الطفيل.. بلدة لبنانية أهملتها الدولة وحاصرها النظام السوري

الطرقات إليها مقفلة من البقاع وسوريا.. وجرحاها لا يجدون من يسعفهم

آليات للجيش اللبناني لدى انتشارها في البقاع ضمن خطة أمنية لضبط الأوضاع بالمناطق الحدودية التي تزعزت على خلفية الأزمة السورية (رويترز)
TT

حصار مزدوج يعزل أهالي بلدة الطفيل اللبنانية، التي تحيط بها الحدود السورية في محافظة البقاع، منذ نحو أربعة أشهر.

الدولة أهملتهم منذ استقلال لبنان، رافضة تعبيد طريق تصلهم بوطنهم، ولا تستجيب لصرخاتهم اليوم. والطريق الوحيد التي كانت تصلهم بسوريا أقفلت بعد سقوط قرى القلمون، وآخرها «جارتها» عسال الورد أمس.

18 بيتا كانت هدفا لطيران النظام السوري أوّل من أمس حولتها دمارا ولم يجد الجرحى داخل القرية من يسعفهم أو ينقلهم إلى أي مستشفى قريب.

«لو كنا حيوانات كانت الدولة اللبنانية اهتمت لأمرنا. لا نعرف لماذا خلقنا الله هنا ولماذا وضعنا في هذه المنطقة حيث لا أحد ينظر إلينا أو يهتم بحياتنا»، هي صرخة رمضان دقّو، مختار الطفيل السابق، الذي يتنقّل من منطقة إلى أخرى في بيروت مستغيثا، آملا أن يصغي مسؤول لبناني لمناشداته وينظر لوضع بلدته من دون جدوى.

دقّو قال لـ«الشرق الأوسط»، عندما التقته: «نعيش في بلدة يتيمة. لم نترك أحدا من المسؤولين ووسائل الإعلام إلا وتواصلنا معه، ولكن لا أحد يتجاوب معنا. لسنا لبنانيين إلا بالهوية التي لم يتمكّن أولادنا من الحصول عليها بسبب صعوبة الإجراءات الإدارية».

وعن حياة أهالي الطفيل أفادنا «قبل بدء الأزمة في سوريا رغم المعاناة التي كنا نعيشها، اعتدنا تدبّر أمرنا بالحصول على حاجياتنا من ألفها إلى يائها من هناك، بما في ذلك التيار الكهربائي، حتّى إنّ العملة التي نتداول بها هي الليرة السورية وليست اللبنانية». وأضاف دقّو «.. بل وإذا كنّا نريد الاتصال بأحد أقربائنا في أي منطقة لبنانية، يُحسب علينا اتصال دولي، أي إن بلدتنا بالنسبة إلى شبكة الاتصالات في لبنان خارج الحدود».

وفي حين يلقي دقّو اللوم على المسؤولين الذين سبق أن زارهم عدد قليل منهم مطلقين الوعود يمينا وشمالا، ولا سيما قبل كل انتخابات نيابية، فإنه يقرّ في الوقت نفسه «لكننا كنّا ننتخب تحت التهديد بالحذاء.. أما اليوم، بعد سقوط القلمون، بتنا نعيش في عزلة كاملة. لقد أقفلت الطريق أمام أبناء الطفيل والنازحين عبر الحدود السورية، وضيّق الخناق علينا أكثر بإقفال الطريق الترابية الوحيدة إلى لبنان بالسواتر أيضا، بحجّة تسلّل الإرهابيين، وبعد المعلومات التي أشارت منذ فترة إلى ضبط سيارة مفخّخة في جرود بلدة حام آتية من سهل رنكوس أو عسال الورد».

وتابع دقّو «ها نحن اليوم نعيش مع أكثر من 15 ألف نازح سوري من قلّة الموت. المساعدات الإغاثية لا تصل إلينا. من هو في الداخل لا يستطيع الخروج، ومن خرج قبل إقفال الطريق لا يتمكّن من العودة.. حتى العسكريون منهم».

ومن ثم أكد ابن البلدة، ذات الغالبية السنّية، المعروفة عموما بدعمها للمعارضة السورية، أن «ما غابت عنه الدولة في حماية أبنائها، توّلى مهمته شباب من البلدة، وذلك بتشكيل لجنة من 50 شابا متطوعا، يمنعون وصول أي مسلّح إلى بلدتهم التي لا تستقبل إلا المدنيين ولا سيّما منهم النساء والأطفال»، نافيا كل ما يقال إنها تحت سيطرة المعارضة السورية، مع أنّ مصادر عدّة كانت قد أشارت في وقت سابق ولا سيّما خلال احتدام المعارك في القلمون وقبل سقوطها، إلى لجوء المسلحين إليها بشكل كبير، الأمر الذي عرّضها إلى قصف من الطيران السوري.

من جهة أخرى، حمّل الشيخ بكر الرفاعي، مفتي بعلبك - الهرمل، كل من تعاقب على وزارة الأشغال العامة اللبنانية من السياسيين، مسؤولية ما وصل إليه الوضع في الطفيل. وقال المفتي إنه لم ينس التواصل مع أي مسؤول للبحث معه في فتح طريق من الطفيل إلى لبنان، وكان آخر اتصال أمس مع رئيس الحكومة تمّام سلام ورئيس الجمهورية ميشال سليمان، وقبلهما وزير العدل أشرف ريفي، لكنه، كما قال لـ«الشرق الأوسط» لم يتلق لغاية الآن إلا الوعود.

وكان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق قد قال خلال الأسبوع الماضي، إنّه سيطرح في جلسة مجلس الوزراء ضرورة فتح طريق إلى الطفيل، بيد أن الموضوع لم يُطرَح، ولم ينتج عن جلسة الحكومة أي شيء في هذا الإطار.

ويرى المفتي الرفاعي أنّ الدولة اللبنانية «تتعامل مع الطفيل وكأنّها ليست لبنانية، كما أنّ هناك قرارا بإبقاء الأمور على حالها في الطفيل»، فالبلدة التي تبعد عن بلدة رنكوس السورية مسافة سبعة كيلومترات تئّن من وطأة الحصار الذي يضع المنطقة على شفير كارثة إنسانية.

جدير بالذكر أن بلدة الطفيل تقع في أقصى جرود سلسلة لبنان الشرقية، وتحيط بها الأراضي السورية من ثلاث جهات، الشمال والشرق والجنوب، ولكن إلى الغرب منها تقع بلدات حام ومعربون وبريتال اللبنانية. ويبلغ عدد سكانها أكثر من خمسة آلاف لبناني من المسلمين والمسيحيين، منهم أكثر من 25 عنصرا في الجيش اللبناني، وفق اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان.

وفي تطور لاحق، دعا الرئيس اللبناني، أمس، خلال اجتماع الحكومة، المعنيين إلى «التنسيق لدرس كيفية إيصال الطريق لأهالي الطفيل وإخراجهم إلى مواقع آمنة داخل لبنان». ونقل وزير الإعلام، رمزي جريج، بعد الانتهاء من جلسة مجلس الوزراء، عن سليمان قوله إن الوضع اليوم في الطفيل سيئ؛ «فهم مضطرون إلى المجيء إلى بلدهم من طريق سوريا». وقال إن سليمان أوضح أن وزير الداخلية يجري اتصالاته مع الإدارات الرسمية والأطراف السياسية لتأمين طريق لخروج المواطنين اللبنانيين من الطفيل إلى مواقع آمنة داخل لبنان.