بونغ بونج جويريرو: نجاح الفعالية لا يحتاج إلى نرجسية أحد

عثرات ومطبات قليلة وعزيمة كبيرة للدفع بـ«فاشن فوروود» إلى الأمام

بونج جويريرو.. المؤسس والرئيس التنفيذي لـ«فاشن فوروود» - من عرض إزرا (الصور من غيتي) - طاهر سلطان - «هاوس أوف رونالد»
TT

هناك لحظات نادرة، تشعر فيها بأنك محظوظ لأنك شاهد على ولادة حدث جميل تعرف بكل جوارحك بأنه سيختصر الزمن وينمو بشكل طبيعي وعضوي في غضون سنوات قليلة. هذا الشعور، بلا شك انتاب كل من واكب ولادة «فاشن فوروود»، الحدث الذي هو في الحقيقة وعلى الرغم من اسمه، بمثابة أسبوع موضة دبي. بعد أقل من عام فقط على ولادته، يمكن وصفه بطفل يحاول المشي، يتعثر قليلا ثم يعود سريعا إلى الوقوف والمشي مستجمعا كل قواه، مستمتعا باهتمام وتشجيع كل من يشرف عليه، وأيضا بفضل الكاريزما المعدية التي يتمتع بها واحد من أهم مؤسسيه، بونج جويريرو، الذي يقول إن حلمه أن يتحول «فاشن فوروود» إلى حدث عالمي يتمتع بشخصية خاصة وهوية واضحة تليق به.

أهم ما يثيرك عند مقابلة بونغ والحديث معه دماثته ودفؤه، وتلك النظرة الثاقبة والشقية التي تنبعث من عينيه وهو يحادثك ليشعرك بأنك صديق قديم. صديق ربما فرقت بينكما المسافات لفترة، لكن خيط الود لم ينقطع أبـــــــــدا.

عندما قدم بونغ جويريرو إلى دبي في بداية التسعينات، لم يكن عمره يتعدى الـ24 عاما. أول وظيفة حصل عليها كانت إدارة بيت أزياء محلي، يعتبر حاليا من أكبر البيوت في المنطقة. فالكاريزما التي يتمتع بها وتنبعث من شخصيته الاجتماعية ساعدت على أن يكون شبكة علاقات مهمة مع المجتمع الراقي في دبي. يقول بونغ: «لم أتعمد دخول هذا المجال بل وجدت نفسي فيه بمحض الصدفة. ورغم أني لا أدعي أني مصمم أزياء، إلا أنني كنت أعرف بعض الأبجديات الأساسية، مثل الطريق إلى أحسن الخياطين وكيف يمكن التعامل معهم للحصول على منتج جيد». لما يتذكر بونغ البدايات، لا ينتابه أي ندم على أن الصدفة والحاجة إلى العمل دفعته إلى مجال الموضة، بل العكس تماما، فهو يعترف بأنه فتح له الكثير من الأبواب، وقربه من المجتمع الخليجي والثقافة العربية أكثر. بعد سبع سنوات من العمل في نفس دار الأزياء، شعر بأن الوقت قد حان للتغيير، وكانت الخطوة الطبيعية أن يتخصص في إدارة الأعمال، وتحديدا تنظيم فعاليات وحفلات في شتى المجالات بما فيها الموضة. فبحكم خبرته السابقة في عالم الأزياء، وجد نفسه مطلوبا لتنظيم عروض أزياء في المنطقة. يشرح: «كانت تربطني علاقات جيدة مع مصممي الأزياء من جميع الجنسيات في المنطقة، وما ساعدني على النجاح في هذا المجال، أني كنت أحظى باحترامهم على أساس أني واحد من الرياديين في المنطقة. مع مرور الزمن، وبعد مراقبتي لما يجري حولي ومدى حب الناس للموضة وتزايد أهميتها وتأثيرها، شعرت بأن الوقت حان لكي يكون لدبي حدث خاص يليق بمكانتها بصفتها واحدة من أهم مناطق الجذب وعواصم التسوق في العالم، على شرط أن يحتفل بمصمميها».

