زعيم دعاة مقاطعة انتخابات الجزائر: لدينا أدلة بالصور على تزوير نسبة المشاركة

رئيس «حركة السلم» قال لـ «الشرق الأوسط» إن المعارضة ستتقوى في المرحلة المقبلة وأي انفلات أمني يحدث سببه النظام

مقري أثناء الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» في مكتبه بالعاصمة الجزائرية أمس
TT

برز عبد الرزاق مقري كسياسي معارض لنظام الحكم في الجزائر منذ فترة التسعينات من القرن الماضي عندما كان يشغل مناصب قيادية في حركة المجتمع الإسلامي (التي غيرت اسمها إلى حركة مجتمع السلم لاحقا) بزعامة الراحل الشيخ محفوظ نحناح. يحمل مقري (54 عاما) في الأصل شهادة دكتوراه في الطب، وهي مهنة زاولها في مسقط رأسه بولاية المسيلة إلى غاية عام 1997 عندما جرى انتخابه عضوا في البرلمان الجزائري. وبعد عشر سنوات على تجربته البرلمانية رفض إعادة ترشحه لعضوية المجلس الشعبي الوطني في استحقاق 2007، حسبما صرح للصحافة حينها. وبعد خروجه من البرلمان برز أكثر كنائب لرئيس حركة مجتمع السلم، وجرى تجديد انتخابه في المنصب لمدة خمس سنوات أخرى خلال المؤتمر الوطني للحركة عام 2008، وكان يمثل خلال تلك الفترة وجهة النظر المتشددة داخل الحركة. والعام الماضي، جرى انتخابه على رأس حركة مجتمع السلم خلفا لأبو جرة سلطاني. ويتردد على نظام واسع أن مقري لعب بعد تسلمه قيادة الحركة دورا رئيسا في فك الارتباط الذي استمر بينها وبين السلطة لأكثر من 15 سنة. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي جرت أول من أمس، اتخذت حركة مجتمع السلم بزعامة مقري قرارا بمقاطعة الاقتراع، وهو الخيار الذي انتهجه لاحقا عدد من الأحزاب والشخصيات الوطنية. وبذلك، بات مقري أحد أهم دعاة مقاطعة انتخابات الرئاسة لعام 2014. ومعروف أن دعاة مقاطعة الانتخابات شكلوا تنسيقية فيما بينهم نظمت تجمعات تدعو المواطنين لعدم التوجه لمراكز الاقتراع. التقته «الشرق الأوسط» في مكتبه بالعاصمة وأجرت معه حوارا ذكر فيه أن الحركة التي يتزعمها تملك أدلة بالصور على تزوير السلطات لنسبة المشاركة في الاقتراع. كما قال إن المعارضة أعدت خططا من شأنها تقوية جبهتها وطرح مشروع للانتقال الديمقراطي والسعي لإقناع السلطة بالانخراط فيه. وفيما يلي نص الحوار:

* تزعمتم حملة مقاطعة الانتخابات الرئاسية وفي الأخير أظهرت النتيجة أن نسبة المشاركة بلغت نحو 51 في المائة، فهل يمكن القول إنكم خسرتم الرهان؟

- أتعجب لقولكم إننا خسرنا الرهان. السلطات أعلنت عن نسبة مشاركة بـ51 في المائة رغم التزوير والتضخيم الذي نملك حوله أدلة بالصور. مكاتب الاقتراع كانت فارغة، والأرقام التي قدمتها «وزارة الداخلية» غير منطقية. السلطة قالت إن نسبة المشاركة بلغت في العاشرة صباحا 9 في المائة، ما يعني أنه خلال ساعتين منذ بدء الاقتراع توجه نحو مليوني شخص لمراكز التصويت. هذه أعداد ضخمة لم نلاحظها. الجهاز الذي شكلناه لمتابعة المشاركة قدر الرقم الحقيقي عند وقت إغلاق مكاتب الاقتراع بما بين 18 و20 في المائة. ثم حتى لو سلمنا بنسبة 51 في المائة الرسمية، وقارناها بالانتخابات الماضية التي بلغت نسبة المشاركة فيها 74 في المائة، فهذا يعني أن الرقم تقلص بالربع، وهذا دليل على نجاح الدعوة للمقاطعة.

