ليبيا تتجه نحو انفراج أزمة تصديرها للنفط و تعويض خسائرها الفادحة

استئناف تحميله عبر ميناء الحريقة

جانب من إحدى المنشآت النفطية الليبية (رويترز)
TT

قال مسؤول بالمؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا أمس إن ناقلة بدأت تحميل الخام في مرسى الحريقة بشرق ليبيا، وذلك للمرة الأولى في نحو تسعة أشهر بعد موافقة جماعة مسلحة على إعادة فتحه الأسبوع الماضي. ووصلت الناقلة «إيجيان ديجنيتي» إلى الميناء أول من أمس، وهناك ناقلات أخرى في الطريق بحسب مؤسسة النفط ومصادر ملاحية.

وبحسب «رويترز» قال المسؤول: «يجري تحميل السفينة في مرسى الحريقة.. ستحمل ما بين 900 ألف ومليون برميل تقريبا».

كانت مؤسسة النفط رفعت حالة القوة القاهرة في مرسى الحريقة نهاية الأسبوع الماضي بعد أن وافقت مجموعة يقودها إبراهيم الجضران تطالب بالحكم الذاتي لشرق البلاد على إعادة فتح مينائين.

وما زال الميناء الثاني (الزويتينة) خارج سيطرة الحكومة لكن سمح لعمال النفط بدخوله.

كان قائد حرس المنشآت النفطية قال أمس الثلاثاء إن الحرس لم يستطع فرض سيطرته بعد لعدم حصولهم على الضوء الأخضر بشكل رسمي من لجنة المفاوضات. ولم يتضح سبب التأخير.

وما زالت قوات الجضران تحاصر أكبر مرفأين في ليبيا (السدرة ورأس لانوف) لحين التفاوض على تقسيم إيرادات البلاد من النفط. وترغب عدة مجموعات تطالب بدولة اتحادية وزعامات قبلية محلية في تخصيص حصة محددة للمنطقة الشرقية أو ما يعرف بإقليم برقة.

وفي المتوسط أنتجت ليبيا 05.‏1 مليون برميل من النفط الخام يوميا في خلال 11 شهرا.

وقال الناطق باسم مؤسسة النفط الليبية، محمد الحراري، لـ«الشرق الأوسط»، إن 800 ألف برميل ستكون جاهزة للتصدير خلال عشرة أيام من ميناء الحريقة المهم، في وقت تتوقع فيه طرابلس الغرب انفراجة جديدة في تصدير النفط تعوض خسائرها الفادحة، التي لحقت بها في الشهور الأخيرة. وعلى الرغم من أن إنتاج ليبيا من النفط الخام تقلص كثيرا على ما كان عله الحال قبل سقوط نظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، فإن المؤسسة الوطنية للنفط والمسؤولة عن كل العقود التي تبرمها الحكومة الليبية مع مستوردي النفط، ترى أنه ما زال هناك وقت حتى يمكن إعلان الإفلاس الكامل للدولة بسبب تضاؤل عائدات النفط. وكما أوضح دبلوماسي عربي عاد لتوه من العاصمة الليبية طرابلس لـ«الشرق الأوسط»، فإنه في دولة يعتمد اقتصادها على النفط بشكل كامل «بإمكان بضع مئات فقط من المسلحين غير المدربين، السيطرة على الموانئ والحقول النفطية والتأثير على الوضع الاقتصادي بصورة عامة». وكان نوري أبو سهمين، رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، كشف أخيرا ووفقا لتقارير رسمية، عن أن بلاده تكبدت خسائر بقيمة 18 مليار دولار جراء إغلاق موانئ تصدير النفط منذ قرابة ثمانية أشهر.

وتراجع إنتاج النفط في ليبيا، وفقا لتصريحات رسمية، من 1.4 مليون برميل، منتصف العام الماضي، قبل أن تبدأ الاحتجاجات في الموانئ الرئيسة شرق البلاد، إلى 150 ألف برميل يوميا.

