايدت مظاهر التمرد في مناطق الشرق الأوكراني، أمس، رغم الزيارة التي أداها رئيس الوزراء الأوكراني إلى تلك المناطق، ومحاولته نزع فتيل الأزمة الناجمة عن احتلال متظاهرين موالين لروسيا مباني حكومية ومطالبتهم بالانضمام إلى روسيا، أو على الأقل إجراء استفتاء حول توسيع الحكم الذاتي.

وذكرت الشرطة أن متظاهرين موالين لروسيا سيطروا أمس على مبنيين في مدينة سلافيانسك بشرق أوكرانيا، يضم أحدهما المقر المحلي لجهاز أمن الدولة. ولم يواجه المتظاهرون الذين كانوا يحملون هراوات وناهز عددهم مائتين أي مقاومة، فيما شوهد عشرات من عناصر شرطة مكافحة الشغب أرسلوا إلى المكان لحماية المبنى يضعون أشرطة برتقالية وسوداء بلوني المؤيدين لروسيا.

وعموما، بات مئات الناشطين الموالين لروسيا يحتلون مباني عامة في عدد من مدن الشرق الأوكراني، رغم توجه رئيس الوزراء آرسيني ياتسينيوك إلى دونيتسك، إحدى كبرى مدن شرق أوكرانيا الناطق بالروسية، أول من أمس، وتقديمه وعودا بمنح تلك المدن صلاحيات أوسع وعدم ملاحقة أي من المسلحين في حال سلموا أسلحتهم. ويحتل هؤلاء الناشطون وبعضهم مسلح، منذ الأحد الماضي، مقر الإدارة المحلية في دونيتسك ومقر أجهزة الأمن في لوغانسك، وهما مدينتان كبيرتان في شرق أوكرانيا تقعان على بضع عشرات الكيلومترات من الحدود الروسية.

من جانبها، قالت وزارة الخارجية الروسية، أمس، إن تهديد السلطات الأوكرانية الموالية لأوروبا بمهاجمة المتظاهرين الموالين لموسكو والذين استولوا على مقار عامة جديدة في شرق أوكرانيا، أمر «لا يمكن قبوله». وذكرت الخارجية الروسية في بيان أنه خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية سيرغي لافروف ونظيره الأوكراني أندريه ديشتشيتسا «شدد الجانب الروسي على مسؤولية السلطات الحالية في كييف عن منع أي لجوء إلى القوة في جنوب وجنوب شرقي أوكرانيا». وأضاف البيان أن «تهديدات كييف الدائمة بشن هجوم على المباني التي احتلها المتظاهرون في دونيتسك ولوغانسك لا يمكن القبول بها». ودعا لافروف الجانب الأوكراني إلى «التحرك فقط في شكل سلمي، عبر الحوار، مع أخذ المطالب المشروعة لجنوب وجنوب شرقي أوكرانيا في الاعتبار، بما في ذلك مشاركة ممثلين لهذه المناطق في عملية الإصلاح الدستوري».

وكان وزير الداخلية الأوكراني آرسين افاكوف هدد في وقت سابق الانفصاليين باستخدام القوة في حال عدم تسليمهم أسلحتهم. لكن تحرك الحكومة الأوكرانية حمل مساعي للتهدئة أيضا. فقد أدى رئيس الوزراء ياتسينيوك أول من أمس زيارة إلى دونيتسك وقدم ضمانات قد لا ترضي الأكثر تطرفا من بين الموالين لروسيا. وقال ياتسينيوك إن «الحل لا يجري عبر القوة» وعرض تقديم ضمانات إلى الانفصاليين. وتعهد بأن يقترح قبل الانتخابات الرئاسية المبكرة في 25 مايو (أيار) المقبل إجراء تعديلات دستورية لـ«ضمان توازن السلطة بين السلطة المركزية والمناطق» قبل الانتخابات الرئاسية في 25 مايو. كما تعهد بعدم المساس بالقوانين التي تعطي اللغات الأخرى غير الأوكرانية صفة رسمية. وقال إن «أحدا لن يسعى بأي ذريعة إلى الحد من استخدام لغة شائعة».

إلا أن الانفصاليين المدعومين من موسكو يطالبون بإدراج النظام الفيدرالي في الدستور، وهو ما ترفضه كييف، وترى أنه يفسح المجال أمام تمزيق البلاد، ولذلك فهي ترفض أن تذهب أبعد من النظام «اللامركزي». ولم يجر ياتسينيوك أي اتصال مباشر مع الانفصاليين، إلا أن رينات أحمدوف، أغنى رجل في البلاد والذي يتمتع بنفوذ كبير في المنطقة، لعب دور الوسيط.

وفي الوقت الذي هددت فيه كييف وواشنطن الاستخبارات الروسية بالوقوف وراء الاضطرابات في الشرق، أكد وزير الخارجية الروسي أول من أمس أن موسكو «ليس لديها عملاء ولا عسكريون» في المنطقة. ورد لافروف على اتهامات واشنطن وكييف قائلا إن «التحريض على مشاعر معادية لروسيا على خلفية عنصرية وكراهية للأجانب في العديد من دول الاتحاد الأوروبي وتزايد عدد المجموعات القومية المتطرفة والتساهل إزاء النازية الجديدة سواء في أوكرانيا أو في أماكن أخرى يهدد بشكل واضح استقرار أوروبا».

ويخشى الغرب وكييف من أن يشهد شرق أوكرانيا سيناريو مشابها لما حصل في القرم شبه الجزيرة الأوكرانية التي ألحقت بروسيا في مارس (آذار) الماضي بعد استطلاع للرأي لم يعترفا به.

وفي محاولة لحل الأزمة بين الشرق والغرب والتي أثارتها الأحداث في أوكرانيا وهي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الباردة، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية انعقاد اجتماع رباعي في 17 أبريل (نيسان) الحالي في جنيف بين أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وأضافت الوزارة أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري سيتوجه إلى جنيف «لمواصلة جهود نزع فتيل الأزمة في أوكرانيا وإيجاد حل دبلوماسي». وكان مبدأ عقد هذا الاجتماع أعلن هذا الأسبوع، وتوافق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الأميركي جون كيري على إجراء «مشاورات مباشرة». ويفترض أن يمثل أوكرانيا في جنيف وزير خارجيتها أندري ديشتشيتسا، وأن تمثل كاثرين أشتون الاتحاد الأوروبي.

وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، أول من أمس، فرض عقوبات على سبعة أشخاص سبق أن عاقبهم الاتحاد الأوروبي، هم ستة مسؤولين في القرم ومسؤول أوكراني سابق، إضافة إلى مجموعة غاز في القرم. وقال مساعد وزير الخزانة الأميركي ديفيد كوهين إن «القرم أرض محتلة. سنواصل فرض عقوبات على من يستمرون في انتهاك سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها».