أوكرانيا المهددة بفقدان مناطقها الشرقية تختار الهجوم ضد الموالين لروسيا

واشنطن تتهم موسكو بالضلوع في الأحداث الأخيرة وتلوح بتشديد العقوبات

متظاهرون موالون لروسيا ينهالون على ناشط مؤيد للغرب ضربا في مدينة خاركيف الشرقية أمس (أ.ب)
TT

أعلنت الحكومة الأوكرانية التي تواجه حركات تمرد مسلحة من قبل مؤيدين لروسيا في مدن الشرق، أنها بدأت أمس عملية «لمكافحة الإرهاب» لاستعادة تلك المدن أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. وجاء هذا فيما تحدثت واشنطن عن وجود «مؤشرات على ضلوع موسكو» في الأحداث الأخيرة بالشرق الأوكراني، متوعدة بعقوبات جديدة في حال استمر الأمر على هذا النحو.

قال وزير الداخلية الأوكراني أرسين أفاكوف على صفحته على «فيسبوك» في رسالة من سطرين بأن «عملية مكافحة الإرهاب بدأت في سلافيانسك» التي استولى فيها مسلحون أول من أمس على مبان للشرطة وأجهزة الأمن. ثم تحدث الوزير عن «قتلى وجرحى من الجانبين»، هم قتيل وخمسة جرحى في الجانب الأوكراني و«عدد غير محدد» لدى الانفصاليين، مؤكدا أن القوات الموالية لكييف «تتجمع».

وكان ناشطون موالون لموسكو شنوا أول من أمس، هجوما في الشرق واستولوا بشكل شبه كامل على مدينة سلافيانسك. وهذه المجموعات مجهزة ومنظمة جيدا لكنها لا تحمل أي شعار يدل على انتمائها. ورفع المهاجمون في سلافيانسك العلم الروسي وتلقوا دعم قسم كبير من السكان الذين احتشدوا أمام المباني وهم يهتفون «روسيا، روسيا». وأظهر المتظاهرون عداء شديدا حيال الصحافيين الأجانب حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.

وكان أفاكوف تحدث مساء أول من أمس عن «عدوان» روسي بعد سلسلة من الهجمات المنسقة على ما يبدو طوال النهار استهدفت مباني عامة في شرق أوكرانيا الناطق بالروسية والمجاور لروسيا. كما تحدث عن معارك في عدة بلدات من دون أن يشير إلى سقوط ضحايا.

وبعد سلسلة أولى من عمليات التمرد في السادس من أبريل (نيسان) الحالي، أعلن موالون لروسيا في دونيتسك كبرى مدن الشرق «جمهورية ذات سيادة»، مع أنهم لا يسيطرون سوى على مبنيين. وهم يطالبون بإلحاقهم بروسيا أو على الأقل بتعديل الدستور الأوكراني لينص على الفيدرالية من أجل منح المناطق سلطات واسعة. وترفض حكومة كييف ذلك وتعده تمهيدا لتفكك البلاد، وهي لا تقبل سوى «بإلغاء المركزية».

وحشدت روسيا حتى أربعين ألف جندي على الحدود بحسب حلف شمال الأطلسي، وهي لم تعترف بالحكومة المؤقتة الموالية لأوروبا التي وصلت إلى السلطة بعد إطاحة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وحذرتها من قمع هذه الاضطرابات. وكان أفاكوف أعلن أن الرئيس الانتقالي أولكسندر تورتشينوف الذي يتولى السلطة منذ إطاحة النظام الموالي لروسيا في نهاية فبراير (شباط) الماضي، ترأس اجتماعا لمجلس الأمن مساء أول من أمس، وانتهى الاجتماع بعيد منتصف ليل السبت الأحد من دون أي إعلان. واكتفى بيان بالإشارة إلى أن «المشاركين درسوا المسائل والإجراءات المرتبطة بتطبيع الوضع في شرق أوكرانيا».

وتشبه هذه الهجمات التي يشنها مسلحون يرتدون زيا عسكريا غير مميز وهم منظمون جيدا، السيناريو الذي وقع في مارس (آذار) الماضي في القرم، ما ينذر بأن تتخذ روسيا التي حشدت أربعين ألف جندي عند الحدود، هذه الاضطرابات ذريعة للتدخل داخل أراضي جارتها. وكتب سفير الولايات المتحدة في كييف جوفري بيات على شبكة «تويتر» أن المهاجمين «مجهزون بأسلحة روسية وحتى ببزات عسكرية كالتي ترتديها القوات الروسية التي اجتاحت القرم».

