جبهة سياسية وسطية جديدة تحت اسم «تحالف تونس القوية»

مشروع قانون لإحداث محاكم استثنائية يثير مخاوف وجدلا سياسيا وشعبيا

TT

ينتظر الإعلان عن جبهة سياسية وسطية جديدة تحمل اسم «تحالف تونس القوية» في الأيام القليلة المقبلة في تونس، وستأخذ الجبهة على عاتقها تجميع شتات العائلة السياسية الوسطية في تونس في تحالف سياسي يناضل من أجل قيم الجمهورية والمدنية والمواطنة على حد تصريح قيادات الأحزاب المنضمة حديثا إلى المبادرة الدستورية.

وأعلن عدد من الأحزاب السياسية عن قرب انضمامهم خلال الأيام القليلة المقبلة إلى المبادرة الدستورية التي يقودها كمال مرجان آخر وزير خارجية في عهد بن علي، وتشمل قائمة الأحزاب كل من حزب «تونس بيتنا» وحزب «الخيار الثالث» برئاسة صالح شعيب وحزب «تونس الغد».

وعادت لغة التحالفات السياسية إلى الظهور من جديد في محاولات لإعادة تشكيل الخارطة السياسية، من ذلك أن حركة النهضة التونسية اعترفت في ورقة تقييم لتحالفها مع حزبي المؤتمر والتكتل ضمن «الترويكا» بمجموعة من الأخطاء من بينها عدم وضوح الرؤية بشأن الأولويات الرئيسة إبان فترة الحكم، وضعف المشاركة السياسية والفشل في توسيع دائرة التحالف السياسي خارج نطاق الترويكا الحاكمة، بالإضافة إلى ضعف تقدير ظاهرة الإرهاب وعدم وضوح استراتيجية مواجهته في أيامه الأولى.

ولم تخف «النهضة» وجود فوائد مهمة خلال تجربة الحكم من بينها المصالحة مع الدولة ونجاح تجربة الإسلام السياسي في التعايش مع بقية الأطراف السياسية.

في غضون ذلك، يعرض يوم غد (السبت) على أنظار المجلس التأسيسي (البرلمان) مشروع قانون يتعلق بإحداث دوائر قضائية مختصة للنظر في قضايا شهداء وجرحى الثورة التونسية.

وأثار مشروع هذا القانون الجديد موجة من الانتقادات من جانب عائلات القيادات الأمنية الصادرة بحقها أحكام قضائية يوم 12 أبريل (نيسان) الحالي، والتي رأت في الدعوات المتكررة لإعادة المحاكمة انتهاكا لقرار المحكمة العسكرية التي برأت ذويهم من تهمة القتل العمد من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن هذا القانون في حال تطبيقه يجدد مشاعر الخوف من جديد في أذهان الطبقة السياسية التونسية التي عبرت عن تخوفها من إعادة سيناريو المحاكمات الاستثنائية التي طبقها النظام السابق ضد السياسيين والناشطين في مجالات حقوقية.

وانتقد حمة الهمامي، القيادي في تحالف الجبهة الشعبية (تجمع سياسي يضم 12 حزبا بين يساري وقومي) إمكانية عودة المحاكم الاستثنائية، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن تلك المحاكم كانت وراء إعدام الكثير من التونسيين ممن خالفوا الأنظمة السياسية السابقة الرأي، دون وجه حق. وأشار على وجه الخصوص إلى إعدام مجموعة من المساجين بسجن «9 أبريل» الذي كان مقره وسط العاصمة يوم 17 أبريل 1980، وذكر بمجموعة الاعتقالات والمحاكمات الجائرة والعشوائية فيما يعرف في تونس بأحداث قفصة 1980. وقال إن «من مخلفات تلك المحاكمات أننا لا نعرف إلى حد اليوم وبعد 34 سنة مكان رفات التونسي أحمد الميرغني الذي قاد أحداث قفصة».

وساد الساحة القضائية والقانونية خلاف حاد بشأن أحكام قضائية صادرة في حق القيادات الأمنية المتهمة بقتل مئات المحتجين إبان الثورة التونسية. واختلفت آراء أعضاء لجنة التشريع العام صلب المجلس التأسيسي (البرلمان) الذي يناقش قانون إحداث تلك المحاكم الاستثنائية. وعارض البعض منهم مشروع أحداث دوائر قضائية مختصة وسحب القضايا من المحاكم العسكرية ودعم موقفه بعدم دستورية تلك المحاكم وعدم استجابتها لمبادئ المحاكمة العادلة، فيما تمسك أعضاء من لجنة التشريع بإحداث تلك المحاكم الاستثنائية وإدماجها في قانون العدالة الانتقالية المتعلق بالمساءلة عن انتهاكات الماضي وإقرار المصالحة بين التونسيين.

ونبه خبراء في القانون الدستوري من خطورة تعرض الدستور التونسي الجديد للخرق بعد أقل من ثلاثة أشهر فحسب على التصديق على محتواه. وانتقد خبراء القانون الدستوري هذا القانون وتوقعوا أن يحتوي على خرق واضح للدستور التونسي، وخصوصا في فصليه 110 و149.

وفي هذا السياق، قال قيس سعيد، الخبير التونسي في القانون الدستوري، لـ«الشرق الأوسط»، إن إحداث محاكم مختصة في قضايا شهداء وجرحى الثورة التونسية يطرح تناقضا صارخا مع الدستور التونسي في الفصل 110 الذي ينص على منع محاكم استثنائية أو سن إجراءات استثنائية من شأنها المساس بمبادئ المحاكمة العادلة.

ولتجاوز هذا الأشكال الدستوري، اقترح سعيد أحداث هيئة قضائية خاصة في نطاق العدالة الانتقالية وتتركب من خمسة قضاة ثلاثة منهم من القضاء العدلي وواحد من القضاء الإداري وقاض خامس من القضاء المالي. وأضاف أن الهيئة القضائية المذكورة تشرف على ست دوائر مختصة في قضايا الفساد السياسي والإداري، والفساد المالي، وانتهاكات حقوق الإنسان، وملفات شهداء وجرحى الثورة، ودائرة تختص في قضايا جبر الأضرار في حين تتهم الدائرة السادسة بالأرشيف.

وقوبلت الأحكام القضائية المخففة بحق قيادات أمنية من النظام السابق بموجة عارمة من الانتقادات، وتشمل تلك الأحكام على وجه الخصوص رفيق بلحاج قاسم، وزير الداخلية السابق، وعلي السرياطي، مدير الأمن الرئاسي، وأقرت المحكمة العسكرية تخفيض بعض الأحكام القضائية من 12 سنة في الطور الابتدائي إلى ثلاث سنوات في طور الاستئناف.

وتقول هيئات الدفاع عن المتهمين من القيادات الأمنية إن منوبيهم سيغادرون السجن قبل يوم 14 مايو (أيار) المقبل على أقصى تقدير بعد انتهاء مدة العقوبة القصوى المسلطة عليهم والمقدرة بثلاث سنوات.