«الميادين» تعيد النظر بعملها في سوريا بعد «سحب تسهيلات» سابقة لتغطيتها الخبرية

وصولها إلى الميدان قبل التلفزيون السوري أبرز دور حزب الله في المعارك

صورة أرشيفية لمذيعة بقناة الميادين خلال تقديمها لنشرة الأخبار
TT

سحبت قناة «الميادين» المؤيدة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، مراسلتها من دمشق ديما ناصيف وأوقفت بث برنامج «حديث دمشق»، وقلصت تغطيتها في سوريا، على خلفية إجراءات جديدة اتخذتها وزارة الإعلام السورية والأجهزة الأمنية الرسمية بحق وسائل الإعلام الأجنبية. وطالت الإجراءات السورية الجديدة جميع وسائل الإعلام غير السورية التي تعمل ضمن نطاق البلاد، بينها «الصديقة» مثل قناة «المنار» التابعة لحزب الله اللبناني و«الميادين».

وبحسب معلومات لـ«الشرق الأوسط»، فإن وزارة الإعلام السورية أبلغت مراسلة «الميادين» في دمشق ديما ناصيف قرارها بمنع البث المباشر «قبل الحصول على إذن مسبق» من شعبة الأمن السياسي ووزارة الإعلام الرسمية، وهو ما يتعارض مع سياسة المحطة التي اعتبرت الأمر تقويضا لحرية حركة مراسليها في دمشق، فسحبت المراسلة اعتراضا. وتساهم الإجراءات التي جددت السلطات السورية فرضها على وسائل الإعلام، في «تقويض حركة وسائل الإعلام، وعرقلة تغطيتها»، كما تقول مصادر متابعة للملف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، نظرا لأن السلطات السورية، أوقفت «التساهل» مع وسائل الإعلام في طريقة التحرك داخل أراضيها. وجددت السلطات فرضها على وسائل الإعلام الحصول على إذن من إدارة الأمن السياسي ووزارة الإعلام، لقاء تغطيتها أي من الأحداث في سوريا.

وكانت تلك التدابير سارية المفعول قبل اشتعال الأزمة السورية، وخلالها، غير أن وسائل إعلام مؤيدة للنظام السورية، بينها «الميادين» التي يرأس مجلس إدارتها غسان بن جدو، وقناة «المنار» اللبنانية، خرقت تلك التدابير بتسهيلات من السلطات السورية. وبرز دور تلك المحطات بشكل فاعل في معارك القلمون بريف دمشق الشمالي، حيث سارعت «الميادين» و«المنار» إلى نقل الأخبار قبل أن يصل مراسلو المحطات السورية الرسمية.

وتضاربت الأنباء حول أسباب تجديد سلطات دمشق فرض تدابيرها الأمنية على وسائل الإعلام الأجنبية. وبينما تشير معلومات إلى أن النظام السوري أراد «وضع حد للتغطيات التي لا تتناسب مع سياسته»، أشارت معلومات أخرى إلى أن الخطوة جاءت على ضوء مطالب وسائل الإعلام الرسمية بـ«تقويض» سرعة وصول وسائل الإعلام الأخرى إلى الحدث. وجاء اعتراض وسائل الإعلام الرسمية على ضوء ما سمته «تهميشا» لدورها في حصرية نقل الأحداث، إضافة إلى أن بث الأخبار العاجلة عبر وسائل إعلام مقربة يوحي بأن القوات العسكرية الموالية للنظام السوري، وأهمها حزب الله، «تحسم المعارك قبل وصول القوات النظامية».

وازدادت السلطات السورية قناعة بوجهة النظر الأخيرة، بعدما نقل التلفزيون السوري خبرا من القلمون عن قناة «الميادين»، وهو ما اعتبر «فضيحة للتلفزيون السوري». كما بثّ تلفزيون «المنار» صورا حصرية لكمين العتيبة بريف دمشق الذي ذهب ضحيته نحو 170 مقاتلا معارضا، فيما لم يبث التلفزيون السوري تلك الصور، كي لا تُنقل عن «المنار». ويشارك حزب الله في القتال إلى جانب القوات الحكومية السورية، وساهمت مشاركته في استعادة القوات الحكومية السيطرة على مناطق واسعة في القصير بريف حمص الجنوبي، والقلمون بريف دمشق الشمالي. ومن المعروف أن حزب الله يمتلك ذراعا إعلاميا يُعرف باسم «الإعلام الحربي» وأنشأه في الثمانينات من القرن الماضي، وساهم في تصوير العمليات التي كان ينفذها الحزب ضد إسرائيل. وعزز وجود «الإعلام الحربي» الاعتقاد بأن «المنار» تبث من الميدان حيث يصل مقاتلو حزب الله قبل القوات الحكومية السورية.

وتضاعف ذلك الاعتقاد مع ما نُسب إلى المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان بأنها «انتقدت وسائل إعلام صديقة بثت مقابلات وتقارير تشير إلى دور رئيس لدول وأحزاب في صمود سوريا»، لكن شعبان نفت ذلك عبر قناة «الميادين» أمس، مؤكدة أن الصفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» التي حملت التصريح، لا تمت إليها بصلة، قائلة إن من اختلق الصفحة زورا باسمها، وروّج هذا الخبر «يسعى للاصطياد بالماء العكر، ويحرض على سوء العلاقة مع وسائل الإعلام الصديقة».

لكن ذلك لم ينفِ وجود مشكلة بين السلطات الأمنية السورية والقنوات التلفزيونية. فقد اختفى البث المباشر لأخبار سوريا عن قناة «المنار»، كما اختفى عن قناة «الميادين» التي سحبت مراسلتها إلى بيروت، وخففت من عدد موظفيها في مكتبها بالعاصمة السورية، فضلا عن إيقاف برنامج «حديث دمشق» عن شاشتها. والواضح أن «الميادين» «شعرت بتقويض مساحة الحرية لديها»، كما تقول مصادر متابعة للقضية لـ«الشرق الأوسط»، كما «اصطدمت مع العقل الأمني السوري»، ذلك أن المحطة التي اختارت الرئيس السوري بشار الأسد شخصية عام 2013 قبل أسبوعين، «حققت أكثر من سبق قد يكون سببا في إعادة التشديد بالقوانين، وهو ما يضاعف الاعتقاد بأن التسهيلات التي حصلت عليها تتناقض مع النظام الأمني السوري».

وفي المقابل، نفت مصادر مقربة من المحطة، أي إشكال مع السلطات السورية. وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن القناة «تعيد النظر بكيفية تصوير تقاريرها في البلاد»، كما «تجري إعادة تنظيم لطريقة عملها في البلاد»، مشددة على أنها «تنقل وجهة النظر الرسمية ووجهة نظر المعارضة بتوازن». وإذ استدلت في نفي أي مشكلة مع دمشق، بظهور شعبان على شاشتها لنفي كتابتها في صفحة «فيسبوك» مزعومة، أكدت المصادر أن برنامج «حديث دمشق» «سيعود إلى البث بعد انتهاء الانتخابات العراقية التي تغطيها القناة بشكل متواصل، وكان إيقاف البرنامج فرصة لتعزيز وجود المحطة في المشهد العراقي حتى حققت نسبة مشاهدة عالية جدا في العراق». ويلتقي توضيح المصادر مع ما أعلنه وزير الإعلام السوري عمران الزغبي عبر قناة «المنار»، إذ أكد «إننا نحترم قناة المنار لأنها قناة مقاومة، وكذلك نحترم قناة الميادين لأنها قناة قومية، ولكن المسألة هي تنظيمية بحتة».