إيران تعلن رفض اختيار مندوب جديد لها لدى الأمم المتحدة.. وتبحث عن بديل خلف الكواليس

مصادر رسمية تؤكد لـ «الشرق الأوسط» عدم رغبة روحاني التصعيد مع واشنطن رغم التصريحات الإعلامية

صورة وزعها مكتب الرئيس الإيراني للمرشح أبو طالبي (أ.ب)
TT

دخلت أزمة اختيار مندوب إيراني جديد لدى الأمم المتحدة منعطفا جديدا أمس، مع رفض الحكومة الإيرانية علنا اختيار بديل لحميد أبو طالبي رغم الاحتجاجات الأميركية. إلا ان مصادر إيرانية رسمية أكدت لـ»الشرق الأوسط» أمس أن البحث جاريا خلف الكواليس عن مرشح جديد لملئ المنصب الحساس.

وقالت طهران علنا أيضا إنها تدرس الخيارات القانونية في هذا الخلاف الذي يرخي بظلاله على تحسن محدود في العلاقات مع الولايات المتحدة بعد عقود من العداء في أعقاب اقتحام السفارة الأميركية في طهران عام 1979 وأزمة احتجاز الرهائن.

وكانت الولايات المتحدة أعلنت أول من أمس أنها لن تمنح تأشيرة دخول لحميد أبو طالبي على خلفية ضلوعه المفترض في أزمة احتجاز الرهائن الأميركيين بعد بضعة أشهر على الثورة الإسلامية في طهران عام 1979.

غير أن نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أعلن أمس أن إيران لا تفكر في أي بديل محتمل لأبو طالبي، الدبلوماسي صاحب الخبرة الذي حضر في السابق جلسات في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. وكان أبو طالبي سفيرا لإيران لدى أستراليا وإيطاليا وبلجيكا. وقال عباس عراقجي لوكالة أنباء فارس أمس إن مرشح وزارة الخارجية الإيرانية لتولي منصب ممثلية إيران الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك هو أبو طالبي فقط، وإن وزارة الخارجية ليس لها أي مرشح آخر غيره. ويأتي هذا التصريح في الوقت الذي بثت فيه بعض وسائل الإعلام أخيرا أنباء أشارت إلى احتمال ترشيح شخص آخر بدلا من أبو طالبي لتولي هذا المنصب.

وعلى الرغم من تصريحات نائب وزير الخارجية الإيراني بعدم ترشيح شخص آخر بدلا من أبو طالبي، فإن مصادر رسمية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس الإيراني حسين روحاني يفكر بترشيح سفير آخر لإيران في المنظمة الدولية في نيويورك بدلا من التصعيد مع الإدارة الأميركية والوصول معها إلى أزمة في العلاقات.

وكشفت هذه المصادر التي طلبت عدم ذكر اسمها أن دائرة البحث عن مرشح جديد محصورة في فريق التفاوض النووي المسؤول عن التفاوض بقيادة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا حول البرنامج النووي. وأضافت المصادر أن أقرب المرشحين لهذا المنصب هو عراقجي، ولكن من الممكن ترشيح أحد زملائه داخل فريق التفاوض المقرب من ظريف.

ويشكل رفض منح التأشيرة تحديا لمساعي الرئيس الأميركي باراك أوباما في تحقيق اختراق دبلوماسي واتفاق شامل متعلق ببرنامج إيران النووي المثير للجدل. وأفادت المصادر المطلعة على النقاش الدائر في طهران حول المرشح لمنصب المندوب لدى الأمم المتحدة لـ»الشرق الأوسط» أن روحاني حريص على عدم التأثير على مسار المفاوضات مع الأميركيين وتحسين الأجواء الدبلوماسية، مما يدفعه إلى عدم التصعيد في الأزمة، على الرغم من أن أبو طالبي مقربا له شخصيا. والولايات المتحدة ملتزمة، بصفتها الدولة المضيفة، منح تأشيرات دخول إلى الدبلوماسيين الذين يعملون في نيويورك مقر الأمم المتحدة. ولم يسبق أن رفضت واشنطن منح تأشيرة دخول لسفير لدى الأمم المتحدة، لكن طهران تراجعت عن تعيين سفير مطلع تسعينات القرن الماضي.

