طلاب الهند شغوفون بالتدريب في الأحزاب السياسية أكثر من الشركات

يوكل إليهم تصميم الحملات الدعائية والبحث عن الحلول غير التقليدية

مجموعة من الطلاب المتدربين في أحد الأحزاب الهندية («الشرق الأوسط»)
TT

اختار رحمات علي، ابن الـ25 عاما، والطالب بالسنة النهائية بكلية التجارة، التدريب في حزب المؤتمر في دلهي، في الوقت الذي تتوجه فيه أضخم ديمقراطية في العالم إلى صناعة الاقتراع في الانتخابات التي تجري على تسع مراحل، والتي بدأت في السابع من أبريل (نيسان) وتمتد على مدار خمسة أسابيع.

وحال علي هو حال الكثيرين من طلاب كليات مرموقة في تخصصات الإدارة وتكنولوجيا المعلومات والطب والهندسة والدراسات الاجتماعية، الذين اختاروا التدريب في الأحزاب السياسية الكبيرة في الهند. ويأتي من بين مهام الوظائف التي أوكلت إليهم تصميم الحملات الدعائية وإنشاء وتشغيل بوابات الإنترنت والبحث عن أفضل الحلول باستخدام التكنولوجيا، وجمع التبرعات وجذب الشباب للمشاركة في العملية السياسية.

هذا النوع من التدريب السياسي أمر شائع في الغرب، لكن الفكرة لم تسترعِ الانتباه في الهند إلا حديثا، وبشكل خاص خلال الاستعداد لانتخابات عام 2014 العامة، في ظل تزايد أعداد الطلبة الذين يفضلون التدريب مع الأحزاب السياسية على الشركات، حيث يرون أن التدريب داخل الأحزاب السياسية الهندية، مثل العمل لدى شركات «ماكنزي» و«غولدمان ساكس» العملاقة.

وتقول نانجكا تشاندرا، الطالبة بكلية الإدارة في بومباي: «خلال التدريب داخل الأحزاب السياسية يتعرف الطلاب على كيفية اتخاذ القرار ويتعلمون الكثير عن المجتمع وتشكيل الرأي العام والكثير من النواحي الأخرى لإدارة المؤسسات». وأضافت بانجكا أن طلاب معهد الإدارة ومعهد تكنولوجيا المعلومات تخلوا، صيف العام الماضي، عن التدريب في الشركات الدولية للتدريب في الأحزاب السياسية، التي تستعين بهم في موسم الانتخابات لإدارة حملاتهم بشكل أكثر كفاءة.

المثير للدهشة أن نحو 31 طالبا من معهد الهند للإدارة في كالكتا تقدموا للتدريب في الحزب الحاكم في الولاية، ترينامول كونغرس، قبيل الانتخابات البرلمانية، ولم يجرِ اختيار سوى عدد قليل منهم للعمل كمتدربين. وبالمثل، تقدم طلبة من معهد لوكناو للإدارة، ومعهد كيرالا للإدارة ومعهد أحمد آباد للتكنولوجيا وكلية الإدارة والمعهد الهندي للتجارة الخارجية، بأعداد كبيرة للعمل كمتدربين داخل الأحزاب السياسية.

وقد تخلت آبارنا باتوارذان مهندسة البرمجيات العائدة من الولايات المتحدة، وتدير وحدة الإعلام والاتصال والتكنولوجيا في حزب بهاراتيا جاناتا، وعملت في شركتي «إتش بي» و«أوراكل»، قبل عام عن منصبها في الشركة الكبيرة للعمل بدوام كامل مع الحزب. وهناك نحو ألف متطوع مثلها يتمتعون بخلفية تقنية يعملون مع الأحزاب.

وخلال لقاءات قادة حزب بهاراتيا جاناتا الإعلامية، يمكن مشاهدة متطوعي تكنولوجيا الإعلام والاتصال يدونون الملاحظات، ويستخدمون الحاسبات المحمولة لنشر التحديثات والصور والتعليقات. والعمل السياسي ليس ما يعتقده الكثيرون، فهم أرادوا استخدام التعليم من التدريب في حزب بهاراتيا جاناتا ليصبحوا مديرين أفضل.

