«ورقة الناخب المسلم» في الانتخابات الهندية

القوى العلمانية تشكل تحالفات جديدة لمنع حزب «بهاراتيا جاناتا» المتطرف من الحكم

الزعيم الانفصالي الهندي سيد علي شاه غيلاني يخاطب مؤيديه في سرينغار الهندية أمس ويدعوهم لمقاطعة الانتخابات (أ.ب)
TT

في الوقت الذي بلغت فيه الحملات الانتخابية الهندية مراحلها الأخيرة، أثارت المواقف المتناقضة للاعبين الكبار في السياسة تجاه المسلمين عددا من المعارك السياسية. وتحاول الأحزاب العلمانية مثل «المؤتمر» و«ساماج وادي» و«بهاراتيا جاناتا» اللعب بورقة المسلمين للحفاظ على كتلتهم التصويتية عبر الالتفاف على فكرة العلمانية التي تواجه نقاشا حاد، لاسترضاء المجتمع المسلم.

وبدأت السجالات بدعوة زعيمة حزب «المؤتمر» سونيا غاندي بدعوة شاهي إمام مسجد «دلهي جاما» الذي بني في القرن السابع عشر، إلى مقر إقامتها لحث الناخبين المسلمين للتصويت لصالح القوى العلمانية للحيلولة دون فوز حزب «بهاراتيا جاناتا» المعارض، والذي يتوقع بحسب استطلاعات الرأي أن يشكل الحكومة القادمة لينهي عشر سنوات من سيطرة حزب المؤتمر على السياسة الهندية.

كما احتج حزب «بهاراتيا جاناتا» بشدة على دعوة الإمام بخاري مسلمي الهند للتصويت لحزب المؤتمر. وزعم الإمام وسونيا غاندي في تفسيرهما أن الهدف من ذلك منع انقسام الأصوات المؤيدة للتيار العلماني ويبعد القوى المجتمعية مثل بهاراتيا جاناتا من الوصول إلى السلطة.

ومن الشائع أن تسعى الأحزاب السياسية مثل «المؤتمر»، و«ساماج وادي» و«بوجان ساماج» في أوقات الانتخابات، إلى الحصول على تأييد مشايخ المسلمين، كجزء من استراتيجيتهم لاجتذاب أصوات الكتلة المسلمة. لكن هذه المرة، كانت شعبية مرشح حزب «بهاراتيا جاناتا» لرئاسة الوزراء، ناريندر مودي، دافعا أكبر لأن تعقد الأحزاب صفقة مع هؤلاء الشيوخ، والقادة الدينيين.

وانتقد شهيد صديقي رئيس تحرير صحيفة «ناي دوناي» الصادرة باللغة الأوردية هذه الممارسة من السعي للحصول على تأييد شيوخ المسلمين في الهند، قائلا: «بعد الاستقلال مارست غالبية ما يوصف بالأحزاب العلمانية هذه اللعبة سرا وجهرا».

ويشكل المسلمون نحو 14 في المائة (180 مليون) من سكان الهند ويستطيع المسلمون في بعض الدوائر الانتخابية لعب دور رئيس في تحديد الفائز، حيث تسعى الأحزاب السياسية التي تصفها نفسها بالعلمانية إلى استقطاب المسلمين للحصول على أصواتهم.

ويقول راشبال داسغوترا، الصحافي المتخصص في شؤون الانتخابات: «الهدف الواضح من هذا التودد إلى المسلمين هو الحصول على أصواتهم والتهدئة التي لم يستفد منها المسلمون على الإطلاق، لكنها أفادت حزب المؤتمر بشكل كبير».

من بين الحقائق المعروفة في تاريخ الهند أن البريطانيين تلاعبوا بورقة الطائفية في الهند منذ عام 1909. وهو ما أدى في النهاية إلى انقسامها عام 1947 على أسس دينية. والمؤسف أن تلك الأحزاب لم تتمكن من إحياء الفكرة ذاتها في الانتخابات الهندية. لكن هذه الحملة كانت أكثر كثافة وسخونة، في تطور لم تشهده الانتخابات من قبل، ويبدو أن بعض الأحزاب السياسية مشغولة بالحفاظ على هذه القضية قائمة بشكل دائم.

في أعقاب هذا، حضر أحد كبار مساعدي ناريندرا مودي، في حملته الانتخابية، التي يحضرها على الأغلب ناخبون هندوس في ولاية أوتار باراديش، والتي شهدت أعمال العنف بين المسلمين والهندوس في سبتمبر (أيلول) الماضي سعيا وراء الانتقام «عبر صندوق الانتخابات». ويواجه شاه اتهامات بالقتل تعود إلى الفترة التي عمل فيها تحت رئاسة مودي، الذي كان حاكما للولاية.