كل من تتحدث معه في دبي، يشرح لك أن «فاشن فوروود» مختلف عن كل المحاولات السابقة. فقد كانت هناك محاولات سابقة لتأسيس أسبوع موضة، بعضها لم يسعفها النجاح وبعضها لم يكن التوقيت في صالحها واختفت من الرادار بالتدريج. أما ما لا يختلف عليه اثنان أن كل العناصر متوفرة لإنجاح هذا الحديث، والكل متعطش له.

يعترف بونغ أن فكرة أن تتحول دبي إلى عاصمة موضة مبدعة كانت تدغدغه منذ زمن طويل «كنت أحلم أنه لو أتيحت لي الفرصة والإمكانيات لنظمت فعالية أطلق عليها (فاشن فوروود) لأن اختصار الاسم الإنجليزي Forward هو FWD وإذا أخذنا هذه الأحرف الثلاثة على حدة لأمكننا الحصول على Fashion week Dubai أي أسبوع دبي للموضة». رغم أن الاسم يتمتع برنة قوية، إلا أن من الأسباب التي دعت إلى التفكير فيه أن اسم أسبوع موضة دبي كان مأخوذا، ولم يكن من الممكن استعماله من قبل جهات أخرى. من خلال متابعاته وإلمامه بخبايا الأمور في دبي، فكر بونغ أنه بالإمكان ملء الفراغ وتحويله إلى فرصة ذهبية. كان التحدي كبيرا، لكن إمكانية الفشل لم تكن مطروحة بالنسبة له، لهذا قبل أن يبدأ في التطبيق يشرح: «جمعت كل المصممين المهمين الذين أعرفهم جيدا وأؤمن بقدراتهم، فضلا عن أنهم كانوا يشجعونني كثيرا أن أقوم بهذه الخطوة، وقلت لهم إنهم إذا أرادوني فعلا أن أبدأ العمل عليها، عليهم أن يتعاونوا معي بشكل جدي، فضلا عن مشاركتهم الدائمة فيه». ويضيف ضاحكا، لكن بنظرة جادة: «قلت لهم إن أهم شيء في مشاركتهم أن يتركوا أي (أنا متضخمة) بعيدا عن الملعب، أو منصات العرض هنا، لأن نجاح مشروع من هذا النوع والحجم لا يحتاج إلى نرجسية أو أنا متضخمة. لم يمانعوا أبدا، وهكذا بدأنا في التحضير. استغرقت عملية التحضير أكثر من عامين، لهذا عندما انطلق (فاشن فوروود) في موسمه الأول في أبريل (نيسان) من العام الماضي، بدأ قويا بنظرته المستقبلية، ومستقويا بمجموعة مهمة من المصممين الذين قدموا كل ما عندهم».

بونغ كان أول من ترك النرجسية بعيدا عن الملعب، ليس لأنه يعاني منها بالأساس بل لأنه كان يعرف أن العمل يجب أن يكون جماعيا تتكاثف فيه كل الجهود. ساعده على الأمر أن كل العاملين في مجال الموضة، من وسائل الإعلام إلى صناعها والمؤثرين فيها إما أصدقاؤه أو المؤمنين بقدراته. ومع ذلك، وعلى الرغم من الإنجازات التي حققها لحد الآن، يحب أن يضع الأمور في نصابها الطبيعي، ويقول إنه لا يريد أن يجري أو يقفز قبل أن يتعلم المشي بثقة. يعترف أيضا أن «فاشن فوروود» لا يزال في بداياته، لهذا من الطبيعي أن يتعثر ويتعرض لمطبات وأخطاء، لكن المهم هو التعلم منها وتداركها بغض النظر عنها إذا كانت النية هي الاستمرار والمهنية. يقول: «كل شيء ممكن حاليا، نحن في بداية الطريق، وسنواجه بعض العثرات قبل أن نصل إلى المبتغى، لكن الأفكار والحماس والرغبة في إنجاحه متوفرة، وهذا يعني أن المستقبل سيكون لنا». ويتابع: «مع كل احترامي أنا أعتقد بأن هناك أربعة أسابيع موضة عالمية فقط لحد الآن هي نيويورك، وميلانو، وباريس ولندن، لهذا لا أريد أن أدخل في منافسة معها، بقدر ما أطمح إلى خلق فعالية تعكس البيئة التي نعيش فيها وتطلعاتها. العالم شاسع وكل أسبوع من هؤلاء له شخصية خاصة لا تتعارض مع الآخر، أو تأخذ منه شيئا. أنا لا أدعي بأننا سنكون العاصمة الخامسة أو السادسة أو حتى السابعة، لأن المهم بالنسبة لي أن يتمتع «فاشن فوروود» بشخصية خاصة وهوية مميزة، لأن المنطقة تستحق أن يكون لها مصممون من بيئتها وصلبها، يقتدى بهم دون النظر دائما إلى الغير».