وقد وقع سانديب بافان كومار وسوجوي بيسواس، الطالبان في السنة الأولى من كلية إدارة الأعمال، عقدا للتدريب في حزب بهاراتيا جاناتا لتعلم مهارات الإدارة من البنية المؤسسية للحزب واستراتيجية الحملات والشؤون البرلمانية وأنشطة الحزب، خلال فترة التدريب التي تستمر ما بين ستة إلى ثمانية أسابيع.

وتشجع كلية إدارة الأعمال والمعاهد التعليمية الأخرى طلابها للتدريب في المؤسسات السياسية، ويقول المحللون إن تجربة العمل في الشركات لا يمكن أن تقارن بالخبرة التي يكتسبها الطلبة من العمل في الحملات السياسية واستراتيجيات الحوار العام. يساعد التعرض لوسائل الإعلام الطلبة خلال تدريبهم النهائي حيث تقدم الحملات دروسا قيمة في الاستراتيجية وتحليل المعلومات والتخطيط المالي واستراتيجية التسويق.

وتقول آنيل غوبتا، الأستاذ في كلية الإدارة في أحمد آباد: «هذه فرصة واعدة، فهي تحمل في طياتها فائدة لكلا الطرفين، فتحصل الأحزاب بموجبها على تغذية صادقة من الطلبة الشباب الذين يتعلمون أيضا أسلوب العمل في الأجواء الصعبة والمتقلبة. والفوز في الانتخابات مثل المنافسة في مكان السوق، ويمكن للطلبة الاستفادة من هذا التدريب خلال عملهم مديرين في المستقبل».

وترى الشركات أيضا فائدة في ذلك، فقد أظهرت دراسة نشرت أخيرا أن الشركات تشجع الطلبة على التدريب في الأحزاب السياسية، فتقول ساسي كومار، نائب رئيس الموارد البشرية في شركة «آشوك ليلاند جون ديري» لمعدات البناء: «يمكن للطلبة تعلم الكثير من أساليب القيادة وتشكيل الفريق، واتخاذ القرارات وأساليب الاتصال من الأحزاب السياسية».

وقد كان حزب آم آدامي أول الأحزاب السياسية التي تقدم برامج تدريب سياسي وتمنح الطلبة شهادات في نهاية البرنامج اعترافا بإسهاماتهم.

وقال طالب من معهد الإدارة في دلهي، الذي يتدرب في حزب آم أدامي: «نظرا لأني طالب في التسوية والاستراتيجية، تمكنت من الاشتراك بشكل أفضل مع الحزب وتقديم مدخلات حول كيفية الاتصال بشكل أفضل مع الجمهور. وهذه تجربة ما كنت لأحظى بها في حال عملي في أي شركة أخرى».

وقد أطلق حزب آم أدامي مبادرة «تبنَّ دائرة انتخابية»، ويقوم بريثفي ريدي، عضو اللجنة التنفيذية لحزب آم أدامي بالتفاعل مع مجموعة الشباب في المملكة المتحدة عبر «سكايب» لحثهم على المشاركة، بالمال والوقت والاستراتيجيات والأبحاث وإدارة الحملة.

من جانبهم، يرى الطلبة أن العمل مع حزب سياسي يقدم لهم الخبرة العملية إلى جانب الشق الدراسي النظري، فيقول كافيش، 23 عاما، الذي انضم إلى حزب المؤتمر، إن الحزب طلب منه التعامل مع دائرة انتخابية حيث يفترض به أن يتجاوز الهوة بين التعليم والأمية، وإعداد ملف عن الدائرة الانتخابية والقيام بحملات عبر زيارة المنازل في الدائرة.

وقال كافيش: «ستساعدني هذه الفترة في عملي، حيث تعطي الشركات أهمية كبيرة لهذا النوع من الخبرة».