* إذن أنتم تتهمون السلطة بالتزوير. فهل لديكم أدلة على ذلك؟

- ما يهمنا نحن في هذه الانتخابات تحديدا هو نسبة المشاركة، أما التزوير فيتحدث عنه المرشح علي بن فليس الذي ذاق المرارة في هذا الاستحقاق. نحن لدينا أدلة على تزوير نسبة المشاركة، لدينا شهود حدوث عمليات تصويت بدل أشخاص غائبين. النتيجة ضخمت ولدينا أدلة وصور على ذلك.

* هل قاطعتم هذه الانتخابات بسبب مشاركة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة؟

- لم نقاطع من أجل بوتفليقة. قرار المقاطعة اتخذناه قبل ترشح الرئيس.

* ما سبب مقاطعتكم إذن؟

- لأن الانتخابات لا تمثل فرصة للتغيير والإصلاح السياسي.

* هل تعنون بذلك هذه الانتخابات أم كل الانتخابات التي جرت وتجري؟

- الانتخابات الماضية كانت كلها فرصا ضائعة. حاولنا على مدى السنوات الماضية أن نغير من خلال المشاركة، لكن هذه المرة تعيش الجزائر وضعا صعبا. الميزان التجاري في تراجع بنسبة 53 في المائة، وإنتاج النفط في تناقص، والواردات في ارتفاع، كما أن الوضع الاقتصادي مرهون بالمحروقات. نظام الحكم لم يستطع مواجهة المطالب الاجتماعية رغم البحبوحة المالية (في السنوات الماضية) فكيف ونحن الآن أمام انتهاء مرحلة البحبوحة المالية، كما أن هناك صراعات كبيرة داخل نظام الحكم. نحن قدرنا أننا لو شاركنا في هذه الانتخابات التي تعد المنافسة فيها على شخص واحد (فإن الأمر لا يفيد). لو كانت انتخابات تشريعية فربما تغير الأمر على اعتبار أنها فرصة للوجود في البرلمان. لكن عندما كانت المنافسة على شخص واحد تكون له كل الصلاحيات، أردنا عدم إعطاء مصداقية لهذه الانتخابات.

* هل يمكن القول إن بوتفليقة فاز لأن المعارضة تشتت بين من نافسوه ومن قاطعوا الاقتراع؟

- المعارضة لم تتشتت. الأحزاب القوية المعروفة كلها قاطعت الاقتراع، وهذا يشمل أحزاب التيار الإسلامي والتيار العلماني والشخصيات المعروفة في التيار الوطني. قائمة المقاطعين شملت حركتنا (حركة مجتمع السلم) وحركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية وقيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ. كما أن رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش والرئيس السابق ليامين زروال قاطعا. كل الأحزاب والشخصيات القوية التي صنعت التاريخ السياسي المعاصر للجزائر قاطعت.

* هناك الآن حراك شعبي يتظاهر في الشارع ضد فترة رابعة للرئيس بوتفليقة. هل تؤيدون هذا الحراك؟

- الصدام في الشارع ليس خيارنا، لكننا نرى أن تنظيم مسيرات في الشارع يكلفه القانون والدستور والأعراف الدولية. يجب على نظام الحكم أن يسمح بالمسيرات ولا يعتقل من يختارون هذا الأسلوب للتعبير عن رؤاهم. القمع الذي تمارسه السلطات ضد من يريدون التظاهر هو الذي يؤدي إلى الانزلاق (الانفلات) الأمني.

* ما بدائلكم السياسية في المرحلة المقبلة بعد اتجاه بوتفليقة للفوز بفترة رابعة؟

- نحن لم نكن نرى أن هذه الانتخابات تمثل شيئا، ولذلك أعلنا عن بديل قبل الانتخابات، هو العمل لتوسيع جبهة المعارضة من أجل الذهاب إلى ندوة الانتقال الديمقراطي. لقد بلورنا هذا الموضوع على مستوى الأحزاب والشخصيات المقاطعة، وشكلنا لجانا للتحضير للندوة. والآن سنشتغل أيضا مع كل الذين خابت آمالهم وكانوا يعتقدون أن هذه الانتخابات تمثل فرصة للتغيير. إذا قبلت السلطة اقتراحات المعارضة القوية المتجذرة في المجتمع فإن الانتقال الديمقراطي سيسهل، أما إذا لم تقبل فإن هذه الأحزاب ستستمر في ممارسة الضغط السياسي السلمي، وإذا حدث أي شيء في البلد فإن الذي يتحمله هو النظام لا المعارضة.