المشكلة التي قد يواجهها الأسبوع لحد الآن ليست التنظيم بل نوعية المصممين. فبعضهم لا يزال يتلمس طريقه، وبالتالي قد لا يكون كل ما يقدمونه يعبر عن إمكانياتهم بعد، إضافة إلى «أنا» بعضهم أو وحماسهم الجامح والمتسرع للنجاح أحيانا. يوافق بونغ قائلا: «المصمم بطبعه حساس وطموح. فهو يريد أن يلفت الأنظار من أول عرض، وأن يحقق النجاح في أول موسم وأن يحصل على تغطيات كبيرة من أول تجربة، وهو ما أحاول أن أشرحه حتى لأقرب أصدقائي ممن عملوا في المهنة لسنوات. أقول لهم دائما أن يصبروا ولا يصابوا بالإحباط بعد أول أو ثاني تجربة، لأن الاستمرارية مهمة. نحن الآن في مرحلة الغربلة، بعضهم قد يغيب لموسم ويعود بعد فترة، وبعضهم مستمرون معنا من الموسم الأول، مدفوعون بإيمانهم به والرغبة أن يكونوا طرفا في تكوينه وولادته وشاهدون على نموه، وبالتالي تستشعر حماسهم في كل عرض». ويستطرد، بنظرة فلسفية تتفهم ما يجول بخاطر المصممين، بأنه لا يلومهم عندما يعبرون له أن حلمهم هو العرض في ميلانو أو باريس أو نيويورك، لأنه يعرف بأن «فاشن فوروود» لا يزال في بداية الطريق وقد يحتاج إلى سنوات لكي يستوقف العالم ويضع اسمه على خريطة الموضة العالمية «بينما هم يريدون منبرا جاهزا ومعبدا، بحثا عن حلم العالمية». يتابع: «أذكرهم دائما بأنه من الأفضل لهم أن يشاركوا في فعالية توفر لهم منبرا قويا في عقر دارهم على أن يشاركوا في الشوارع الخلفية، وخارج البرنامج الرسمي في أي عاصمة عالمية أخرى. نحن في الطريق الصحيح، والأهم أننا في دبي، وهذا يعني أن ما قد يستغرق عدة سنوات في أي عاصمة أخرى، سينجز في وقت أقصر بكثير هنا».

مما لا شك فيه أن بونغ لم يكن مبالغا في هذا القول، لأن كل الظروف مواتية في الوقت الحالي، من توفر مجموعة لا يستهان بها من المصممين الذين يتعاملون مع مهنة تصميم الأزياء بشكل جدي ومدروس وليس فقط بالوراثة، إلى اهتمام الحكومة ورعايتها له، وليس أدل على هذا من «حي دبي للتصميم» (d3) الذي دخل في شراكة مع الحدث.

الدافع أن معظم المهتمين بالإبداع هنا، مثل بونغ، يؤمنون بأن دبي تأخرت في دخول الموضة من الناحية الإبداعية، مما جعلهم يستقبلون «فاشن فوروود» بالأحضان. هذا الأخير، استغل الفرصة بذكاء واستفاد من أخطاء الغير، بتركيزه على الشرق وحرصه على توفير منبر يستعرض فيه مصممون من المنطقة أزياءهم وإكسسواراتهم دون أن يركز على استضافة بيوت عالمية تخطف الأضواء من المبتدئين. وكما أشار بونغ، فإن المنبر مفتوح أمامهم، وأفضل لهم بكثير من العرض على هامش أي أسبوع، ومن دون اعتراف الجهات الرسمية المختصة، في عاصمة غربية، مهما كانت مهمة. ومع ذلك فإن اختيارهم هنا ليس عشوائيا أو «سد» عدد، بمعنى أنه ليس كل من فكر في العرض يقبل. فهناك شروط مهمة، منها أن تكون لهم ورشات ومعامل في بلدان عربية، وقدرة على إنتاج كميات يمكن تسويقها في المحلات إن استدعى الأمر. فبونغ والمشرفون على «فاشن فوروود» يعرفون أن العملية ليست عاطفية وبأن الجانب التجاري والتسويقي في أهمية الجانب الإبداعي، وربما أكثر بالنظر إلى ما ركزت عليه بعض المحاضرات التي شهدتها الفعالية. الخوف هنا أن بعض هذه المحاضرات ركزت على الجانب التسويقي والتجاري إلى حد الإشارة إلى أنه على المصمم أن يصغي بانتباه إلى أصحاب المحلات والمشترون لمعرفة ما يبيع ولا يبيع. وهذا يعني تقديم ما يريده الزبون، وهو ما يمكن أن يجهض الإبداع والابتكار لصالح النجاح التجاري.