ولم تعترف موسكو بالحكومة الانتقالية الأوكرانية التي تولت السلطة بعد الإطاحة بالرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش في فبراير الماضي إثر مظاهرات دامية في كييف وحذرت روسيا السبت أوكرانيا من اللجوء إلى القوة ضد الانفصاليين.

من جهة أخرى، حث ناشطون موالون لأوروبا وقوميون بمن فيهم ناشطون من حزب «برافي سكتور» الذي يصفه الموالون لروسيا «بالفاشي»، على التحرك. ووجهت واشنطن مساء أول من أمس، تحذيرا إلى موسكو.

من جانبها علقت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامنتا باور، خلال حديث لشبكة «إيه بي سي» الإخبارية أمس، بقوله إن الأحداث الأخيرة في الشرق الأوكراني «تحمل كل المؤشرات التي شاهدناها (سابقا) في القرم، ما يحصل محترف ومنسق. ليس ثمة عوامل محلية هنا. في كل من المدن الست أو السبع حيث تنشط، هذه القوى تقوم تماما بالأمر نفسه. إذن من دون أدنى شك، هذا يتضمن مؤشرات إلى ضلوع موسكو». وأوضحت باور أن العقوبات التي فرضتها واشنطن بحق عدد من الشركات والمسؤولين الروس «دفعت الروبل إلى أدنى مستوى له تاريخيا» وإلى تراجع البورصة الروسية «بنسبة عشرين في المائة» وإلى هروب الاستثمارات. وأضافت: «تبين لنا أن العقوبات يمكن أن تلحق ضررا. وإذا استمرت هذه التحركات (الروسية) فسنرى تشديدا لهذه العقوبات».

وكان مسؤول كبير في الخارجية الأميركية قال: إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري حذر في اتصال هاتفي أول من أمس نظيره الروسي سيرغي لافروف من أن موسكو ستواجه «عواقب إضافية» في حال لم يتراجع التوتر مع أوكرانيا المجاورة ولم تنسحب القوات الروسية من الحدود بين البلدين. ومن جانبها أعلنت فرنسا أمس أن باريس ستدعو إلى «عقوبات جديدة في حال وقع تصعيد عسكري» في أوكرانيا.

وتنفي روسيا أي مسؤولية في تلك الاضطرابات، إذ أكد لافروف أول من أمس مجددا أن موسكو لا تنوي البتة إلحاق مناطق شرق أوكرانيا بروسيا. وعبر كيري للافروف عن «قلقه العميق» لأن الهجمات التي شنها أول من أمس ناشطون ومسلحون جرى «تنظيمها وترتيبها بالطريقة نفسها كالهجمات السابقة في شرق أوكرانيا والقرم»، بينما دان البيت الأبيض «الحملات المنظمة للتحريض على زعزعة الاستقرار والتخريب». وأعلن البيت الأبيض أن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن سيزور أوكرانيا يوم 22 أبريل الحالي لتأكيد الدعم الأميركي لكييف واتخاذ إجراءات من أجل تحسين أمن الطاقة في هذا البلد في إطار الأزمة مع روسيا المجاورة.

من جهته، عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن قلقه الكبير من «المخاطر المتزايدة لحدوث مواجهات عنيفة»، داعيا كل أطراف الأزمة في أوكرانيا إلى «إظهار أكبر قدر من ضبط النفس». ودعا بان مجددا إلى «إجراء حوار بناء بشكل عاجل من أجل تخفيف التوتر وحل جميع الخلافات»، مؤكدا أن الأمم المتحدة «مستعدة لدعم أي حل سلمي للأزمة الراهنة في أوكرانيا». وأعلن عن مباحثات بين روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الخميس المقبل في جنيف، لكن روسيا أعلنت أول من أمس أنه لم يتقرر أي شيء لا سيما بشأن «صيغة» المباحثات وشددت على ضرورة أن يتمتع الموالون لروسيا بإمكانية التمثيل وطرح «مطالبهم المشروعة».

وصعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع وتيرة الأزمة وهي الأسوأ بين الشرق والغرب منذ نهاية الحرب الباردة، بالتحذير من أنها قد تعرض إلى الخطر إمدادات أوروبا من الغار.