ويقول إيشان براتيك، طالب معهد الإدارة في غازي آباد: «جمع التبرعات وإنفاقها نشاط بالغ الأهمية بالنسبة للأحزاب السياسية، والشيء الأفضل بالنسبة لطالب التجارة هو العمل في نشاطات حية على هوامش البرامج الانتخابية».

ويقول ناغاراجان، الذي يعمل مدير بشركة «بي آي أم تريكي»: «التدريب السياسي سيساعد الطلبة في تعلم الحديث باللغة، التي يكون لها اتصال أكبر بالرجل العادي». وقد حصل الكثير من الطلبة على تدريب سياسية في خيارات عمل جادة.

وأنشأ خريجو معهد بنغالور للإدارة وبارثا براتيم داس المهندس الكيميائي والطالب في مجال السياسة العامة والإدارة، شركة استشارات سياسية تدعى «شاناكيا» العام الماضي. وتقوم الشركة بالتخطيط بشكل مهني لحملات الأحزاب المتنافسة في الانتخابات. ويمكن الإدراج ضمن إنجازاته حقيقة أن أربعة من عملائه من حزب المؤتمر وحزب بهاراتيا جاناتا فازوا بالانتخابات في ولايتي كارناتاكا ودلهي، وآخر قد خسر الانتخابات بفارق ضئيل للغاية.

وقال داس: «نحن نعمل وفق تحليلات انتخابية واعية للانتخابات الماضية، وبعد فهم السيناريو الحالي نساعدهم في وضع الاستراتيجية الخاصة بالانتخابات التالية في المستوى المحلي».

ويعتقد أن العمل في السياسة العامة يشكل تحديا وأكثر إثارة ومتعدد الأبعاد، لأنه يعطي الشخص الفرصة للعمل مع الأحزاب السياسية، ويساعد في تشكيل الرأي بشأن القرارات السياسية المهمة.

حتى القائمون بالتعليم في معهد الإدارة الهندي في بنغالور، مثل البروفسور راجيف غودا، يقدمون التدريب العملي السياسي للشباب المتعلم.

ويشارك المتدربون في الحملات المحلية، مثل عروض الطرق والحملات عبر التجوال على المنازل وتغطية الفعاليات الانتخابية للقادة السياسيين وإجراء استطلاعات الرأي والمشاركة في الفعاليات الإعلامية وأنشطة وسائل الإعلام الاجتماعي.

وقد سافر سليمان صديقي من كشمير ليعمل متدربا للمرة الثانية، ففي عام 2013 عمل متدربا ويشكل الآن جزءا من فريق المؤسسة، وأضاف: «أريد أن أتعلم من هذا وأن أبدأ مبادرة مواطن مماثلة في كشمير».

وقد كان مرشحون شباب للبرلمان من انتماءات سياسية مختلفة، مثل كاليكيش سنغ ديو (BJD)، وجيانت تشودري (RJD) وأنوراغ سنغ ثاكور (BJP)، من بين السياسيين الذين استعانوا بمساعدين تشريعيين لإدارة الحملات الانتخابية هذا الصيف. فرغم شيوع هذه الممارسة في الغرب، وغرابتها بالنسبة للنظام التشريعي الهندي، فإن الهند بدأت في اللحاق بالركب. وهناك العشرات من المتدربين في السنة النهائية في الجامعات، وغالبيتهم من كليات الحقوق، يساعدون عددا محدودا من السياسيين في انتخابات عام 2014.

أحد أوائل المساعدين التشريعيين في الهند المساعدة القانونية شيفاني، طالبة كلية الحقوق البالغة من العمر 24 عاما من دلهي، التي تساعد مرشحا في الانتخابات البرلمانية، وتقول شيفاني إن التجربة ساعدتها من جانبين، الأولى أنها أدركت أن تصورها عن السياسيين كان خاطئا، والثاني هي أنها كانت تجربة تعليمية عظيمة.