المصمم جون لويس ساباجي، من المصممين الشباب الذين يميلون إلى خلق توازن بين الابتكار والتسويق. يقول إن: «النظرة إلى الموضة في الشرق تغيرت وكذلك طريقة التعامل معها من قبل المصممين المحليين. بالنسبة لي شخصيا، أنا أحاول دائما أن أتوصل إلى تحقيق التوازن بين الجانب التجاري وبين الجانب الفني، بمزج الجريء والحداثي على شرط أن يكون عمليا يمكن استعماله في أرض الواقع. اعترف أني قد أقع في مطب الدراما أحيانا وأشطح بخيالي بعيدا، لكن في الوقت ذاته، أعرف أن هذا أسلوب أصبح لصيقا بتصاميمي، وأصبح الناس يتوقعونه مني. من ناحية أخرى فأنا أتعامل مع الزبونات بشكل مباشر، بحكم أنني أعمل في مجال الـ(كوتير) وبالتالي آخذ بعين الاعتبار أنهن يرتحن أكثر عندما يحصلن على قطعة فريدة أضع عليها لمسة من لمساتي الجريئة».

لكن ليس كل الشباب لهم نفس القدرة والنضج، فساباجي شاب امتهن هذه الصناعة منذ عقود. أي أنه من جيل ورث الخبرة وصقلها بالدراسة عدا أن الإمكانيات لا تنقصه، بينما هناك بعض المصممين، ورغم ما يتمتعون به من حماس وفورة الشباب، لم يرسخوا أسلوبا خاصا بهم، وبالتالي ترى تشكيلاتهم دون رؤية واضحة ومشتتة بين عدة أفكار. في المقابل، برهن مصممون لهم باع طويل في صناعة الأزياء، حيث يتعامل بعضهم مع هوليوود مثل إزرا و«اماتوا»، إنهم يتقنون الجانبين الفني والتجاري وإن كانوا يركزون أكثر على ما تريده الزبونة الشرقية، وهو ما تجسد في تشكيلات مطرزة بسخاء وتصاميم انيقة وعصرية قد تفتقد إلى الجديد والمبتكر لكنها غنية بالبريق والإبهار. هذه الازدواجية بين الابتكار والتجاري ليست لصيقة بـ«فاشن فوروود» فحسب، بل عانت منها عواصم أخرى، نذكر منها لندن، التي استغرقها الأمر عدة عقود قبل أن تستوعب أن الجانب التجاري بأهمية الابتكار. فبحكم أنها العاصمة الولادة للصرعات والتقليعات التي يجود بها خيال شبابها، لم تنتبه أن هذا الخيال والجنوح للجنون كان يثير لها الأنظار والإعجاب لكنه لم يكن يبيع، مما عرضها لعدة مشكلات. فقط بعد 25 عاما تقريبا غيرت اتجاهها بالكامل، وبدأت تعطي دروسا وورشات في فنون التسويق لمصمميها. الخلطة الآن ناجحة، قد تفتقد إلى الابتكار المطــلق الذي عودنا عليه خريجو معاهدها، لكنها على الأقل بدأت تعرف طريقها إلى الأسواق العالمية، من دون أن تلغي تماما إمكانيات شبابها أو تقتل قدراتهم الإبداعية. وهذا بالضبط ما يمكن لـ«فاشن فوروود» أن تعمل عليه حتى لا تتهم دبي بأنها لا تزال استهلاكية في أفكارها وخيالها.