النظام يقترب من السيطرة الكاملة على القلمون باستعادته ثلاث بلدات بينها معلولا

الأمم المتحدة تدين «تعميم التعذيب في السجون السورية».. وانفجار بحي علوي بحمص

سوريون يعاينون الدمار الذي خلفه انفجار سيارة مفخخة في حمص أمس (أ.ف.ب)
TT

اقتربت القوات الحكومية السورية، أمس، من استعادة السيطرة على كامل منطقة القلمون الاستراتيجية بريف دمشق الشمالي، مما يتيح لها تأمين كامل حدودها مع لبنان، والطريق السريع بين العاصمة وحمص في وسط البلاد، فضلا عن قطع خطوط إمداد المعارضة إلى الغوطة الشرقية بدمشق. وجاء هذا التطور بالتزامن مع إدانة المفوضة العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان «تعميم التعذيب في السجون السورية»، معربة عن أسفها لاستعماله أيضا من طرف بعض المجموعات المسلحة.

واستعادت قوات النظام سيطرتها على بلدتي معلولا والصرخة، وقرية جبعدين، وتقدمت في تلال عسال الورد المحاذية للحدود اللبنانية، وسط أنباء عن تفعيل التسوية في مدينة الزبداني التي يتوقع ناشطون تنفيذ مصالحة فيها، تجنبا لقصف أحيائها.

وبعد الظهر، أعلنت قناة «المنار»، الناطقة باسم حزب الله اللبناني، تعرض طاقمها في معلولا لإطلاق نار من جانب المعارضة أدى إلى مقتل موفدها إلى هناك حمزة الحاج حسن، ومصور والتقني حليم علو، وإصابة آخرين بجروح. وقالت القناة إن «المجموعات المسلحة أطلقت النار على فريق (المنار) خلال تغطيته استعادة الجيش السوري لبلدة معلولا في جبال القلمون».

وأعلنت وسائل إعلام دمشق الرسمية سيطرة قواتها النظامية على ثلاث بلدات في القلمون، على التوالي، فيما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «منطقة القلمون باتت بشكل شبه كامل تحت سيطرة حزب الله اللبناني وقوات النظام السوري»، مشيرا إلى استمرار وجود جيوب للمعارضة المسلحة في نقاط محددة في الجبال وقرب الحدود مع لبنان، وبلدات صغيرة مثل حوش عرب وعسال الورد، بالإضافة إلى نقطة تجمع كبيرة للمقاتلين في الزبداني في جنوب القلمون. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن مقاتلي المعارضة ينطلقون من هذه النقاط لتنفيذ «عمليات ليلية على حواجز النظام وحزب الله».

وأكد مصدر أمني سوري لوكالة الصحافة الفرنسية «إعادة الأمن والأمان إلى معلولا في سياق السيطرة على منطقة القلمون» الاستراتيجية، مضيفا أن «الإرهاب انهار في القلمون». وأشار المصدر إلى أن العملية التي «جاءت في سياق السيطرة على منطقة القلمون أسفرت عن مقتل عدد كبير من الإرهابيين، فيما فر عدد قليل منهم سيلاحقون في البؤر التي لجأوا إليها». واعتبر المصدر أن استعادة معلولا ومناطق أخرى في القلمون «ستؤدي إلى إحكام المزيد من السيطرة على المعابر الحدودية بشكل كامل».

وقالت مصادر المعارضة لـ«الشرق الأوسط» إن سقوط الصرخة ليل، أول من أمس، سهّل سقوط معلولا نظرا لأن ظهور المعارضين باتت مكشوفة للقوات المهاجمة، فيما أكد أن جبعدين «كانت في حكم الساقطة عسكريا»، مشيرة إلى أن الاشتباكات تواصلت «على أطراف معلولا، وفي سهل رنكوس».

وكانت الحدود السورية مع لبنان من جهة القلمون تعد خاصرة رخوة للنظام السوري الذي يعتبرها «ممرا لمسلحي المعارضة وإمداداتها من السلاح»، كما يرى حزب الله اللبناني، الذي أعلن مشاركته في القتال إلى جانب القوات الحكومية السورية في مايو (أيار) الماضي، أن هذه الحدود تشكل خطرا على مناطق نفوذه، نظرا لاستهدافها البقاع بشرق لبنان بالصواريخ والسيارات المفخخة.

وبدأت القوات الحكومية السورية، مدعومة بمقاتلي حزب الله اللبناني، معركة واسعة النطاق في القلمون في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أسفرت عن سيطرة النظام على كبرى مدن وبلدات القلمون، التي لم يبق منها تحت سيطرة المعارضة إلا مدينة الزبداني الحدودية مع لبنان في جنوب القلمون.

وتحدث رامي عبد الرحمن، أمس، عن «وساطات جارية لإيجاد تسوية لمدينة الزبداني لتجنيبها القصف الجوي»، مشيرا إلى تسليم أربعين مقاتلا في الزبداني أسلحتهم إلى قوات النظام كبادرة حسن نية».