ويلعب الدين والطائفية دورا محوريا في السياسات الهندية بشكل عام، وأوتار باراديش على وجه الخصوص، وتعد هذه الولاية أكثر الولايات فقرا ويزيد عدد سكانها على سكان روسيا.

وقد كان العنف بين المسلمين والهندوس أحد المعالم المحددة للسياسة الهندية منذ انفصال باكستان عام 1947. عندما قتل مئات الآلاف من الأفراد ونزح الملايين.

وقد عدت لجنة الانتخابات تصريحات شاه تحريضية، وهو ما دفعها إلى منعه من عقد مؤتمرات ولقاءات جماهيرية وعروض الطرق للحيلولة دون ممارسة ما وصفته اللجنة بأنشطته غير المرغوبة.

وقال المحلل السياسي فايز بخاري: «السخونة الانتخابية تدفع السياسيين إلى المراوغة، في محاولة للحصول على مكاسب سياسية، وتزداد تصريحات القادة السياسيين في المؤتمرات الانتخابية حدة ضد منافسيهم يوما بعد يوم».

ورغم استمرار الجدل بشأن الحالتين السابقتين فرضت لجنة الانتخابات قيودا مماثلة على المؤتمرات العامة لعزام خان، حزب ساماج وادي، الذي يمثل حكومة أوتارا باراديش، ويهدف زعيم حزب ساماج وادي لأن يكون رئيس الوزراء القادم عن الجبهة الثالثة، تجمع صغير يضم الأحزاب الإقليمية الأصغر والتنظيمات الشيوعية.

وفي محاولة لاجتذاب المسلمين، الكتلة التصويتية الأهم في أوتار باراديش، قال خان إن «الجنود المسلمين هم من حاربوا لانتصار الهند في حرب كارغيل ضد باكستان عام 1999. وإن من قاتلوا في كارغيل ليسوا هندوسا. الحقيقة أن من تمكنوا من إحراز النصر هم الجنود المسلمون». ووصف مرشح حزب بهاراتيا جاناتا لرئاسة الوزراء ناريندرا مودي «بعدو المسلمين».

وقالت اللجنة في رسالة نشرتها: «هذه التصريحات... كانت معتمدة وبنية خبيثة لإثارة المشاعر الدينية والعقائد الدينية للطبقات المختلفة من مواطني الهند»، ودافع خان عن نفسه بالقول إنه لم يقل أي شيء سوى الحقيقة.

وتأتي الانتخابات وسط توقعات بأن يسهم الناخبون، البالغ عددهم 814 مليون ناخب في إلحاق الهزيمة بحزب المؤتمر الحاكم، وانتخاب المتشدد ناريندار مودي. ويقول سيد نقوي، وهو محلل بارز: «بعد انقسام الهند، قالت القيادات المسلمة والعلمانية للمسلمين الذين ظلوا في الهند إن واجبهم حماية العلمانية والتي تعني في الواقع التصويت لحزب واحد هو حزي المؤتمر، والذي سيحافظ في المقابل على علمانية الهند. ومنذ جواهر لال نهرو أول رئيس للوزراء وحتى حفيده الأكبر راهول غاندي، كان استقطاب قادة المجتمع المسلم عادة ما يأتي بنتائج مكلفة على النمو التعليمي والاقتصادي للمجتمع المسلم. وقد اتبعت الأحزاب العلمانية الأخرى نفس المسار في استرضاء القيادة الدينية والمجتمعية للمسلمين للحصول على أصوات المسلمين. وسعى القادة العلمانيون إلى الحصول على فتاوى في رجال الدين المشاهير حتى يتوجه المجتمع المسلم لإنقاذ العلمانية. وينبغي على الأحزاب العلمانية أن تدرك أن لقاء إمام وارتداء قبعة وتقديم جملة من الوعود المغرية قد لا تسفر عن فائدة تذكر لهم. والناخبون المسلمون ليسوا سذجا الآن. فهم قادرون بسهولة على فهم هذه الأساليب الماكرة ومعرفة أن أصواتهم قادرة على أن تكون عامل التغيير في اللعبة».

بيد أن المقابلات الأخيرة للجماهير المسلمة في البرامج التلفزيونية تشير إلى أنهم يدركون على نحو متزايد أن صرخة الطائفية لن تحسن من أوضاعهم الاقتصادية.