كما انخفض الإنتاج إلى 150 ألف برميل منها 100 ألف برميل تحتاجها المصافي لدعم السوق المحلية بالوقود، في حين بلغت عائدات النفط في ليبيا خلال الربع الأول من العام الحالي نحو ثلاثة مليارات دينار، بينما المقدر 12 مليار دينار، وفقا لتصريحات وزارة النفط الليبية. وخلال الشهر الماضي طلبت الحكومة قرضا من البنك المركزي كميزانية للطوارئ بقيمة 2.5 مليار دينار ليبي لتغطية مصروفات الدعم والمرتبات والأمن.

ولم تعتمد ليبيا بعد موازنة العام الحالي البالغة 68.5 مليار دينار (55.2 مليار دولار) المستندة إلى توقعين أحداهما إنتاج 1.25 مليون برميل من النفط يوميا كخيار تفاؤلي، و600 ألف برميل كخيار تشاؤمي بتغطية 35 مليار دينار كعجز في الموازنة كقروض من البنوك. لكن الحراري قال لـ«الشرق الأوسط» في تصريحات عبر الهاتف، إن ثمة بوادر إيجابية في الفترة المقبلة قد تعوض الخسائر الفادحة التي منيت بها السلطات الليبية أخيرا. وامتنع الحراري عن الإجابة عن سؤال يتعلق بالوضع المالي الراهن للحكومة الليبية، وقال: «هذا سؤال صعب.. يجب توجيهه إلى مصرف ليبيا المركزي، فهو وحده صاحب الأرقام الحقيقية عن مداخيل النفط والناتج القومي، ما زلنا بعيدين بعض الشيء عن الإفلاس. هذا صعب أن يحدث».

وقال الحراري: «نأمل أن يجري استئناف باقي إنتاج الموانئ المغلقة، هذا سبب لنا خسائر كثيرة وفادحة، لكن بإمكاننا تعويضها متى استأنفنا الإنتاج والتصدير».

وتابع: «نتوقع أن يجري خلال الأيام العشرة المقبلة تصدير أول شحنة من ميناء الحريقة الذي جرى رفع حالة القوة القاهرة عنه قبل يومين»، مشيرا إلى أن ثمة كميات مخزنة تسمح بالاستئناف الفوري لعمليات الشحن والتصدير.

وأضاف: «لدينا نحو 800 ألف برميل، بإمكاننا تصديرها خلال العشرة أيام المقبلة، بعدها يمكن أن يرتفع إنتاج النفط إلى معدلات أعلى، المسألة مرتبطة بحجم التخزين وتفريغ الشحنات المخزنة أساسا».

وكانت الحكومة الليبية الهشة توصلت يوم الأحد الماضي لاتفاق مع إبراهيم الجضران، زعيم المسلحين في شرق البلاد، على إعادة فتح ميناءين نفطيين تحت سيطرتهم ورفع حصار مستمر منذ تسعة أشهر عرقل صادرات النفط الخام.

ويقضي الاتفاق بإعادة فتح ميناءي الحريقة والزويتينة فورا على أن يعيد رجال الجضران فتح مرفأي رأس لانوف والسدرة الأكبر حجما خلال أقل من أربعة أسابيع بعد إجراء مزيد من المفاوضات.

ويعكس الصراع على الموانئ بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من سقوط القذافي الاضطرابات التي تجتاح البلاد مع هيمنة فصائل متناحرة من مقاتلي المعارضة السابقين على الساحة في غياب جيش مدرب وتعطل اتخاذ القرار بسبب التشاحن السياسي.

ومع توقف تصدير 700 ألف برميل يوميا من شحنات ليبيا من النفط، وهو ما يزيد عن نصف شحناتها المعتادة، أبرم الاتفاق بعد أن هددت الحكومة باللجوء للقوة لكسر الحصار الذي فرضه الجضران الذي يطالب بمزيد من الحكم الذاتي لمنطقة برقة بشرق البلاد.

وقال نشطاء بالشرق، إن الكثير من زعماء القبائل سعدوا بالاتفاق الذي يدعو لتشكيل جهة مراقبة مستقلة لمتابعة إيرادات النفط، وبالأخص لأنه حال دون إراقة الدماء.

لكن المرحلة الثانية المتعلقة بفك حصار ميناءي السدرة ورأس لانوف قد تتعثر إن لم تف الحكومة بالتزاماتها في إطار الاتفاق.