وتعيد المعارضة في القلمون أسباب ما سمته «الانهيار في القلمون»، إلى الشح في السلاح، وانقطاع الدعم عن المعارضة. وفيما ينفي مدير المكتب الإعلامي عامر القلموني، لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون ما حصل أمس «انهيارا»، يؤكد أن الشح في الذخيرة «أدى إلى سقوط البلدات الثلاث وتقدم القوات النظامية». وقال «لم يكن بحوزة المقاتلين المعارضين هنا أي صاروخ ضد الدروع.. كان المقاتلون يصدون الهجوم باللحم الحي»، مشيرا إلى أن 12 مقاتلا في الصرخة «رفضوا أوامر من غرفة العمليات بالانسحاب، واستطاعوا أن يؤخروا السيطرة على البلدة 24 ساعة، وقتلوا وأصيبوا جميعا».

وأوضح القلموني أن المقاتلين المعارضين في القلمون «لم يصلهم الدعم الكافي منذ سقوط يبرود في يد النظام» منتصف الشهر الماضي. وأضاف «لم يصل إلى المقاتلين أكثر من 40 ألف طلقة من الذخيرة الناعمة، و20 ألف طلقة ذخيرة للأسلحة المتوسطة، كما لم يصل أكثر من 1500 طلقة ذخيرة للمدافع الرشاشة من الدوشكا ومدفع 23»، مؤكدا أن التراجع «نتيجة حتمية للشح في الذخيرة».

وتكتسب معلولا التي سيطرت عليها القوات النظامية أهمية رمزية لكونها بلدة تاريخية مسيحية، وارتبط اسمها بالراهبات الـ13 اللواتي اختطفن من دير مار تقلا، على أيدي عناصر من جبهة النصرة لمدة ثلاثة أشهر قبل أن يطلق سراحهن الشهر الماضي ضمن صفقة تبادل مع 150 معتقلة في السجون السورية.

وكانت المعارضة قد سيطرت على معلولا في سبتمبر (أيلول) الماضي، قبل أن يخرج المسلحون منها نتيجة تسوية مع النظام، ليعود مقاتلون معارضون جلهم من الإسلاميين ويسيطروا عليها مجددا مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وتقع على بعد 55 كم شمال دمشق، وتأتي السيطرة عليها بعد أسبوع من دخول قوات النظام إلى رنكوس.

غير أن السيطرة على قرى وبلدات القلمون لا تعني أن المعارضة انسحبت كليا من المنطقة «لأن المقاتلين المعارضين انسحبوا إلى الجبال والجرود المحيطة»، كما «لم يقضِ النظام على تشكيلات الثوار ولم يصادر أسلحتهم». وقال القلموني لـ«الشرق الأوسط» إن مقاتلين من «لواء تحرير الشام» و«ألوية الشهيد أحمد العبدو» و«لواء الأنصار» و«كتائب العدل»، و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» وغيرها، لا تزال في الجرود، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من المقاتلين ينتشرون في الجبال والجرود المتاخمة لقارة، ومعظمهم كانوا انسحبوا من معارك القصير.

ومقابل هذا التطور في القلمون، أفاد ناشطون سوريون بأن القوات الحكومية كثفت من عملياتها العسكرية في الغوطة الشرقية لدمشق، في محاولة للسيطرة على بلدة المليحة التي تتعرض لهجوم واسع منذ تسعة أيام. وأفاد المرصد بمقتل شخصين وإصابة أكثر من 11 آخرين بجروح إثر سقوط عشرات القذائف على مناطق في جرمانا.

وفي حمص وسط البلاد، انفجرت سيارة مفخخة في حي عكرمة الذي تقطنه غالبية علوية، مما أدى لمقتل أربعة أشخاص وسقوط أكثر خمسة جرحى. وأفاد المرصد بسقوط عدد من الجرحى جراء إصابتهم برصاص قناصة بالقرب من حي الدبلان، في حين سقطت عدة قذائف على مناطق في شارع الحمرا وكرم الشامي بحي الغوطة.

ونفذت القوات النظامية السورية غارات جوية عدة على الأحياء المحاصرة في حمص القديمة، غداة استقدام تعزيزات لجيش الدفاع الوطني الموالي للنظام إلى المنطقة. وفي حماه، أفاد ناشطون باستهداف قوات المعارضة مطار حماه العسكري بصواريخ «غراد».

في غضون ذلك، أدانت المفوضة العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان تعميم التعذيب في السجون السورية، معربة عن الأسف لاستعماله أيضا من طرف بعض المجموعات المسلحة. وفي وثيقة من ثماني صفحات، تحدثت المفوضية العليا التي استجوبت 38 شخصا تعرضوا إلى التعذيب، عن شهادات رهيبة لم تذكر أسماء أصحابها. ووصف تقرير الأمم المتحدة عدة مجموعات مسلحة «لا سيما الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة وأحرار الشام وعاصفة الشمال ولواء التوحيد التي تملك مراكز اعتقال» حيث يتعرض فيها رجال ونساء وأطفال إلى التعذيب، خصوصا منذ 2013.

وقالت المتحدثة باسم المفوضية نافي بيلاي إن «النتائج تؤكد أن التعذيب مستخدم بشكل شائع في مراكز الاعتقال الحكومية في سوريا، وإن بعض المجموعات المسلحة تستعمله أيضا». وأفاد التقرير بأنه «غالبا ما يخطف رجال ونساء وأطفال من الشوارع ومن منازلهم وأماكن عملهم أو يعتقلون في مراكز تفتيش تابعة للحكومة ثم ينقلون إلى العشرات من مراكز الاعتقال الرسمية أو السرية للحكومة».