* متى ستعقد هذه الندوة؟ ومن الذي بادر بإطلاقها؟

- كثير من الأحزاب كانت لها فكرة الانتقال الديمقراطي، وجرت بلورة كل هذه المقترحات في تنسيقية الأحزاب والشخصيات المقاطعة للانتخابات. نحن شكلنا لجنة من 18 شخصا بدأت الإعداد للمشروع وتحديد المحاور الكبرى للندوة التي ستعقد خلال الأسابيع المقبلة. هناك اتصالات بالكثير من الأحزاب التي قدمت موافقتها على الانضمام للجبهة العريضة. حتى الاسم سيتغير من تنسيقية مقاطع الانتخابات الرئاسية إلى التنسيقية من أجل الانتقال الديمقراطي.

* هل تتوقعون أن تسمح لكم السلطات بعقد الندوة؟

- لن تستطيع السلطات منعنا، فنحن أحزاب قانونية وهذا لا يعد مشكلة. المشكلة المطروحة هو ما إذا كانت السلطة ستقبل التعاون مع مقترحاتنا من أجل الانتقال الديمقراطي أما أنها ستواصل تعنتها ويصير المشكل بينها وبين الشعب الجزائري.

* هل تتوقعون صداما سياسيا بينكم وبين السلطة في المرحلة المقبلة؟

- نحن لا ندعو إلى الصدام السياسي وإنما للعمل السياسي ونمارس الأدوار المعروفة في علم السياسة. نحن نمارس الضغط السياسي على السلطة وفقا لما يسمح به الدستور والأعراف الدولية.

* أشرتم كما أشار سياسيون آخرون كثيرون إلى فكرة المرحلة الانتقالية. ماذا تعنون بذلك؟

- هناك أوجه للانتقال الديمقراطي. الأول تعتمده السلطة عندما تحدث أزمة عبر منحها بعض الأحزاب حقائب في الحكومة وبعض المناصب ويتحول الأمر لعمل سياسي عبثي، وهذا لا نقبله. والثاني هو لجوء المعارضة للعمل بعيدا عن السلطة ومحاولتها بناء مؤسسات لوحدها وهذا أيضا لا نقبله لأنه لا يأتي بنتيجة. أما الطريق الذي اخترناه فهو أن نقوي جبهة المعارضة ونصوغ معا داخل المعارضة مشروعا متكاملا للانتقال الديمقراطي ثم ندخل في حوار مع السلطة من أجل أن تكون طرفا في الانتقال الديمقراطي. إذا قبلت السلطة فذلك ما نريد وإذا رفضت نستمر في الضغط السياسي ويكون حليفنا في هذه الحالة الشعب الجزائري التواق للتغيير.

* يبدو خطكم السياسي الآن مغايرا عما كان عليه وقت مؤسس الحركة الراحل الشيخ محفوظ نحناح.

- هو ليس مغايرا لخط الشيخ نحناح. فالشيخ نحناح كان قبل عام 1996 معارضا، وشارك في انتخابات الرئاسة عام 1995 كمرشح معارض، ودخل السجن عام 1974 من أجل المعارضة.

* لكنه اختار خلال الأزمة السياسية في التسعينات المشاركة في العمل مع نظام الحكم.

- المرحلة كانت تقتضي ذلك، والسياسة ليست قواعد جامدة. المنهج الذي يتبناه الشيخ نحناح وبنيناه جميعا معا، هو منهج الاعتدال الذي يجعل صاحبه تارة في الحكومة وتارة في المعارضة. ثم العمل السياسي مجال اجتهادات.

* تبدو الأحزاب الإسلامية منقسمة.. ألا توجد مساع للوحدة بينها خصوصا تلك التي كانت مرتبطة بحركة الشيخ نحناح؟

- نعم هناك مساع جادة وتشكلت لجان متخصصة لهذا الغرض.

* من يمثل حركة الإخوان المسلمين في الجزائر؟

- اسأل الإخوان في مصر. نحن أحزاب وطنية تعمل ضمن القانون الجزائري وليس لنا انتماء لأي جهة خارجية سواء كانت إخوانا مسلمين أو غير إخوان مسلمين.

* هل يمكن أن نرى السيد مقري مرشحا رئاسيا يوما ما؟

- لكل مرحلة ظروفها وملابساتها، ومؤسسات الحركة هي التي تتخذ مثل هذه القرارات.