والضغوط السياسية القوية من الكونغرس الذي أقر بغالبية ساحقة قانونا يمنع أبو طالبي من دخول أراضي الولايات المتحدة إضافة إلى تزايد الشكوك بشأن سياسة أوباما حيال الملف النووي الإيراني، وضعت البيت الأبيض في موقف صعب.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني أول من أمس: «أبلغنا الأمم المتحدة وإيران أننا لن نصدر تأشيرة للسيد أبو طالبي»، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. ويدرس محامو البيت الأبيض التبعات الدستورية للقانون الذي وصل إلى مكتب أوباما الخميس. ولم يوضح كارني ما إذا كان الرئيس سيوقعه، لكنه أضاف: «نحن بالتأكيد موافقون على مضمون القانون الذي أقره الكونغرس».

وينص القانون الذي أقره الكونغرس على تعديلات للقانون الحالي لإجازات العلاقات الخارجية تسمح لواشنطن بالامتناع عن منح تأشيرات لأفراد «قاموا بنشاط إرهابي ضد الولايات المتحدة».

وقال كارني إنه «ليس هناك أي سبب يدفعنا إلى اعتقاد أن هذا الخلاف بين طهران وواشنطن حول السفير الإيراني سيؤثر على تقدم المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى»، بما فيها الولايات المتحدة، بشأن البرنامج النووي الإيراني. ويدل هذا الخلاف على أن أزمة الرهائن في إيران، حيث احتجز 52 دبلوماسيا أميركيا 444 يوما في طهران، ما زالت تؤثر على نظرة الولايات المتحدة إلى الجمهورية الإسلامية وتؤثر على مسار تطبيع العلاقات بين البلدين.

ولم يشر كارني ولا وزارة الخارجية مباشرة إلى أن قرار عدم منح تأشيرة دخول لأبو طالبي مرتبط بالاشتباه بدوره في عملية احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين في 1979، لكنهما أشارا إلى المعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام عن خلفيته. وكانت إيران انتقدت تصريحات أميركية سابقة عدت اختيار طالبي «غير قابل للتنفيذ». وقال مسؤول بارز في وزارة الخارجية إنه لا يزال أمام إيران الوقت لسحب التعيين.

ويؤكد أبو طالبي الذي يتولى حاليا الشؤون السياسية في مكتب روحاني، أنه لم يشارك في أزمة الرهائن في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 عندما قامت مجموعة من الطلاب بالسيطرة على السفارة الأميركية بعد تسعة أشهر من الإطاحة بالشاه المؤيد للغرب.

وبعض المشاركين في عملية احتجاز الرهائن هم اليوم من المعتدلين أو الإصلاحيين، ومن بينهم نائبة الرئيس لشؤون البيئة معصومة ابتكار، واحدة من ثلاث نساء في الحكومة. وأقر أبو طالبي بدور محدود له في العمل مترجما للطلاب الذين احتجزوا الأميركيين.

لكن أعضاء الكونغرس الذين تبنوا القانون اعتبروا أبو طالبي”إرهابيا» وأكدوا أنه يجب إلا يسمح له بالتنقل في شوارع نيويورك بحصانة دبلوماسية.

وأشاد السيناتور الديمقراطي الأميركي تشارلز شامر بموقف البيت الأبيض إزاء أبو طالبي. وقال في بيان أن هذا”التعيين كان سيشكل صفعة ليس فقط لرهائن 1979 بل أيضا لضحايا الإرهاب من الأميركيين». وأضاف:”على إيران أن تكف عن هذه الالاعيب الصغيرة».

ويبلغ أبو طالبي من العمر 57 عاما ويحمل شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع التاريخي من جامعة ليون الفرنسية. ويشغل محمد خزاعي مقعد ممثل إيران في منظمة الأمم المتحدة لغاية الآن.