تقرير: الاقتصاد العالمي يتطلب بقاء أسعار الفائدة متدنية لتؤهله للنمو

تفيد الأسواق الناشئة وتزيد من الطلب على السندات

TT

منذ الأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي في 2008، أبقت البنوك المركزية سياساتها النقدية متساهلة بشكل كبير، وخصوصا في الاقتصادات المتقدمة، حتى تدعم تعافيها البطيء.

ووظفت البنوك المركزية أداتين رئيستين للسياسة النقدية، أولهما إبقاء أسعار الفائدة منخفضة، وثانيهما شراء أصول مثل السندات، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على السندات وبالتالي ارتفاع أسعارها وانخفاض عوائدها.

وبالفعل، خفضت البنوك المركزية لدول مجموعة الثلاث (الولايات المتحدة الأميركية ومنطقة اليورو واليابان) أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية تقترب من الصفر، في حين يضخ كل من الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الياباني السيولة من خلال برامج شراء الأصول، وقد يتبعهم البنك المركزي الأوروبي قريبا في مثل هذه الخطوة.

وستكون النتيجة النهائية بيئة من أسعار الفائدة المنخفضة في السوق، ونظرا للروابط المالية والتجارية العالمية القوية، استفادت الاقتصادات الناشئة أيضا من هذه الأسعار المنخفضة للفائدة. وتبين مؤشرات أسعار بنك أوف أميركا ميرل لينش (BAML) الأسعار المنخفضة بشكل قياسي. هذه المؤشرات تتبع الطلب على السندات، وتزيد عند ارتفاع الطلب والأسعار. ولأن السندات تقدم دفعات ثابتة، فارتفاع الأسعار يعني انخفاض العوائد، أو أسعار الفائدة، التي تقدمها تلك السندات.

وارتفع مؤشر بنك أوف أميركا ميرل لينش، لأسعار السندات السيادية لاقتصادات مجموعة السبع (الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا واليابان) بشكل ملحوظ منذ الأزمة. وبسبب العلاقة العكسية بين أسعار السندات وعوائدها، فالزيادة التدريجية في أسعار السندات تعني أن العوائد وأسعار الفائدة تراجعت في مجموعة السبع.

ويشير الطلب القوي على السندات السيادية في مجموعة السبع إلى أنه على الرغم من توافر السيولة، فإن المستثمرين لا يزالون حذرين بشأن الأسواق المالية.

وقد أظهرت الأسواق اهتماما متزايدا في السندات السيادية الأكثر أمانا بطبيعتها. فمنذ الأزمة المالية العالمية في عامي 2007 و2008، زادت قيمة سندات مجموعة السبع أكثر من 30 في المائة. كما اضطرت دول مجلس التعاون الخليجي أن تبقى أسعار الفائدة منخفضة، حيث إن عملات أغلب هذه الدول مربوطة إلى الدولار.

وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة التي تضعها البنوك المركزية نسبيا، وغياب أي برنامج لشراء الأصول، انخفضت كذلك أسعار الفائدة في الأسواق الناشئة. وبحسب بنك أوف أميركا ميرل لينش، كان للسندات السيادية في الأسواق الناشئة تحرك مشابه للسندات السيادية في الاقتصادات المتقدمة. وزادت أسعار السندات السيادية في الأسواق الناشئة بأكثر من 60 في المائة منذ منتصف عام 2007. وتفوقت آسيا الناشئة على الاقتصادات الناشئة الأخرى، حيث زادت قيمتها بنحو 80 في المائة خلال تلك الفترة. وهذا أمر إيجابي جدا بالنسبة للاقتصاد العالمي، حيث يشير إلى أن المقرضين للصناديق السيادية في الأسواق الناشئة، وخصوصا للحكومات الآسيوية، يشعرون بالثقة في أن أموالهم سيجري تحصيلها.

والأهم من ذلك، أن انخفاض أسعار الفائدة للسندات السيادية يعني أن توقعات التضخم لا تزال منخفضة. فالمقرضون مستعدون لتلقي أسعار فائدة منخفضة على ديونهم طويلة الأجل لأنهم لا يتوقعون أن يرتفع التضخم، مما يقلل مكاسبهم من أسعار الفائدة، في الوقت القريب.

ويعود السبب الأساسي في التوقعات المنخفضة للتضخم إلى بيئة النمو التي لا تبلغ إمكاناتها، وهذا ما اضطر البنوك المركزية إلى شراء المزيد من الأصول لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة. في هذا السياق، يشكل التضخم خطرا كبيرا. فإذا ما بدأ التضخم بالارتفاع مرة أخرى بينما تستمر الاقتصادات في النمو البطيء، يمكن للزيادة الطبيعية في أسعار الفائدة أن تضعف من النمو الاقتصادي البطيء.

يمكن لمثل هذا السيناريو أن يحدث إذا ما ارتفعت أسعار الطاقة أو أسعار المنتجات الزراعية نتيجة لأسباب غير متوقعة.

وعلى الرغم من انخفاض فرص مثل هذا السيناريو، فإن هناك احتمالات لارتفاع التضخم في وقت أبكر من المتوقع، مما قد يجبر البنوك المركزية على خفض برامجها للتحفيز، وهو ما ينتج بالتالي إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وتقليص الناتج العالمي.

في مايو (أيار) 2013، صرّح رئيس الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي، بأن هناك احتمالا متزايدا بتخفيض برنامج التيسير الكمي. وعلى الرغم من أن التخفيض الفعلي لن يبدأ قبل ثمانية أشهر، تسبب الإعلان في رفع أسعار الفائدة بشكل كبير في الولايات المتحدة الأميركية لكل من عوائد الخزينة القياسية ومعدلات الرهن العقاري، بالإضافة إلى باقي العالم، وخصوصا الأسواق الناشئة. ومنذ ذلك الحين وأسعار الفائدة في انخفاض، لكنها ستعود للارتفاع مجددا في جميع أنحاء العالم مع أي مؤشرات للتضخم.

قد تضر أسعار الفائدة العالية بالاقتصاد العالمي. فالأسواق الناشئة قد تعاني، حيث إن معدلات الفائدة العالية في الولايات المتحدة من شأنها أن تجعل العوائد في الأسواق الناشئة أقل جاذبية، مما يضطر البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة لمنع هروب التدفقات المالية خارج البلاد. كما أن الولايات المتحدة ستتأثر أيضا، فالطلب على القروض العقارية سينخفض، مما يؤثر على قطاع الإسكان، وهو أحد القطاعات الأكثر مرونة التي تدفع النمو في الولايات المتحدة. وتظهر بالفعل بعض علامات التباطؤ، مما يجعلنا نعتقد أن على الاحتياطي الفيدرالي أن يخفف من وتيرة تخفيض برنامج شراء الأصول أو حتى أن يوقفها. وتبقى أسعار الفائدة متدنية لبعض الوقت، فالعالم لا يملك القوة الكافية للصمود دون تدنيها.